طاقات مُحاصَرة: سوق الشغل واستثمار الطاقات النسائية؟ - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

طاقات مُحاصَرة: سوق الشغل واستثمار الطاقات النسائية؟

IMG-20251028-WA0059

تخيّلوا معي لوحةً مركبة لسوق الشغل النسائي في المغرب،في نصفهاشاباتٌ يحملن شهاداتٍ تلمع كالنجوم،يحلمن بمصانع يُدِرْنَها،ومشاريع يُقِدنها،ومختبرات يبتكرن فيها،وفي النصف الآخرمن اللوحة،سوق عمل أشبه بقلعةٍ عالية،تُراقب من أبراجها تلك الطاقات الهائلة،ثم ترفع الجسور وتُغلق الأبواب،هذه ليست خيالاً،بل هي معادلة البطالة النسائية في المغرب: طاقة هائلة تُحتجز على عتبات الانطلاق.

التحليل: الفجوة ليست رقماً.. إنها “ثقافة”

لا تكمن المفارقة في أن 19.4% من النساء النشيطات عاطلات حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، بل في أن هذه النسبة تصبح 30.2% بين الحاصلات على التعليم العال،إنها معادلة مقلوبة: كلما زادت مؤهلات المرأة، زادت احتمالات حبسها خارج أسوار سوق العمل،هذه ليست بطالة عادية، بل “إعاقة مُتعمَّدة” لطاقة اقتصادية هائلة.

يخبرنا تقرير المندوبية السامية للتخطيط بأن58.8% من النساء أصبحن أجيرات،في تحسنٍ واضح،كما لا نغفل الجانب الإيجابي المتمثل في مجموعة من المؤشرات المشجعة والمرتبطة بتحسن سوق الشغل النسوي في المغرب بشكل ملموس،لكن النظرة الأعمق،وبقراءة متأنية في آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط لسنة2024 تكشف أن 26.4% منهن ما زلن يعملن بدون أجر،تخيل أن ربع القوى النسائية العاملة تقدم إنتاجها مجاناً،بينما هذه النسبة لا تتعدى 5.8% لدى الرجال،إنها ليست هشاشةً اقتصادية فحسب،بل “استنزاف غير معقلن” للطاقات النسوية وقدرتها على الإنتاج كشريك فعال،وللتمعن في أرقام المندوبية فيما يخص البطالة النسوية،فإنها تسجل تزايدا مقلقا،إذ ـ حسب تقرير المندوبية ـ ففي سنة 2014 بلغ المعدل الوطني للبطالة حوالي 9،9% وفي سنة 2023 بلغ 13% وفي سنة 2024 بلغ 13،3%ـ والملاحظة هي أن النساء هن أكثر تضررا من هذه النسبة من البطالة،ففي سنة 2014 كانت نسبة البطالة لدى النساء10،4% بينما وصلت سنة2024 إلى 19،%،والنتيجة هي أن كل واحدة من خمس نساء ناشطات تعاني من البطالة،في حين أن نسبة البطالة لدى الذكور وفي نفس الفترة الزمنية إرتفعت من 7،9% إلى 11،6%،وهذا يعني أن العنصر النسوي هن المتضررات من نسبة البطالة،مقارنة مع الذكور،مما يعكس تعثر المنظومة الاقتصادية في إدماج المرأة في النشاط الاقتصادي.

القطاعات: محميات للنساء.. أم معازل؟

الفلاحة لا تزال تحتضن 26.5% من النساء العاملات،قد يبدو الرقم إيجابياً، لكنه في الحقيقة يُخفي حقيقة مريرة: غالبية هذه الوظائف هي امتداد للأدوار التقليدية غير المُقَدَّرة،وغير المحمية،إنه “تشغيل مقنَّع” بالتبعية والتقليد.

أما في المدن،حيث تنتشر النساء في الصناعة والخدمات،فإن السؤال الأهم: أية مناصب يشغلن؟ غالباً ما تكون في الدرجات الدنيا،مع محدودية فرص الترقّي والقيادة،التحسن في “نوعية الشغل” يبقى سطحياً إذا لم يترجم إلى سلطة قرار ومكانة اجتماعية.

الحلول خارج الصندوق: من “التشغيل” إلى “التمكين الاقتصادي”

العلاج التقليدي لمشكلة البطالة لم يعد مجدياً،نحن لا نحتاج إلى المزيد من “برامج التشغيل” بقدر ما نحتاج إلى “ثورة تمكين اقتصادي” تعيد تعريف دور المرأة في الاقتصاد:

اقتصاد المعرفة رهاننا: يجب تحويل التركيز من البحث عن الوظائف إلى خلق فرص شغل ناجعة ومحفزة،تشجيع الشابات على ريادة الأعمال الرقمية والتكنولوجية،وتمويل مشاريعهن الناشئة،هو السبيل لكسر حلقة الانتظار.

المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص: على الشركات الكبرى أن تتبنى سياسات توظيف شفافة تعتمد على الكفاءة فقط، وتُقدّم حوافز للنساء في المناصب القيادية.

إعادة تعريف “العمل”: العمل بدون أجر في المشاريع العائلية يجب أن يُعاد تصنيفه كـ “شراكة” تُمنح فيها الحقوق المالية والاجتماعية.

الثقافة هي السر السحري: أي حلٍ تقني سيفشل إذا لم يرافقه حملة ثقافية شاملة لتغيير الصورة النمطية عن دور المرأة، ليس كـ”قوة عمل مساعدة”، بل كـ”محرك اقتصادي أساسي”.

خاتمة:

الأرقام في تقرير المندوبية السامية للتخطيط ليست مجرد إحصاءات،بل هي صرخة إنذار،البطالة النسائية ليست “قضية نساء” تُعالج ببرامج هامشية، بل هي “أزمة اقتصاد وطني” تستنزف طاقته الأكثر ديناميكية، مستقبل المغرب الاقتصادي مرهون بقدرته على تحرير هذه العقول المحاصرة،وتحويلها من رقم في إحصاءات البطالة،إلى قوة دافعة في مسيرة التنمية.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي m3aalhadet مع الحدث