Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة جهات طالع

الآثار السلبية للشهادات المزورة على التعليم

عبد الله بن أهنية

يتطلب التعمق في فهم معنى بعض المقولات أو استخدام مصطلح ما أحيانًا التلامس الوثيق مع سياقه ومحيطه لجعله أكثر وضوحًا. على سبيل المثال، ربما لم تكن فكرة أو مقولة “شهادة ميكي ماوس” (Mickey Mouse) تعني لي الكثير في الواقع قبل بضع سنوات حتى وصلتُ إلى أمريكا الشمالية. مع أنني كنت أسمعها تُستخدم في بعض المحادثات هنا وهناك، إلا أنني لم أتمكن من إعارتها اهتمامًا كبيرًا آنذاك. وفي الحقيقة، عندما انضممت إلى إحدى أفضل الشركات في فلوريدا في ميدان السياحة والثقافة، وحصلت على شرف المشاركة في برنامج التبادل الثقافي المغربي الأمريكي للعمل لمدة عام “كممثل ثقافي” للمغرب في مركز إبكوت (EPCOT CENTER, WALT DISNEY WORLD)، عالم والت ديزني في أورلاندو، تمكنت من رؤية جامعة ديزني عن كثب والمشاركة فيها شخصيًا. وللإشارة فمن متطلبات هذا البرنامج، ومن أجل تحقيق تلك المهمة بالكامل، يجب أن يخضع كل مرشح يتم اختياره لبرنامج تدريبي صارم لعدة أسابيع في “جامعة ديزني”. يشمل هذا التدريب المكثف خدمة العملاء ورضاهم، ورعاية العملاء، والتدريب على التحدث أمام الجمهور، وما إلى ذلك. وبالطبع، فقد رافقت جميع هذه البرامج التدريبية زيارات ميدانية لضمان إتقانها واستمراريتها. وفي نهاية ذلك البرنامج، منحتنا الجامعة جميعًا “شهادة جامعة ديزني” عن جدارة واستحقاق. نعم، تحمل الشهادة صورة ميكي ماوس، لكنها كانت ذات قيمة حقيقية وفعلية. ومما لا شك فيه، فقد أحدثت فرقًا كبيرًا في حياتي الشخصية وعلمتني الكثير. وبصفتي متحدثًا في شؤون التربية والتعليم والثقافة، فما زلت أدرك التأثير الذي يمكن أن أتركه على أي جمهور من خلال محاضراتي حتى اليوم. نعم، يمكنك القول إنها “شهادة ميكي ماوس”، لكنها ليست شيئًا “خياليًا” كما قد تتصور، أو كما ترمز إليه المقولة في الثقافة الأمريكية، بل هي شهادة رائعة من مؤسسة مرموقة. لذلك، لم أصدق أن الناس يستخدمون هذا الاسم أو المصطلح لوصف شيء غير واقعي أو الإشارة إليه جزافاً.

وهكذا، ومع مرور الأيام والسنين، بدأ مفهوم “شهادة ميكي ماوس” يثير انتباهي وفضولي وهو يتردد مرارًا وتكرارًا في أحاديث الناس من حولي، لكنني، ومن باب الغيرة على تلك البرامج الشيقة التي استمتعت بها، كنت أحاول أحياناً إيقافهم ومحاولة توعية بعضهم بالجهود الجبارة التي يبذلها المدربون في مثل تلك البرامج. ومع ذلك، أدركتُ نماماً ما كانوا يقصدونه، أي أن ذلك ما هو إلا مصطلحًا يستخدمه عامة الناس عادةً للإشارة إلى شهادة أو درجة علمية لا قيمة لها ولا وجود لها. لكن ربما ما لا يعرفونه على الأرجح هو أن الشهادة الفعلية من جامعة ديزني، في واقع الأمر، لها على الأقل وزنها وقيمة مرموقة ما زلتُ أُدركها. ولعل ما يشيرون إليه أيضًا هو الشهادات التي لا تُقدم أي تدريب أو مناهج، أو ربما لا تحتوي على مواد تُفيد المتعلم. ستبقى هذه الشهادات بلا معنى ولا قيمة في نظر الكثيرين، لكنها قد تُفيد الآخرين.

فكرة “الشهادة المزورة” 

كغيري من المغاربة، دهشتُ فعلاً من فضيحة بيع الشهادات في إحدى الجامعات. أُثيرت هذه القضية قبل أيام، بينما لا تزال التحقيقات جارية لتحديد هوية “شبكة قايلش” ومن استخدموا تلك الشهادة “المزورة”. ورغم أنها فعلٌ غير أخلاقي وغير مقبول، إلا أنها ربما فتحت الباب أمام تحقيقات أخرى في جامعات أخرى حيث يركد “قلاليش” آخرون ربما اختاروا منحى “ليبد” بدلاً من “قايلش” كما يفهم ذلك كل من تشبع بالثقافة المغربية واستمتع في صباه بلعبة “اذا جا مول الفول : ليبد: ولا مشى مول الفول: قايلش”. ومما لا شك فيه، فإن هذه الفضيحة عكست بالفعل مستوى التقهقر الفكري الذي نتجه إليه هذه الأيام.

وكما انتشر مفهوم “شهادة ميكي ماوس”، ينتشر مفهوم “الشهادة المزورة”، لكن مع خوف كبير من أن يكشف الحقيقة المؤلمة للعديد من الشخصيات المرموقة في المجتمع المغربي، وربما في قطاعات أخرى. ولكن، والمثير للدهشة، أن الشهادة “المزورة” ليست مجانية. وحسب ما كُشف عنه في هذه الفضيحة الأخيرة، يبدو أن هذه الشهادة تُقدر بآلاف الدولارات، بينما يبدو أن عدد المستفيدين منها كبير. للأسف، تكشف القائمة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا أسماء أشخاص يشغلون مناصب قيادية في مجتمعنا (مع أننا لا نعلم مدى دقة هذه القائمة). تخيلوا حجم الضرر والظلم الذي قد يقع على شخصٍ متعجرف يحمل مثل هذه الشهادة التي لا يستحقها ويحرم منها من هو أحق بها من أبناء وبنات الشعب.

إلى أين يتجه التعليم؟

لا شك أن التعليم، وكما عهدناه، وسيلةٌ لكسب لقمة العيش والحصول على وظيفة مستقرة، مع اكتساب قدرٍ وافرٍ من المعرفة والفكر يُمكّنك من الاندماج في مجتمعك المحليّ تحديدًا، وفي المجتمع عمومًا. لذا، فمن خلال التعليم، تُطوّر الأمة أفرادها وبنيتها التحتية، وتكتسب مكانةً مرموقةً بين شعوب العالم. وكما ذكرتُ في العديد من مقالاتي السابقة، فإنّ نظامًا تعليميًا سليمًا ينبغي أن يتّبع ما أسميته “Abdul Paradigm”، ويُشار إليه أيضًا باسم “نموذج FSS”. تشير الأحرف على التوالي إلى: الأسرة، والمدرسة، والشارع. أي أن التعليم الفعال والموثوق يبدأ من الأسرة أولًا (حيث يكتسب الطفل المبادئ والأخلاق والقيم الحميدة التي تُشكل شخصيته لاحقًا)؛ والمدرسة هي المكان الذي تُصقل فيه هذه المفاهيم وتُصقل بعمق؛ بينما يبقى الشارع هو السياق الحقيقي الذي يُظهر فيه سلوك المتعلم ويُختبر بصدق. لذا، فإن وجود شارع نظيف، خالٍ من العوائق التي تُوزع على الأطفال والكبار، وخالٍ من الجريمة وأي نوع من العنف، وحيث يُظهر الناس الأخلاق الحميدة والسلوك السوي، هو مؤشر واضح على أن تعليمنا هو بالفعل وسيلة لإعداد أجيال شابة ليكونوا أفرادًا مخلصين ونشطين ومنتجين، يتمسكون بقيمهم وأخلاقهم ومبادئهم، بالإضافة إلى تراثهم اللغوي والثقافي.

ومع الأسف، يبدو أن الكثير من الناس يفقدون ثقتهم بتعليمنا اليوم، وسرعان ما تنتشر هذه الفضائح السلبية كالنار في الهشيم، لكنها في الواقع تؤدي إلى تدني احترام الذات وفقدان الثقة بالنظام التعليمي بين أفراد الجيل الحالي.

نحو إصلاح حقيقي للنظام التعليمي: ما العمل؟

“الشهادات المزورة” ليست سوى جانب واحد من الفساد الذي قد يسود مؤسساتنا التعليمية، بما في ذلك الجامعات والمدارس العليا. فالعنف، و”الجنس مقابل الدرجات” ما هو إلا نوع آخر من الفساد الذي تبذل السلطات (لحسن الحظ) قصارى جهدها للقضاء عليه واجتثاثه من جذوره. ولذلك، يطالب الناس الآن، أكثر من أي وقت مضى، بإصلاح حقيقي للنظام التعليمي والحياة الطلابية. ولذلك أيضاً، تُقدم برامج الماجستير محاضرات يومية وجلسات تفاعلية فعلية، حيث يمكن للطلاب الحضور إلى المحاضرات والاستماع إلى أساتذتهم والمساهمة في جلسات مباشرة. يبدو أن هذه العادة غائبة تمامًا في برامج الدكتوراه. ومما لا شك فيه، فقد يدفع عدم انتظام المحاضرات يومياً وأسبوعيًا المرشحين إلى الاكتفاء بتسجيل عنوان أطروحتهم البحثية والاختفاء تمامًا من الساحة الجامعية. وفي معظم الحالات، يُتركون للعمل على المقالات التي يُفترض أن ينشروها، وإكمال بقية الأطروحة. وفي حالات أخرى، يُترك الطلاب في خالة ضبابية، ويضطرون إلى إيجاد طرق لإنجاز مهامهم بأنفسهم (مع أن مشرفيهم ربما يتقاضون رواتب إضافية لتوجيههم وتلبية احتياجاتهم). على حدّ ذاكرتي، كانت دورات برنامج الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية تُعقد يومياً وأسبوعيًا، وكان بعض المرشحين يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى تلك المحاضرات. شخصيًا، لا أستطيع تخيّل برنامج دكتوراه “بدون فصول دراسية يومية”! لا تزال بعض الجامعات تُجدول بعض الدورات التدريبية، لكنها محدودة جدًا وقد لا تُقدم فائدة كبيرة. الهدف من وجود دورات مرتبطة بالتخصص الذي يختاره الشخص، بالإضافة إلى دورات اختيارية أخرى، هو في حد ذاته إثراء لمعارف الطلاب وجعلهم يشعرون بأن الدرجة التي سيحصلون عليها مستحقة بالفعل.

ربما لا ينبغي أن نلوم “قضية قايلش” وحاملي شهادات قايلش المزورة أكثر من لوم أصحاب القرار في مجال التربية والتعليم، حتى يتمكنوا من السعي لإصلاح جذري لنظامنا الجامعي. وبالمناسبة، قد لا تقتصر ظاهرة هذه القضية على المغرب فقط، بل ربما توجد في دول أخرى، ولذلك يجب على الجميع التحلي باليقظة والحذر.

الإصلاح المقترح والمنشود هنا هو إصلاحٌ يشمل آراء وأفكار الخبراء في هذا المجال ويستند إليها، ويضع خطةً استراتيجيةً تُعيد أهداف التعليم في بلدنا، وتُعزز قيمنا وأخلاقنا وتُعيدها إلى نصابها، وتُرشد جيلنا الحالي والقادم نحو التزاماته العقائدية والدينية والأخلاقية والوطنية واعتزازه بموروث أجداده الديني واللغوي والثقافي، وولائه لهذا الوطن الغالي.

خبير في الشؤون التربوية والثقافية

Categories
متفرقات

استكشاف أساليب التعلم الفعّالة: ما وراء عبء الكتب المدرسية

عبد الله بن أهنية

Exploring effective learning styles: Beyond the burden of textbooks

مع نهاية العطلة الصيفية (المكلفة أحياناً)، كثيراً ما نسمع النقاش يدور حول أسعار الكتب المدرسية وتنوعها، والعدد الهائل منها المخصص لكل مرحلة تعليمية، مما يلقي بظلال ثقيلة على التلاميذ الصغار(الغير قادرين عل سحب تلك الحقائب المدرسية المثقلة بالكتب والمقررات الدراسية). الأسعار المتصاعدة للمناهج الدراسية الجديدة تزيد، وبدون شك، من ذلك التحدي، خاصةً للطبقات الاجتماعية المعوزة، أو ذات الدخل المحدود أو المتوسط من المجتمع. وهناك ظروف أخرى قد تضاف إلى هذا التحدي، فإن بداية العام الدراسي تتزامن أحياناً مع مناسبات دينية كبيرة، وبدون شك مع نهاية العطلة الصيفية، مما يزيد من العبء المالي على العائلات الواقعة بين تلبية احتياجات التعليم الباهظة والالتزامات الاحتفالية أو الترفيهية.

وكما أشرنا آنفاً، فإن هذه المعادلة المعقدة تضع العائلات، وخاصةً تلك القادمة من طبقات معوزة أو محدودة الدخل، في حيرة. فالمدارس والمكتبات نادراً ما تخفض عبء الكتب أو أسعارها، والعامة من الناس يفحصون قدرة بعضهم البعض على تحمل تكاليف الكتب وحتى طقوس العيد والعطلة الصيفية. وبالتالي، تسعى العائلات من الطبقات المعوزة أو المحدودة الدخل والمتوسطة بشكل متواصل لتلبية طلبات أبنائها من كتب مدرسية ولوازم مدرسية وملابس، وتلبية باقي متطلبات العيش اليومي. هذا الصراع يزيد تعقيداً إذا ما حاولت العائلات أيضاً قضاء عطلة بسيطة لتوفير استراحة قصيرة من الروتين اليومي – وهذه الاستراحة غالباً ما تأتي بثمن.

 

السلوكيات التاريخية والتعاون الاجتماعي:

في الماضي، كانت العائلات تمرر الكتب المدرسية الأساسية من أخ أو أخت لآخر أو لأخرى، مما كان يزرع شعوراً بالتضامن الاجتماعي بين كل شرائح المجتمع. هذه الممارسة دعمت مسؤولية مشتركة للحفاظ على هذه الأدوات التعليمية، بحيث كان الطلاب لا يُقبلون على وضع أي علامات بالأقلام أو الألوان على صفحات تلك الكتب كي يمرروها لغيرهم وهي نظيفة وخالية من أي خدش. تُرجمت هذه القيم إلى ما هو أبعد من الكتب – فتعلم التلاميذ الاهتمام بمظهرهم الخارجي والنظافة الشخصية، وكذلك العناية بممتلكات المدرسة وممتلكات الغير، فكان التسامح والتعاون والتسابق في فعل الخيرات سمة ما نسميه الجيل الذهبي. هذه القيم أوجدت شعوراً بالفخر من خلال التحصيل العلمي الرائع، وشجعت الطلاب على تبادل المعرفة من خلال المتاجر المتواضعة لبيع الكتب المستعملة، مما أثرى القوة الفكرية والاقتصادية للمجتمع، وجعله رائداً في ميادين عديدة.

 

التحديات المعاصرة وتطور المشهد التعليمي:

في الوقت الحاضر، تغيرت طبيعة الكتب المدرسية والمناهج التعليمية بشكل كبير. تحولت الكتب من مصادر مشتركة إلى سلع استهلاكية مؤقتة يتم رميها ما ‘ن انتهت المنفعة منها كباقي السلع. هذا التحول أثقل كاهل الطلاب بشراء العديد من الكتب والدفاتر، كثير منها لا يستخدم إلا بشكل ضئيل. وبالإضافة إلى ذلك، تتطلب طبيعة الكتب الحديثة من الطلاب التفاعل المباشر مع الكتاب نفسه، من خلال حل تمارين في صفحاته أو ملء الفراغات المخصصة لكل درس. هذا يعيق عملية تبادل الكتب، ويجعلها مصدر استهلاك لمرة واحدة فقط، ناهيك عن الاضرار بمهنة بيع الكتب المستعملة التي كانت تشكل مصدر رزق للعديد من المواطنين والمواطنات.

وهكذا نلاحظ اليوم بأن الناشرين الهادفين للربح يغمرون السوق بكتب مكلفة، تأتي كل نسخة بألوان وتنسيقات جديدة، بينما يتمنى الأهالي العودة إلى أيام أبسط حيث كانت الدراسة تتطلب أقل عدد من الكتب، وكان ثمنها أخف بكثير مما نتصور على ميزانية الأسرة. ومما لا شك فيه، فإن مستقبل التعليم والتعلم في المغرب يعتمد على تحقيق توازن بين الجودة والتكلفة، ولذلك يجب أن تكون المناهج مبتكرة ومتجددة، تلبي احتياجات الطلاب وتوجهات العصر. وفي الوقت ذاته يجب أن تكون الكتب والمناهج الدراسية متاحة وميسرة للجميع، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية. من خلال تجاوز تحديات الكتب المدرسية، يمكن أن يساهم المجتمع في بناء مستقبل أفضل للتعليم في المغرب، حيث يتمتع الجميع بفرصة تعليم متساوية وجودة تعليمية مميزة.

 

استكشاف أساليب التعلم الفعّالة:

يتضمن استكشاف أساليب التعلم الفعالة التعرف على الطرق المتنوعة التي يستخدمها الأفراد في فهم المعلومات والاحتفاظ بها في مختلف مراحل التعليم. وغلى سبيل المثال، دعا جون ديوي (John Dewey)، الباحث التربوي البارز، إلى التعلم التجريبي، مؤكدا على أن الطلاب يتعلمون بشكل أفضل من خلال التفاعل مع تجارب العالم الحقيقي. يعتقد ديوي أن التعليم يجب أن يتمحور حول الطالب ويكون تفاعليًا، ويشجع عللا ادماج التفكير النقدي (Critical Thinking) ومهارات حل المشكلات (Problem Solving). وبالمثل، دافعت ماريا مونتيسوري عن النهج العملي، حيث يتعلم الطلاب من خلال الاستكشاف الذاتي والتنوع في المواد التعليمية. تركز طريقة مونتيسوري (Maria Montessori) على تعزيز الاستقلال والتحفيز الداخلي، مما يسمح للأطفال بالتطور بالسرعة التي تناسبهم. ومع ذلك، فإن هذه الأفكار التقدمية تقف على النقيض من النهج التقليدي المتمثل في تحميل الطلاب كميات كبيرة من الكتب. يعتقد كل من ديوي ومونتيسوري أن التعليم لا ينبغي أن يتمحور حول الكتب المدرسية والحفظ عن ظهر قلب فقط. ومما لا شك فيه، يمكن أن يؤدي الوزن الزائد للكتب إلى إجهاد جسدي وإصابات طويلة الأمد للمتعلمين الصغار، مما يؤثر على صحتهم بشكل عام. علاوة على ذلك، فإن تكلفة الكتب المدرسية والمواد التعليمية يمكن أن تؤثر بشكل غير متناسب على الأسر المحرومة اقتصاديا. وقد يعيق هذا العبء المالي حصول الأطفال المنحدرين من أسر معوزة أو منخفضة الدخل على التعليم الجيد، مما يؤدي إلى إدامة عدم المساواة التعليمية. لذلك، من الضروري تبني أساليب التعلم التي تعطي الأولوية للمشاركة والتفاعل والوصول العادل إلى الموارد، بدلاً من الاعتماد فقط على الكتب المدرسية الثقيلة التي قد تعيق التعلم الفعال وتوسع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين شرائح المجتمع.

خلاصة:

إن كثرة اللغط حول موضوع أسعار الكتب والمناهج المدرسية والكمية المخصصة لكل مرحلة دراسية كلما اقترب موسم بداية السنة الدراسية، كما أشرنا إليه آنفاً، لا يأتي كل مرة من فراغ، بل هو انعكاس لمعاناة الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة من أبناء هذا المجتمع نظراً لارتفاع أسعار تلك الكتب، فيتجاذب الناس نفس الحديث ويطرحون نفس المقترحات والأفكار لكن لا يرون تغييرا. ومع ذلك يبقى الأمل دائما معقوداً في أن تلتفت الوزارة المعنية إلى موضوع غلاء الكتب المدرسية والمناهج والكمية المخصصة لكل مرحلة دراسية كي تخفف على الآباء والتلاميذ شيء من تلك المعاناة. كما نتمنى أن تتوجه انظار الحكومة الجديدة صوب انطلاقة واقلاع حقيقي لمشروع الاصلاح وبمنظور حديث بحيث يتم استدعاء الخبراء (وحتى خبراء من الجالية المغربية بالخارج الذين راكموا سنوات خبرة طويلة وعايشوا الحركة التعليمية في أمهات الجامعات الغربية المتقدمة)، وتكوين هيئة وطنية تُعنى بقضية المناهج والكتب المدرسية. كما يجب السعي نحو ربط المناهج بوسائط التعليم الحديثة والنظريات التي تجعل التلميذ في صلب عملية التعليم نفسها وتركز على تكوينه الشخصي والجسمي والعقلي دون الحياد عن معايير وأبعاد الجودة الشاملة في كل مرحلة من مسيرة الطفل التربوية والتعليمية. وكما يقال، فإن العبرة يجب أن تكون في “الكيف” وليس في “الكم”. وعلى الحكومة الموقرة الجديدة السير على درب وخطى صاحب الجلالة نصره الله الذي أعطى مثالا حيا وجميلا عن قضية التكافل والتضامن الاجتماعي من خلال برنامج توزيع “مليون حقيبة مدرسية” في بداية كل موسم دراسي. وقد كان ولا يزال لتلك المبادرة الأثار الحميدة على أبناء المواطنين وخاصة أولئك المنحدرين من الطبقة المعوزة من مجتمعنا. ولذلك نتمنى أن تتسع رقعة تلك المبادرة لينضم إليها الأغنياء والأسر الميسورة وأرباب الشركات وجمعيات المجتمع المدني للانخراط في عملية توفير الكتب للتلاميذ وللاعتناء بمرافق المدارس العمومية ومحيطها والانخراط في تزيين المدارس وتجديد وتحديث مظهرها وحدائقها لأن واجهتها وجودة مرافقها لا تُدخل السعادة على قلوب المعلمين والتلاميذ فحسب، بل حتى على الساكنة وعلى كل من يمر بجوار المدرسة، ناهيك عن الرفع من مستوى الجودة والمعنويات. ولا شك أن الكل يطمح إلى رؤية محيط مدرسي خالي من جميع المظاهر السيئة والموبقات وينعم فيه أبنائنا بالراحة والطمأنينة والسعادة والسلامة قبل كل شيء. وبما أن المناهج هي الأرضية التي ترتكز عليها العملية التربوية والتعليمية، فمن الضروري الخوض في هذا الموضوع بكل مصداقية وجعله في صلب عملية مشروع اصلاح منظومة التربية والتعليم متى ما أُخذ بجدية، بل ومتى ما شُرع في التخطيط له، علماً بأن الكثير من الخطب الملكية السامية ألحت على التعجيل بإيجاد حلول للرفع من مستوى التربية والتعليم في بلدنا، ما دمنا نسعى إلى مد الاشعاع الفكري والنموذج المغربي على كافة المستويات والقطاعات إلى افريقيا وغيرها. وأخيراً، لنتذكر جميعاً بأننا لن نعيد للتعليم هبته ومكانته ما لم نسعى إلى إعادة مكانة المعلم داخل المجتمع، وللمدرسة العمومية جماليتها ومكانتها وقوتها ومجدها.

والله ولي التوفيق،،،

 

*كاتب و باحث في الشؤون التربوية والثقافية أحد مؤسسي منصة 3B Golden Gate لتعليم اللغة الإنجليزية عن بعد http://www.3B2gelearning.net