ثورة الأطباء المغاربة.. بين شجاعة الكشف عن الفساد ولوبيات تهدد صحة المواطنين

مع الحدث متابعة عماد وحيدال

تعيش المنظومة الصحية بالمغرب على وقع زلزال غير مسبوق بعدما كسر طبيبان، أحدهما من مستشفى الحسن الثاني بأكادير والآخر من مستشفى عبد الرحيم الهاروشي بالدار البيضاء، جدار الصمت وخرجا بوجه مكشوف لفضح الفساد والخروقات التي تنخر قطاع الصحة العمومية. خطوة جريئة قد تفتح الباب أمام أطباء آخرين في مختلف مدن المملكة للالتحاق بركب هذه “الثورة البيضاء” التي باتت حديث الشارع والرأي العام.

طبيب البيضاء، الذي طالب بحمايته بعد تعرضه للتهديدات، أكد أن ما يجري داخل المستشفى لا يخدم سوى مصالح لوبيات متجذرة، فيما لم يتردد زميله في أكادير في توصيف وضع المستشفى بـ”النقطة السوداء” بعد توالي فضائح الإهمال واحتجاجات المواطنين. هذه الشهادات تكشف أن الأطباء والممرضين يتعرضون للتضييق والتهميش ممنهج، لدفعهم نحو مغادرة الوطن أو الالتحاق بالقطاع الخاص، حيث تحكم لوبيات المصحات الخاصة قبضتها خدمة لمصالحها على حساب المرضى.

الأخطر من ذلك أن عدداً من الأطباء والممرضين سبق أن جربوا الخروج بتصريحات مماثلة، لكنهم سرعان ما توقفوا بفعل الضغوط، مما يعكس حجم المخاطر التي تحيط بكل من يحاول رفع الستار عن المستور. كما أن بعض أصحاب العيادات الخاصة حولوا المرضى إلى مجرد زبائن، يتعاملون معهم بمنطق الفاتورة الباهظة والوصفات الطبية المحصورة في صيدليات معينة، بل إن بعض الأطباء لا يترددون في طرد المريض إن لم يقتنِ الدواء كاملاً من تلك الصيدليات.

وتشير شهادات مرضى إلى ممارسات غير أخلاقية داخل المستشفيات العمومية، حيث يتم تحويلهم بشكل مباشر نحو مصحات خاصة أو عيادات بعينها، في ابتزاز صريح يجعل المواطن البسيط بين مطرقة الإهمال وسندان الاستغلال. الأخطر أن هناك لوبيات تسببت بشكل متعمد في إغلاق مستوصفات ومستشفيات عمومية، فقط لخلق المزيد من “الكلينيكات” الخاصة واستقطاب أطباء وممرضين من القطاع العام، حتى باتت المنظومة الصحية مهددة في عمقها.

إن ما قام به طبيبا أكادير والدار البيضاء عمل بطولي يستدعي وقوف الجميع إلى جانبهما، وتدخل الوزير الوصي بانتداب لجان لتقصي الحقائق بشكل جدي وسري، بعيداً عن أي شكل من أشكال التستر أو التسويف. كما أن حماية هؤلاء الأطباء الشجعان من التهديدات أصبحت واجباً وطنياً، لأن فضح الفساد لا يجب أن يتحول إلى مغامرة شخصية تهدد حياة ومستقبل كل من يجرؤ على الكلام.

لقد باتت صحة المواطن المغربي على المحك بين مطرقة الفساد وسندان غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح. اليوم، وقد بدأ الأطباء يرفعون أصواتهم بشجاعة، فإن الكرة في ملعب الدولة للتحرك العاجل، بتعليمات ملكية صارمة، من أجل حماية الكفاءات الوطنية وضرب لوبيات الفساد بيد من حديد. وإلا فإن “الثورة البيضاء” مرشحة للتوسع أكثر، وقد تتحول إلى صرخة جماعية من داخل المستشفيات العمومية، عنوانها: “كفى عبثاً بصحة المغاربة”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)