Categories
متفرقات

محددات دستورية لدبلوماسية العشرية الثانية

 

بقلم: محمد خليفة .طالب باحث   في العمل البرلماني و الصياغة التشريعية

إن ما يحكم دبلوماسية الدول وعلاقاتها الخارجية لا يخرج عن العقود الاجتماعية التي تبرمها داخليا، وإلا فإن الحديث عن السيادة يقود بالضرورة لسؤال لمن هي تلك السيادة؟، وبما أن عهود الثيوقراطية لم تصمد أمام فكرة الديمقراطية، فإن القول بكونها للشعب أو الأمة لا مغالاة فيه، وعلى إثر ذلك فإذا كان دستور المملكة المغربية في فصله الثاني يعطي هذه السيادة للأمة لتمارسها بشكلين: أولهما الشكل المباشر بالاستفتاء؛ وثانيهما الشكل غير المباشر بواسطة ممثليها. الذين تختارهم في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم. فإن هذا الدستور نفسه بما أنه يشخص هذه السيادة (بغض النظر عن الإشكاليات الداخلية) يمنح سلطة تمثيل الدولة لشخص الملك بناء على الفصل 42.

فالملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.

وأما آليات هذه السلطة فتتحدد في الفصل 55 حيث يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يُعتمد السفراء، وممثلو المنظمات الدولية، إلا أنه يوقع على المعاهدات ويصادق عليها، لكنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة، إلا بعد الموافقة عليها بقانون يصوت عليه من طرف البرلمان. وله أيضا أن يعرض على البرلمان كل معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها. والجدير بالذكر أن البرلمان يلعب دورا مهما بواسطة دبلوماسيته الموازية التي لا تخرج عن توجيهات الدستور، عبر الشعب ومجموعات الصداقة وتلك المعاهدات التي تحتاج ترخيصا برلمانيا…

فبعد أن تم تحديد لمن تعود ملكية السيادة، ولمن أعطت هذه السيادة سلطة تمثيل الدولة، فلا بد أن الدستور بصفته المحدد لفلسفة الدولة وبنيتها الفكرية قد حدد الضوابط الكبرى لتوجهات المملكة، فأول ضابط يبدو في استناد الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في: الدين الإسلامي السمح؛ والوحدة الوطنية متعددة الروافد؛ والملكية الدستورية؛ والاختيار الديمقراطي.

إلا أن التزامات المغرب تجاه محيطه الإقليمي والقاري والعالمي تتحدد فيما يلي:
أولا: العمل على بناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي، ومن هنا يبدو مصدر إلحاح المغرب على هذا الحلم، وسعيه لإنهاء كل ما يعيقه، من خلال سياسة اليد الممدودة، وسعي الملك بإحداث آلية لذلك في أحد خطاباته.
ثانيا: تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة، وقد يظهر ذلك أيضا في لعبه دور مهم في حوار الأطراف الليبية، ومن هنا يبدو أيضا كم أن المغرب لا يملك أن يتخلى على الدفاع عن قضية كالقضية الفلسطينية لما تحمله من دلالة دينية تكمن في الحفاظ على الطابع الاسلامي للقدس الشريف، وغيرها من القضايا…
ثالثا: تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الأفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل والصحراء. ومن هنا يمكن أن نفهم سياسة المغرب الخارجية تجاه القارة الإفريقية، وزيارات الملك لهذه الدول وتأسيس شراكات… وما غيره
رابعا: تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو-متوسطي.
خامسا: توسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم.والواضح هنا أن كلمتا توسيع وتنويع دلالتان مهمتان في تلمس المنطق الدبلوماسي الذي يحكم المملكة المغربية.
سادسا: تقوية التعاون جنوب-جنوب.
سابعا: حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسان والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء.
ثامنا: حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان.
تاسعا: جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

لكن على الرغم من هذا التحديد، فإن رهان أن تصبح القضايا الوطنية الكبرى، كالوحدة الترابية التي لا يستثني فيها الدستور مدينتا سبتة ومليلية المحتلتين، ولا أي من الثغور المحتلة، هو أن تتملك الأمة الدفاع عنها بإشراكها في اتخاذ القرارات الكبرى، وهذا لن يتحقق إلا بمسألة الديمقراطية، التي لا يمكن تحققها إلا بنموذج تنموي يمزج بين توزيع متوازن للسلط، وتوزيع عادل للثروة، بما أن النموذج يظهر من آليات للإنتاج وأخرى للتوزيع.

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة راي مع الحدث 
Categories
متفرقات

كيف ندافع عن الصحراء المغربية ؟

Categories
متفرقات

نور الدين الصايل.. فيلسوف السينما المغربية

الدكتور سعيد منتسب

كان رأسه ممتلئا حتى آخره بالسينما، وظل اهتمامه بها طازجا على الدوام، يغرد خارج السرب العام، ويحاول أن يجمع دائما بين الفكرة والصورة والكلمات، وكان بالفعل هو الاستثناء المثير للجدل، إذ كلما تحدث عن السينما كان يفعل ذلك بقلب شاعر شديد الحساسية.

ولا أكتم بأنني كنت شديد الإعجاب به، منذ أن رأيته أول مرة في بداية التسعينيات، وتحديدا في إحدى دورات مهرجان السينما الإفريقية بمدينة خريبكة. كنا آنذاك طلبة بكلية الآداب بنمسيك، ونمثل النادي السينمائي للكلية (ابراهيم زرقاني، عبد المجيد سداتي، عبد الخالق الساخي، عبد الرزاق ضريا، أبو الدهاج نور الهدى، عبد الله أستاذ، سعيد منتسب..). كان الماستر كلاس الليلي يبدأ في منتصف الليل، ويستغرق في المعدل أكثر من ساعتين، وكان الرجل الذي يلتهم العالم في “رمشة عين”، يصرف الغيوم عنا بسرعة غريبة، يتحدث عن السينما كما لو كان يقرأ من كتاب فلسفي.

ومنذ ذلك الحين، ظل نور الدين الصايل حاضرا بقوة في صلب رؤيتي للسينما: “الفيلم” يقع خارج المتعة، وقريبا جدا من المعرفة. كان يستعرض آراء النقاد والفلاسفة دون غطرسة، لدرجة أنه يمنح للفيلم حياة أخرى. فالفيلم، دائما، يستعرض تجربة إنسانية وفلسفية بكل غزارتها وتعقيداتها. ولهذا اعتبرته، عن حق، المعلم الذي حرر الخطاب النقدي السينمائي من “إيديولوجيا الصراع الطبقي” الذي كان سائدا آنذاك داخل الأندية السينمائية، ومنحه تذكرة عبور إلى شكله الأصلي المنفتح على لغة الصورة والسيميولوجيا وأنواع المعرفة الإنسانية الأخرى. بل إن نظرته للسينما كانت مسقوفة بأجراس عديدة، يختلط فيه المعنى بالتأويل، وبذلك السفر اللذيذ في “الأرشيف الإنساني اللامتناهي”.

لقد كان بالفعل، كما اعتقدت، “نهرا لا يجف في صحراء”، يكتظ بمياه كثيرة، ويروينا بسخاء بأضواء من آفاق سينمائية أخرى، ويفرض علينا بهدوء أن نحطم تلك السلاسل التي تجعلنا نلوي عنق القراءة فنحملها ما لا تطيقه من “عنف إيديولوجي” متجاوز، وخاطئ في أغلب الأحيان.

لقد استمر احترامي للرجل على طراوته لمدة ثلاثة عقود، وكنت كلما استمعت إلى مداخلة من مداخلاته الكثيرة هنا وهناك، أزداد يقينا بأنه يستحق كل ذلك التوهج الذي اتسع له على نحو استثنائي، رغم أنه لم يخلف إنتاجا سينمائيا مكتوبا، ما عدا بعض السيناريوهات.

ومما أذكره من لقاءات للراحل نور الدين الصايل، أنه صرح في ليلة الفلاسفة التي احتضنها المعهد الفرنسي بالدار البيضاء قبل سنتين (2018)، بأنه ليس دولوزيا (نسبة إلى جيل دولوز)، وبأن له قراءة خاصة للمجهود الفكري الذي قام به دولوز حول السينما، وذلك أثناء حديثه عن كتابيْ: (الصورة- الحركة) و(الصورة- الزمن).

وقال الصايل، إن السينما لم تنقذ حياته، بل الأحرى أنها “أنقذته من الحياة”. مضيفا أن السينمائيّين، مثل جميع المشتغلين في الفنون على نحو عام، لا يحتاجون الفلسفة للتفكير وتأمل السينما. فالفلسفة وسيلة وليست علمًا يمتلك محتواه الخاص. كما أن السينما التي تشكل مجالا لاهتمامه هي التي تسمح بانطلاق المعاني وتحريرها عبر تشكيل انفعالات وأحاسيس تُقاتل لتقترح حقيقة أخرى للأشياء. وهو ما عبر عنه بـ”النظام”، فأي فيلم يقترح “نظاما” متكاملا يجعله، إما يشاهده إلى نهايته، وإما يغادر القاعة بعد مرور 40 دقيقة أو أقل؛ والمخرج المبدع هو الذي يستطيع أن يقبض على اللامتناهي لاستعادته، تماما مثل النحات الذي يرى المنحوتة في قطعة الرخام قبل أن يشرع في عمله، على نحو لا يمكن أن يراها سواه. وهذا هو نظام الأشياء التي يقترحها علينا كل فيلم سينمائي.

واستشهد الصايل بفيلم “أوديسا الفضاء” لمخرجه ستانلي كوبريك، بوصفه “أحد أحسن الأفلام في تاريخ العالم”. إنه، في رأيه، فيلم مركّب من الموسيقى، المتمثلة في مقاطع ليغيتي، وريتشارد شتراوس، وجون شتراوس؛ لأن العالم أتى من صوت تكوَّن منه كل ما سيكون من ضوء وأشياء.

وأوضح الصايل أن ستانلي كوبريك يحكي في “أوديسا الفضاء” قصة العالم منذ إنسان ما قبل التاريخ وصولا إلى مرحلة الذكاء الصناعي، وما سيحدث مستقبلا، مشيرا إلى أن المخرج صوّر خوف الإنسان من الاختفاء بسبب تطور الذكاء الصناعي منذ الستينيات، واستمرار ذهاب العالم دون أن يعرف إلى أين، الذي تعكسه لقطة توجه المركبة إلى كوكب المشتري.

وقال الصايل إن “قوة الذات تكمن في المعرفة التي يجب أن تكون هدفا لنا بوصفنا أناسا”، مضيفا أنه “في الفهم من أجل الفهم فرحة اسبينوزية؛ لأنه داخل هذا المجال المغلق نجد انفتاحا مطلقا يقودنا إلى المعرفة لذاتها، مما يجعلنا نشعر بالغبطة، وبذلك يكون الأبد هو الشيء الوحيد الذي يجب أن نفكّر فيه، مع كل ما نعيشه وما سنعيشه، ورغم الفواجع التي نراها”.

وقال الصايل إن ضرورة قول “نعم” للوجود بأكمله، لا لأنفسنا وحدنا، تتمثل في أن إحساسنا بلحظة غبطة واحدة، وهذا يعني أن الوجود بكامله قد التحم من أجل جعلها ممكنة.

وتحدث الصايل عن مفهومي “الترتيب” و”المسافة”؛ “الترتيب” بمعنى أن العمل السينمائي يقدم للمتلقي إمكانية “إعادة ترتيب العالم” ومشاركة السينمائي عمليته الإبداعية والرغبة في ترتيب العالم المبعثر. فيما تعني “المسافة” أخذ مسافة من كل شيء كما تطرحها السينما عامة. فالشاشة، حسب الصايل، تعلم المتلقي أن “يحتل المكانة التي يجب أن يحتلها”. كما أن هناك مسافة أخرى بين آلة بث الصور والشاشة، وبين الكاميرا والأشياء المصورة، وبين الواقع والخيال، وبين المرئي واللامرئي، وبين المقول واللامقول.. إلخ.

Categories
متفرقات

البوليساريو.. أزمة النشأة و التطور

 

 

 

رشيد قنجاع

تسارعت الاحداث و برزت تطورات جديدة و متتالية بخصوص قضية وحدتنا الترابية، كانت لها انعكاسات و مترتبات دفعت بالخروج للعلن ، بالعديد من ردود الافعال المتعصبة و الانهزامية سواء من طرف جبهة البوليساريو و من طرف الجارة الجزائرية ومن أطراف اخرى تكن العداء للمصالح العليا للملكة المغربية.
احداث و تطورات تمثلت في البداية بعرقلة ميليشيات البوليساريو، في حركة غير محسوبة سياسيا و عسكريا، حرية الافراد و البضائع في التنقل الآمن عبر معبر الكركرات في اتجاه دول جنوب الصحراء و الساحل، هذا السلوك غير المحسوب استمر طيلة ثلاث اسابيع ،في استفزاز مباشر للمغرب و للمنتظم الدولي، دفع القوات المسلحة الملكية الى التحرك بأوامر ملكية لوضع حد لصبيانية الجبهة بسلمية عالية و دون إراقة أية قطرة دم و دون ان تطلق فيه اية رصاصة، جعل العديد من الدول تسارع الى دعم التحرك المغربي و رزانته و حرفيته ، بالمقابل لم تجد البوليساريو من موقف سوى وضع نفسها في حل من الالتزام باتفاقية وقف اطلاق النار الموقعة سنة 1991 و وضعت نفسها في حالة حرب.
التطور الثاني و الذي زعزع الجبهة و معها الجزائر تجسد في توقيع الرئيس الامريكي دونالد ترامب لمرسوم قانوني ثابت تقر من خلاله الولايات المتحدة الامريكية باعترافها الكامل بمغربية الصحراء و بسيادته الكاملة على اراضيه ، كما اقر المرسوم و في عدة مناسبات على ان المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي يجسد فعليا و و واقعيا حلا نهائيا لنزاع الصحراء الذي عمر طويلا، و ارضية مسؤولة و صلبة للتفاوض الجدي لطي هذا النزاع.
التطور الثالث الذي واكب التطور الثاني ، تمثل في القرار الامريكي بفتح قنصلية للولايات المتحدة الامريكية بالصحراء المغربية و بالخصوص بمدينة الداخلة، مشكلا هذا القرار التحاقا جديدا بقافلة فتح القنصليات بالاقاليم الجنوبية بعدما وصل عدد القنصليات اليوم 18 عشر قنصلية بهذه الاقاليم و لازالت اللائحة مفتوحة للالتحاقات جديدة بهذا الركب.
التطور الرابع هو تطور نوعي بعودة المغرب الى حضنه الافريقي ، و التي تعد قطيعة مع دبلوماسية الكرسي الفارغ و التي مورست في عهد الراحل الحسن الثاني، و استفادت منها الجبهة و الجزائر في العديد من المناسبات. هذه القطيعة اضفت حيوية على الدبلوماسية المغربية حيث مكنتها من لعب دورها الطبيعي على الساحة الافريقية باعتبار المغرب البوابة الافريقية نحو اوروبا و العكس صحيح، هذا الانفتاح جعلنا اقرب لتوضيح وجهة نظرنا حول النزاع للقادة الافريقيين و لشعوبها كذلك جعلنا قوة اقتراحية مبادرة في العديد من القضايا التي تشكل تحديات تواجهها القارة من قبيل الهجرة و الارهاب و التغيرات المناخية و تجويد العلاقات الثنائية على قاعدة رابح رابح.
التطور الخامس يسبق هذه التطورات السابقة، و يعود لبداية تولي عاهل البلاد محمد السادس للعرش ، و تبنيه لرؤية و تصور لحل النزاع في توافق مع ما تطالب به الامم المتحدة التي تحث على حل سياسي توافقي عادل و دائم، تجسد ذلك عمليا خلال الخطاب الملكي التاريخي يوم 25 مارس 2006 بمدينة العيون و التي اعلن فيه جلالة الملك عن تأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية كآلية استشارية مناط بها بلورة و إعداد تصور للحكم الذاتي ، و هذا ما انكب عليه المجلس حيث رفعه الى جلالته في اواخر نفس السنة، ليتم الاعلان عليه دوليا سنة 2007 ، تاريخ وضع المقترح المغربي في اروقة المنظمة ، ضاربا المغرب بذلك من خلال المجلس الملكي و مقترح الحكم الذاتي سياسيا مسمارا في نعش جبهة البوليساريو.
ان هذه التطورات الايجابية ، تقابلها هزائم متتالية لجبهة البوليزاريو داخليا و خارجيا، و هزائم للسياسة الخارجية الجزائرية القابعة في زمن التقاطبات الناتجة على الحرب الباردة.
ان توالي الهزائم لدى البوليساريو ، ليس وليدة ازمة يمر بها اليوم ، بل هي متأصلة في وراثة هذا التنظيم الانفصالي لازمة بنيوية طبعته منذ زمن التأسيس الى اليوم ، ازمة شاملة تحتضن ازمات على مستويات متعددة فكرية تنظيمية انتاجية ، يرمي هذا المقال الى تناولها بشكل موضوعي و هي كالتالي:
• ان ظرفية تأسيس الجبهة ، و هي ظرفية بداية السبعينات ، كانت ظرفية ازمة سياسية و من علامتها البارزة خروج المغرب من محاولتين انقلابيتين فاشلتين استهدفتا الراحل الملك حسن الثاني، كانت لهما انعكاسات على التدبير السياسي الوطني الداخلي ، و على وضعية حقوق الانسان و الممارسة السياسية عامة. كما انها ظرفية عرفت تأزم العلاقة ما بين القصر و الاحزاب السياسية التي قاطعت التصويت على دستوري 1970 و 1972. كما انها المرحلة اتسمت بتصاعد و هيمنة الخطاب اليساري الثوري على التنظيم الطلابي و على التنظيمات الشبابية المتأثرة بثورة الشبابية لسنة 1968 بفرنسا، و التي كان من بين المتأثرين بها نخبة طلابية صحراوية كانت تدرس في جامعة الرباط و الدار البيضاء و التي شكلت في ما بعد النواة الاولى لجبهة البوليساريو.
• ازمة الدولة المغربية كدولة مركزية يعقوبية مطلقة ، التي لم تكن قادرة على التجاوب و الاستجابة للمطالب الاجتماعية و الاقتصادية المشروعة للجهات و المناطق، مما افرز لنا مغربين واحد نافع و آخر غير نافع، و بالتالي هذا الوضع جعل من غير المستغرب ان يجد الخطاب الانفصالي المغلف بالاسطورة و اهمية الخصوصية المجتمعية آذانا صاغية عند عينة من الشباب المؤثر. و هو حال تجربة شباب الطانطان الذين سيأسسون الجبهة كرد فعل على سياسة القمع التي جوبهت بها مطالبهم التي لم تكن مطالبا انفصالية بل وحدوية لم يتم استوعابها لما ذكر سابقا .
• ازمة الاحزاب السياسية المغربية في هذه المرحلة، التي لم تستطع بدورها استيعاب فكر و مطالب هذه النخبة الصحراوية، الامر الذي عجل بتوجهها  للطرح الانفصالي الحالم ، الذي كانت العديد من الاطراف الاقليمية متربصة لاستقطابه و تدعيمه ماديا و معنويا. هذه الاطراف كانت تكن العداء للنظام السياسي المغربي خلفته اجواء الحرب الباردة و احتدام التقاطبات الدولية بين الشرق و الغرب.
• أزمة تبعية الجبهة لأجندات دولية و اقليمية بدء بليبيا و الجزائر و كوبا و دول من امريكا اللاتينية و التنظيمات المدنية و السياسية الاسبانية و اليسار الاوروبي ، عجل في خطوة متسرعة للجبهة عن اعلان تأسيس ” الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” سنة 1976 ، اي بعد ثلاث سنوات من تأسيس جبهة البوليساريو ، و بدون ان تحظى هذه الخطوة بتقعيد فكري و تحديد نظري و تأسيس ايديولوجي سياسي و اجتماعي، و هو ما برز في التناقضات التي تحملها هذه التسمية من شاكلة التناقض السياسي بين مصطلحي العربي و الصحراوي اي بين الوحدة القومية التي لن تتحقق بالانفصالات و تفتيت الكيانات و بين مصطلح الصحراوي كعنوان للخصوصية و الانفصال و التجزئة. كما ان تضمين التسمية مصطلح الديمقراطية واكبه عمليا و على الارض ان اعلان الدولة لم يراع شروط الديمقراطية في اشراك الصحراويين في هذا القرار المصيري حيث كان قرارا افقيا نخبويا لم يشارك فيه المجتمع الصحراوي لا عن طريق الاستفتاء التي تتبجح به البوليساريو اليوم و لا عن طريق اشراك التعبيرات السياسية التي كان لها تواجد ديناميكي كحزب البونس و مؤسسة الجماعة و باقي التعبيرات الاخرى.
كما ان الخلفية في تسبيق مطلح العربي على الصحراوي انتجه تأثر العديد من هذه النخبة الصحراوية بتجربة معمر القذافي و هو الذي سما بلاده بالجمهورية العربية قبل ان يحولها الى الجماهيرية .
• تخوف النظام الجزائري من ميل الجبهة نحو نظام معمر القذافي ، دفع بها الى التدخل الكامل في مساراتها ، بدءا باقصاء مؤسس الجبهة المرحوم مصطفى السيد الولي و توجهه، و تعزيز مكانة و دور القادة الفرانكفونيين داخل الجبهة الذين لا ينتمون للصحراء منطقة النزاع في التحكم في المؤسسات و التحكم في العباد و الرقاب مع الغدق بالدعم المادي و اللوجيستيكي.
• في تطور مسار الجبهة طيلة هذه المرحلة ، برزت الى العلن ازمة الثقة في العمل السياسي من داخل مؤسسات الجبهة ، نظرا لطغيان علاقات الزبونية و المحسوبية و الولاءات القبلية ، الامر الذي دفع بالعديد من الاطر الوازنة الى مغادرة سفينة الجبهة و الالتحاق بالوطن الام او اللجوء الى دول اخرى معتزلة العمل السياسي و منفصلة بالكامل عن طروحاتها و رافضة لقيادة ثابتة قارة ابدية، و هم من صار يطلق عليهم بصحراويي الشتات.
• ازمة الايديولوجيا الوحيدة و الفكر الوحيد و عدم القبول بالآراء المختلفة ، و ازمة التعددية ، جعلها رهينة الصنمية و الجمود في الشعارات و المواقف منذ التأسيس الى اليوم من قبيل الانفصال و تقرير المصير و الحرب الشعبية ، و هي تعبير عن تغييبهم للتاريخ و التحولات الدولية و المراجعات التي عرفتها حتى التنظيمات المسلحة من قبيلهم سواء في امريكا اللاتينية و سواء في افريقيا و ابرزها نجاح المفاوضات ما بين الحكومة السودانية و الحركات المسلحة في الشمال و الجنوب خلال الشهرين الماضيين.
• العماء الايديولوجي و الوهم التاريخي اسرهم في شعار ان الجبهة هي الممثل الوحيد” للشعب الصحراوي”، في حين ان المجتمع الصحراوي في الاقاليم الجنوبية كانت له دائما تمثيلية سواء قبلية او منتخبة مع العلم ان التمثيلية الديمقراطية في الاقاليم الجنوبية يقودها صحراويون بقاعدة جماهيرية كبيرة عبر صناديق الاقتراع و ينتمون تاريخيا لمنطقة النزاع و من اصول قبلية صحراوية و من نخبة شابة ترعرت في الواقعية السياسية و الهوية المغربية المتعددة الروافد.
• تحول العمل السياسي و “المدني” داخل الجبهة الى حرفة و مهنة و مصدر رزق ، يستخرج من تدفق اموال الجزائر و الاطراف المساندة لها ، و من المكاسب المالية المتدفقة من التلاعب و المتاجرة في المساعدات الانسانية و من التسول لدى المنظمات الدولية المانحة بوضعية الصحراويين بالمخيمات و و مآسيهم ، و بالخصوص وضعية الاطفال الذين  تمارس في حقهم انتهاكا جسيمة لحقوقهم عبر عملية فصل الابناء عن اسرهم و آباءهم و وضعهم في وضعية التبني لدى اسر اجنية و خصوصا في التراب الاسباني.
• ازمة الانتاج الفكري و الادبي و السياسي و الفني على طول تواجدهم بتندوف، حيث لم تسطع اسماء معروفة في هذه المجالات ، بل هي منعدمة بالمعيار المتعارف عليه كونيا، في مقابل ما أنتجته تجارب حركات مماثلة في امريكا اللاتينية و اسبانيا. حتى ان الكتابات المتناولة لتاريخ نزاع الصحراء او للموروث الصحراوي هي انتاجات اجنبية مدعمة للطرح الانفصالي و تغيب فيها الموضوعية و التجرد.

خلاصة القول ، هذه بعض مظاهر ازمة جبهة البوليساريو ، التي تحولت فيها هي بنفسها الى كنه الازمة و سبب وجودها، و هذا موقف ليس للتجني، بل هو نتاج تمحص التحولات الدولية الحاصلة في العالم و التي عرفها العالم بعد انهيار جدار برلين و حجم المراجعات التي عرفتها غالبية التنظيمات المسلحة التي اختارت خيار المشاركة السياسية و الديمقراطية و فضلت مصلحة الشعوب على مصلحة الجماعة. اننا نجد انفسنا امام ” جمهورية البلح ” التي ابدعها المخرج السينمائي المصري صلاح ابو سيف سنة 1986 في فيلمه الرائع ” البداية” و هو من بطولة العظيمين الراحلين احمد زكي و جميل راتب و من بطولة ايضا يسرا و صفية العمري ، جمهورية البلح التي اسسها الفلاح و العامل و المثقف و رجل الاعمال الذين وجدوا انفسهم في واحة في قلب الصحراء بعد أن نجوا من سقوط الطائرة التي كانت تقلهم، فبرز في مشوار حياتهم بالواحة النزعة التسلطية التي كادت تعصف بهم لولا انقادهم من خلال طائرة البحث عن الناجين التي تعرفت على موقعهم في الصحراء.
ان المخرج الوحيد للنزاع في الصحراء بمنطق لا غالب و لا مغلوب ، هي طائرة الحكم الذاتي كحل نهائي لهذا النزاع الذي عمر طويلا ، حل ثالث ديمقراطي انساني تصالحي يؤسس لمغرب الجميع و لاتحاد مغاربي قائم على مصلحة شعوب المنطقة في الحرية و الديمقراطية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة رأي مع الحدث .
Categories
متفرقات

هكذا جاء الرد على المثير للجدل عبد الباري عطوان رئيس صحيفة “رأي اليوم”.. “اطمئن الحرب بين المغرب و الجزائر لم ولن تقع!”

Categories
متفرقات

عن كلاسيكو المغرب الأول اتحاد طنجة والمغرب التطواني

الصادق بنعلال

: 1 – تشهد البطولة الوطنية لكرة القدم منذ مدة ليست بالقصيرة مقابلات كروية عالية الجودة، بفضل طابعها التنافسي وحساسيتها المحلية والجهوية و”التاريخية”، وبفضل ما تعرضه من إنجاز فني معتبر سواء تعلق الأمر بالمضمون الفني المبلور على أرضية الملعب، أو تعلق الأمر بالحماس والمشهد الاحتفالي المخصوص الذي تعرفه مدرجات الملاعب. ويعد الحوار التقليدي بين الناديين البيضاويين المرجعيين الوداد والرجاء أهم لقاء رياضي مغربي على الإطلاق، اعتبارا لتاريخهما المكلل بالألقاب والبطولات والإنجازات الوطنية والدولية. كما أن هناك مقابلات أخرى أساسية من قبيل الفتح والجيش الرباطيين، والرجاء / الوداد والجيش الملكي .. لكن تبقى مقابلة الاتحاد الرياضي لطنجة والمغرب التطواني حدثا كرويا استثنائيا

. 2 – و من الراجح أن ندرج مقابلة الوداد والرجاء في دائرة “الدربي” انطلاقا من انتمائهما لنفس المدينة، أما مباراة الرجاء والجيش مثلا نلحقها بنماذج “الكلاسيكو” المتعددة. بيد أنه من السهولة بمكان النظر إلى لقاء فارس البوغاز والحمامة البيضاء باعتباره كلاسيكو مغربي بحصر المعنى ! بفعل حدة التنافس الإيجابي بين المدينتين الجارتين طنجة وتطوان على أكثر من ميدان، وتشبعهما بالمشترك الرياضي والثقافي لإسبانيا وأمريكا اللاتينية، وانعكاس ذلك على الاحتفالية الجماهيرية بالغة الروعة، ومن النادر أن يتخلف المساندون عن متابعة المقابلة في المدرجات نساء و رجالا، من أجل التشجيع و المؤازرة غير المشروطين. 3 – و اللقاء المقبل الذي يستضيف عبره فارس البوغاز الحمامة البيضاء في سياق منافسات الجولة الرابعة للبطولة الوطنية يومه 20/12/2020 بملعب ابن بطوطة الكبير، سيحظى بكل تأكيد بمواكبة إعلامية كبيرة و متابعة جماهيرية مؤكدة ولو عبر شاشة التلفزيون والهواتف .. و غالبا ما تنتهي لقاءات هذين الناديين الشماليين بالتعادل أو فوز أحدها اعتمادا على تفاصيل جزئية واستعداد ذهني متوقد وطراوة بدنية .. لأنه لقاء كروي حاسم له ما بعده ! و بقدر ما نأسف لعدم حضور الجماهير الطنجوية الغفيرة، المشهود لها بإضفاء الجمالية الفرجوية على مدرجات الملعب بسبب الحالة الوبائية الصعبة، بقدر ما نرغب في مشاهدة عرض فني يليق بالتاريخ المجيد للفريقين، و بصحوتهما الرياضية الراهنة، نترقب في الآن عينه أن تمر هذه المقابلة في جو من الروح الرياضية السامية، وكما أقول دائما من الجميل أن نفوز لكن من الأجمل أن يكون فوزنا فنيا و أخلاقيا !

Categories
متفرقات

الحرب بين المغرب والجزائر لن تقع، والتطبيع بينهما آتٍ و”الأيام بيننا” !

الصادق بنعلال

: 1 – منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إصدار مرسوم رئاسي يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة على كافة منطقة الصحراء المغربية، و”أصدقاء” النظام الجزائري وأنصار النظم العربية العسكرية الشمولية غاضبون مستاؤون “ثائرون” في وجه المملكة المغربية “الرجعية”، ويستنكرون بهستيرية وجهل تام بأصل وفصل الصحراء المغربية. وبقدر ما أننا قادرون على إهمال بكائيات ممثلي النظام الجزائري الجريح، بقدر ما أننا في حاجة ماسة إلى التوقف مليا عند بعض الافتتاحيات ومقالات الرأي الصادرة عن إعلاميين عرب، أمضوا عقودا و سنوات في “استقراء” واقع الأمة العربية و”استجلاء” أحوالها و مآلاتها. وفي هذا السياق أحب أن أتفاعل مع كبير الصحفيين وأكثرهم نبلا و صدقا و تضحية، إنه الإعلامي الفلسطيني المقتدر عبد الباري عطوان، الذي عرفناه قلما شريفا رسم لوحات مشعة بالدفاع عن الثوابت والمقدسات العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية العادلة، منذ أن كان رئيسا لتحرير “القدس العربي”، مما حدا بي أنا الكاتب المنتمي إلى المغرب “الأقصى” إلى نشر مقالاتي في هذه الصحيفة الغراء، لا بل و بمجرد انتقاله إلى إنشاء صحيفة إلكترونية تمثلت في “رأي اليوم” هرعتُ مجددا لنشر أفكاري ومواقفي من قضايا السياسة و الثقافة بين صفحاتها الممتعة.

2 – و يمكن القول بأن الاختلاف في الرؤية السياسية إزاء الواقع العربي و الإسلامي الراهن بيني وبين أستاذي الجليل عطوان، دفعني دفعا إلى مواصلة الكتابة في جريدته، إيمانا مني بأن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”، ويقينا مني أيضا من أن التعددية والنسبية والانفتاح من مميزات الفكر السياسي الراقي، ذلك الفكر المتنور الذي نسعى جاهدين إلى استنباته في واقعنا العربي الحالك. بيد أنني فوجئت برفض إدارة الجريدة المحترمة نشر مقالين جديدين حول الصحراء المغربية، أدرك تمام الإدراك أن هوى “رأي اليوم” جزائري وليس مغربيا، وأتفهم تمام التفهم انتصارها للأنظمة العربية العسكرية ” المقاومة والممانعة”، على حساب الأنظمة الملكية “الرجعية المستسلمة”، لكن يفترض افتراضا أن تعطى الكلمة ويفسح المجال لكل من له رأي مخالف لقناعاتنا و”مبادئنا الثورية”، ففي اللحظة التي مكنت هذه الصحيفة العربية لأتباع النظام الجزائري للتعبير عن التشهير “بالتطبيع” المغربي مع إسرائيل والتنديد “بالخيانة المغربية” إثر “مقايضتها” فلسطين بالصحراء المغربية، امتنعت عن نشر مقالتين يتيمتين لكاتب هذه السطور، يعبر فيها عن وجهة نظر مخصوصة، والواضح أن المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الحديثة كثيرة، لكن كنت أود أن تستقبل إدارة “رأي اليوم” موقفي من دون حساسية مفرطة و متجاوزة…

3 – لقد خصص السيد عبد الباري عطوان مقالتين اثنتين وشريطا مصورا على قناته في اليوتيوب، يعيب المملكة المغربية بحدة وجرأة لم أنتظرهما منه، وهو الأستاذ النموذجي الذي تعلمنا منه ربطة الجأش وتجنب التصعيد والابتعاد عن التخندق إلى جانب قطر عربي ضد آخر، ولم يصدر عنه في هذا الإطار لفظ واحد أو انتقاد بسيط أو تنبيه مخفف ؛ حول “الجمهورية الجزائرية الديمقراطية” ! وهكذا تبنى السيد عبد الباري عطوان دون أي تردد تصريح رئيس وزراء الجزائر الذي نحا إلى “استهداف الجزائر” و “ضرب استقرار المنطقة” وأن “الشعب الجزائري يريد الوحدة والاستقرار والحرية” ! كما أن “الاتفاق المغربي الإسرائيلي قد يكون مشروع فتنة، وربما حروب وعدم استقرار في دول الاتحاد المغاربي” بمسوغ “عناوين الديمقراطية” التي لا تحظى بكبير عناية من قبل مؤيدي الدولة العسكرياتية الشمولية الحدية، ولم يتوان السيد عطوان عن طرح تساؤل دراماتيكي موغل في المأساوية السوداء : هل يفجر التطبيع المغربي الإسرائيلي حرب الصحراء بين الجزائر و المغرب، و يغرق دول الاتحاد المغاربي في الفوضى؟ هكذا يبدو عطوان مدافعا شرسا عن النظام الجزائري الذي خرج الحراك الشعبي النبيل من أجل الإطاحة به واستنبات نظام سياسي مدني عصري، دون أن ينتبه ولو بطرفة عين إلى المغرب وحقه المشروع في تحصين وحدته الترابية، أمام جار فشل في كل شي إلا في العناد و المقامرة بمصير أكثر من 100 مليون مغاربي ، ربما لأن المغرب “الأقصى” بعيد عن العين والقلب والجوارح .. وكما يقول أهل العشق إن الهوى فضاح !.

4 – إن إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسوما رئاسيا يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة على كافة منطقة الصحراء المغربية قرار سليم ، غير أنه تحصيل حاصل وتقرير حقيقة تاريخية ثابتة، فلئن كانت الصحراء المغربية قضية نظام في الدولة الجزائرية، فهي مسألة وجود وحياة بالنسبة للشعب المغربي منذ قرون من الزمن، و لسنا مطالبين بتقديم دروس المرابطين والموحدين والسعديين والمرينيين والعلويين لأحد .. و إذا كان دونالد ترامب قد سماها بالصحراء الغربية فقد كان محقا في ذلك، فهي صحراء غربية مغربية والأمر لا يدعو إلى أي تشنج أو عصبية أو فذلكة سياسوية ضيقة. المملكة المغربية دولة ضاربة في عمق التاريخ ذات حضارة عريقة حافلة بالمنجزات الفكرية والعلمية والمعارك العسكرية التي تلقن في أرقى المدارس والمعاهد الدولية الكبرى، والشعب المغربي من أطيب شعوب العالم خلقا وانفتاحا وتضامنا مع أصدقائه وأشقائه في الضراء قبل السراء، يكن للشعب الفلسطيني العظيم كل الود والتقدير، لقد اختلطت دماء جنوده الأشاوس مع دماء إخوانه الشاميين في حرب 1973 دفاعا عن الأرض الفلسطينية المقدسة، ومافتئت قلوب المغاربة و عقولهم مع القضية الفلسطينية أكثر من أي شعب آخر، وأن الاتفاق المغربي الإسرائيلي لا يمكن أن يتبلور على حساب الفلسطينيين، فبقدر ما أن العلاقة بين المغرب وإسرائيل فريدة واستثنائية في السياق العربي، إذ حوالي 20 في المائة من سكان إسرائيل هم يهود مغاربة، وحوالي ربع عدد المسؤولين الإسرائيليين يهود مغاربة، نجد أيضا الرباط الذي يجمع المغاربة بالفلسطينيين بالغ القوة والأهمية، وطبيعة هذه المعادلة شبه غائبة عن الوعي الشرقي العربي. 5 – والعلاقة الأخوية النوعية القائمة بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري تزداد قوة يوما بعد آخر، وهما متشوقان إلى محو الحدود وتحقيق التطبيع الإنساني والاقتصادي والسياسي، من أجل بناء صرح مغاربي قائم على الديمقراطية والسلم والمحبة والتآزر، مثلما كان عليه الأمر في عهد الاحتلال الأجنبي في النصف الأول من القرن العشرين، و سيقفان كرجل واحد في وجه الحرب والفتنة والدماء، فالشعوب المغاربة أكثر تعقلا وإدراكا للمصير المشترك، الذي يجب أن تكون فيه المنافسة حول خلق فرص الشغل للشباب، و توفير الاستثمارات الوطنية والأجنبية ، و تجهيز البنيات التحتية و المرافق العمومية الرفيعة، وإنجاز نقلة مفصلية في ميدان التعليم والصحة والتنمية الشاملة. لقد ولى من زمان عهد التباهي بالقوة العسكرية “القاهرة”؛ و أضحى الامتياز للمنجزات العلمية و الاجتماعية و الثقافية، ومعلوم أن الاتحاد السوفياتي هزم نفسه و قد كان أكبر قوة عالمية من حيث امتلاكه مختلف أنواع السلاح الفتاك ، وفي جميع الأحوال التطبيع بين المغرب والجزائر آتٍ “والأيام بيننا” !

Categories
متفرقات

ديربي البيضاء وما يشكله من هزات داخلية

بقلم حسناء مندريس

سئلت ما من مرة هل أنا رجاوية أم ودادية خصوصا ولي أصدقاء مقربين ينتمون لقادة القلعة الحمراء،،وعلى قدر متوازن أصدقاء، ينتمون لفريق النسور لكن قوة الموقف تظهر حين أكون أمام كتابة مقال صحفي حول ديربي البيضاء،

لم يكن من السهل علي، ولا على أي صحفي بيضاوي، كتابة مقال رياضي حول فريقين من نفس المدينة، البيضاء، وأن يظل محايدا دون الميل لكفة أحد الفريقين والحسم بانتمائية كروية، لم أكن أعلم كيف أكتب في هذا الشأن بحياد تام ودون أن أظهر ميلي لكفة أحد الطرفين، بل الغريب في الأمر كيف لي أن أكون اليوم ودادية أو رجاوية وأن أحسم اختياراتي باتجاه واحد، ولم أكن كذلك من ذي قبل ،لم أكن على نصاب متوازي من الوفاء للرجاء ولا للوداد، فكنت رجاوية وكنت ودادية وعدت رجاوية وعدت مرة أخرى وداية وبين الرجاء والوداد، وبين النصر والهزيمة وبين ثورية شعار فبلادي ظلموني الرجاوي

وما أحدتثه من هزات مشاعرية لكل المتتبعين الرياضيين وغير الرياضيين وحتى السياسين ومن الوطنية أخدت طريقها للعالمية، وبين الفريق الأحمر،وبين الأحمر والأخضر لون العلم الوطني وشعار وطنيتي تهت بين الغريمين البيضاويين.

وفي مرة انتهت مباراة جمعت الغريمين وكان النصر فيها لفريق النسور.

وارتكنت أتساءل لمن أميل هذه المرة، وفي كل مباراة جمعت الوداد و الرجاء أجدني أ هيم حبا خلف الفريق البيضاوي سواء كان فريق الرجاء أو الوداد، لكن حين أكون أمام ديربي بيضاوي أبدي حبي وتعاطفي لأحد الفريقين وفي كل المرة أميل للرابح دون شك لكنني أردت الحسم في موقفي هل أنتمي لفريق النسور أم أكون مع قادة القلعة الحمراء؟!.

Categories
متفرقات

صلاح … يا عاشق الوطن

بقلم : عبد اللطيف الصبيحي

بادئ ذي بدء لم انتبه بتاتا الى درجة اختراق المشمول برحمة المذيع والصحافي الكبير “صلاح الغماري ” لأسرتي الصغيرة وربما سأجزم وهي ليست بتاتا من عادتي ، وأقول واجمع انه تقريبا كل العائلات المغربية حصل لها نفس ما وقع لي حين باغتني طفلي الصغير دو التاسعة ربيعا ، وهو يقتحم علي بيت النوم مرددا بانفعال شديد وبصوت حزين : لقد مات ” صلاح ” ، لقد مات ” صلاح ” يا ابي… مضطربا نهضت لأفهم سر توتر ولدي وعن من يتحدث ! وبعد وقت وجيز بعدما تمكنت نسبيا من كفكفة دموعه ، عرفت ان ولدي نعى لي خبر موت صحفي لطالما كان مبهرا بأدائه ومواظبا على تتبع برامجه الخاصة بِداء ” كورونا ” صحبة اخته و والدته ، عشق ولدي لمتابعته بقدر ما كان برنامجا توعويا هادفا ازال بنسبة كبيرة الخوف والرعب والهلع الذي اصاب اطفالنا جميعا بعدما اجبرهم على المكوث بالمنازل ، وعدم التوجه الى المدرسة بقدر ما خلق لتلفزتنا توهجا هي في امس الحاجة اليه بعدما عشنا معها رداءة تكاد تطبع بصفة المستدامة… المرحوم ” صلاح ” وباختصار شديد استطاع وبحنكة غير معهودة في اعلاميينا إلا القلائل ، وفي غياب تجارب سابقة في التعاطي الاعلامي مع الكوارث والظواهر الطبيعية و الغير الطبيعية في طمأنة نسبة كبيرة جدا من المغاربة اتجاه داء فاجئنا و فاجئ العالم بأكمله ، وتمكن من خلال برنامجه ” اسئلة كورونا ” في التواصل مع فئات عريضة من المجتمع وجدت فيه شخصية تجتمع فيه صفتين :صفة الاخصائي الاجتماعي ، و صفة الاعلامي الميداني القريب من هموم المواطن البسيط.

في زمن يعرف فيه التليفزيون منافسة شديدة من طرف الوسائط الاجتماعية ، ومن تعدد المواقع الاليكترونية تمكن هدا الاعلامي المتميز من شد انتباه الملايين من المغاربة ولم يكتف في تقديم برنامجه على الاستوديو بل نزل الي الشارع مدشنا عُرفا غير مسبوق في ابراز دور الاعلام للانخراط في كل القضايا التي تهم شان المواطن و مسايرة همومه والبحث عن حلول لكل ما يمكن ان يعترض طريق حياته العادية بشكل علمي وعقلاني حتى لا يسقط بين ايدي وبراثن الرقاة و المشعوذين ، وهو ما جعل احدهم يدون تدوينة شاذة عنه كلها حقد وضغينة وكره وتشفي ، ليعكس تعاطفا شعبيا عارما مؤزرا ببرقية تعزية ملكية اشادت بخصال الفقيد ومناقبه.

صلاح يا عاشق الوطن :
سيظل اسمك محفورا في ذاكرتنا الجماعية وسنظل نتمنى لو كنت معنا لنشهد ونعلن سويا نصرا نهائيا على وباء خصصت كل جهدك للتوعية بمخاطره و ارشاد المواطنين الى الكيفية التي بها يمكن الحفاظ على ارواحهم ..

صلاح يا عاشق الوطن :
كم كانت ستكون فرحتنا و انت معنا تدشن حملة التلقيح التي سيحظى بها عموم المغاربة مجانا و بأمر من ” عاهل البلاد ” .

صلاح يا عاشق الوطن :
امنت بقدرته على تخطي كل الصعاب والتحديات ، كم كانت ستكون فرحتنا جميعا و انت معنا تلقي اخبار النشرة وتزف الينا خبر اعتراف ” امريكا ” ب”مغربية الصحراء ” كما بشرتنا بقرب بداية حملة التلقيح.

صلاح ايها الاسم على مسمى :
يمكن ان يخرج الناس بالآلاف لتوديع رموزهم الدينية او ملوكهم او رؤساءهم او زعماءهم وان يصطفوا على جنبات الشوارع ،وان يتسابقوا من اجل القاء النظرة الاخيرة على مثواهم ، مسالة لا تحتاج لتوضيح اولفهم…اما ان يخرجوا من اجل توديع صحفي بهذا السيل الجارف من البشر وفي بلدي ” المغرب ” فهدا يعني لي مسالة واحدة أن هدا الشعب له قدرة خارقة على التمييز والتقدير وانه لا يُكرم إلاّ من احسن فهمه وارتبط بكل قضاياه الصغيرة والكبيرة ولمس فيه صدقا لا تشوبه شائبة وكل صدق وانتم …

Categories
متفرقات

الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية وجهان لعملة واحدة

الصادق بنعلال

: 1 – على الرغم من العداء الممنهج الذي خصصه النظام العسكري الجزائري لجاره الشقيق المغرب منذ مستهل الستينيات من القرن العشرين، وعلى الرغم من دعمه الإعلامي والدبلوماسي واللوجستيكي “الأسطوري” لجبهة البوليساريو الانفصالية، أبى المغرب إلا أن يواصل طريقه بثبات نحو الدفاع الاستثنائي عن وحدته الترابية وتحصين حدود صحرائه الغالية.

و لئن كانت المنطقة دخلت في مواجهات عسكرية طيلة ست عشرة سنة، فإن المغرب قبل عن قناعة و يقين الالتزام بالإعلان عن وقف إطلاق النار سنة 1991 تحت رعاية المنتظم الدولي، من أجل الانتقال إلى طور البحث عن حل نهائي لمشكل الصحراء عبر آلية “الاستفتاء الشعبي لتقرير المصير” . ولما تيقنت المؤسسات الدولية ذات الصلة باستحالة تنظيم الاستفتاء، في ظل صعوبة التوافق على اللوائح “النهائية و القانونية” لمن له أحقية التصويت في هذا الاستحقاق المفصلي، كان لا بد أن يتم التفكير في حلول سياسية كفيلة بوضع حد لهذا الموضوع القابل للانفجار في أية لحظة، بغية تجنيب المنطقة ويلات المواجهة العسكرية المفتوحة وغير محمودة العواقب ، وقد تقدم المغرب كعادته باقتراح سياسي غير مسبوق تمثل في منح الساكنة الصحراوية حكما ذاتيا موسعا داخل المملكة ، على أساس أن يساهم أبناء الصحراء في بلورة أحلامهم وتطلعاتهم إلى التنمية و الديمقراطية و الحرية

. 2 – بيد أن النظام الجزائري أصر على متابعة سياسة “كسر الأواني”، و رفض كل ما يصدر عن جاره الغربي من إجراءات و نداءات من أجل التطبيع و المصالحة و العمل المغاربي المشترك، مما حتم على المملكة المغربية أن تحدث تغييرا مركزيا في ميكانيزم الفعل السياسي ، تجلى ذلك في حزمة من التدابير بالغة الفعالية، منها القرار التاريخي بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، و إقامة مشاريع اقتصادية (فلاحية و تجارية و مالية و عقارية ..) رفيعة ملموسة في عمق القارة الإفريقية الواعدة، و تقديم مساعدات إنسانية لعدد كبير من الدول الإفريقية والعربية، و قبل هذا وذاك انبرى المغرب في تجهيز الأقاليم الصحراوية بمختلف أنواع البنية التحتية المتقدمة، من قبيل مد الطرق وإقامة المدارس والمستشفيات والمركبات الرياضية والسكنية وكل المرافق العمومية التي تحتاج إليها الساكنة الصحراوية العزيزة، حيث تحولت الصحراء المغربية من فيافي رملية مقفرة إلى مراكز مدنية مفعمة بالحيوية والإنتاج غير المتوقف .. وجرت مياه متدفقة تحت “الجسر” لتصبح أقاليمنا الجنوبية قبلة الزائرين و الدبلوماسيين .. بعد أن تيقنت الدول الصديقة والشقيقة بمصداقية الطرح المغربي و جديته و واقعيته، و استحالة إقامة “دويلة الوهم” في سياق إقليمي محفوف بمخاطر التطرف و الإرهاب و التهريب و التجارة في الممنوعات

 .. 3 – و اليوم و بعد أن أعربت جل الدول العظمى عن مساندتها ودعمها للحل المغربي الواقعي والعقلاني المتمثل في الحكم الذاتي الموسع، و نخص بالذكر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أصدر مرسوما رئاسيا يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية، فلا يسعنا كمغاربة إلا أن نعبر عن ارتياحنا بهكذا قرار يؤكد الحقيقة التاريخية الثابتة؛ حقيقة مغربية الصحراء، لكن دون أن يعني ذلك بحال من الأحوال التخلي عن المبادئ والقيم والمواقف المتوازنة التي طالما دافع عنها المغرب إزاء القضية الفلسطينية المقدسة، فنحن الآن أكثر إصرارا على تقديم كل ما من شأنه أن يدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، والذود بحماس و مسؤولية عن عدالة المسألة الفلسطينية، بهدف بلورة حل دائم وشامل يقوم على وجود دولتين جارتين، والحفاظ على الوضع المخصوص للقدس الشريف، لقد عانى الشعب الفلسطيني الشقيق عقودا من السنين تحت أشكال من الظلم والحرمان والاضطهاد، وهو في أمس الحاجة اليوم قبل الغد إلى معانقة قيم العدل والحرية والاستقرار !