عندما يتحوّل حق العلاج إلى ضحية عبث رقمي وتقصير إداري

بقلم/ سيداتي بيدا

رغم الرسائل الواضحة والتحذيرات الصريحة التي تضمّنها الخطاب الملكي السامي، والتي شدّد فيها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده على ضرورة القطع مع منطق التهاون والارتجال، لا تزال بعض القطاعات العمومية تسير بعقلية ما قبل الإصلاح، في تحدٍّ صارخ لمنطق المحاسبة وكرامة المواطن.

لقد عبّر الملك بوضوح عن بداية مرحلة جديدة، لا مجال فيها للتسيّب الإداري أو التلاعب بمصالح المواطنين، مرحلة يُفترض أن تُبنى على الكفاءة، الالتزام، وربط المسؤولية بالمحاسبة. غير أن الواقع يكشف عن مشاهد تُناقض هذا التوجه، وتُبرز مدى التراخي الخطير في تدبير قطاعات حيوية، وعلى رأسها قطاع الصحة.

أليس من العار أن يُحرم مواطن مريض من حقه في العلاج، بسبب تطبيق إلكتروني معطّل أو منصة لا تستجيب؟ كيف يمكن الحديث عن التحول الرقمي وتجويد الخدمات العمومية، في الوقت الذي يُجبر فيه المرضى —ومنهم مسنون ومرضى مزمنون— على التنقل من مدينة لأخرى فقط لحجز موعد بسيط؟ هل يُعقل أن يُترك المواطن في مواجهة مباشرة مع البيروقراطية الرقمية، بلا مواكبة، بلا مساعدة، وبلا حلول بديلة؟

ما يحدث اليوم في عدد من المستشفيات العمومية من اختلالات في نظام المواعيد الرقمية، ليس تفصيلًا تقنيًا عابرًا، بل فضيحة إدارية بكل المقاييس، لأن الخلل هنا لا يُعطّل فقط تطبيقًا، بل يُعطّل حقًا دستوريًا أصيلًا: الحق في الصحة.

من يدفع ثمن هذا الفشل؟ المواطن طبعًا. المواطن الذي يؤدي الضرائب من دخله المحدود، والذي يُساهم يوميًا في تمويل المنظومة الصحية. المواطن الذي لا يطلب امتيازات، بل خدمة في المستوى، ومعاملة تليق بكرامته، واحترامًا لوقته وصبره.

إن ما نعيشه اليوم يؤكد أن الرقمنة، بدل أن تكون أداة لتقريب الخدمات، أصبحت في بعض الحالات جدارًا عازلًا يُعقّد حياة الناس ويُبعدهم عن حقهم في التطبيب. وهذا واقع لا يمكن السكوت عنه.

ما نحتاجه اليوم ليس خططًا معلّقة ولا لجانًا تشتغل وراء مكاتب مغلقة، بل نحتاج قرارات جريئة، محاسبة حقيقية، وإرادة صلبة تُلزم كل مسؤول بتحمّل تبعات تقصيره. لأن السكوت عن هذه الاختلالات هو خيانة لروح الخطاب الملكي، وضرب لمصداقية مؤسسات الدولة.

كفى من الأعذار. كفى من التبريرات. المواطن المغربي يستحق منظومة صحية تحترمه، إدارة تستجيب له، ومسؤولين في مستوى اللحظة التاريخية. الصحة ليست ميدان تجارب تقنية، ولا مرفقًا يُدار بعقلية “غدًا نُصلح”، بل حق مقدّس يجب أن يُصان اليوم، قبل الغد.

فمن لم يكن قادرًا على مواكبة التحول، فليفسح الطريق لمن يستطيع. المغرب الجديد لا ينتظر المتقاعسين.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)