اكتشاف صعوبات التعلم: كفاءة حيوية لمرحلة التعليم الأساسي والابتدائي

عبد الله بن أهنية

Discovering learning difficulties: a vital competency for basic and primary education

قال ديوال (Dewal) ذات مرة أن “الجواهر موجودة، لكنها لا تشكل عقدًا قبل أن يجلب أحد ما الخيط”. وبالتالي، غالبا ما يميل الطلاب بشكل عام إلى امتلاك إمكانات كبيرة نحو التعلم والإبداع، لكنهم في حقيقة الأمر بحاجة إلى من يقودهم إلى عالم الإبداع والابتكار. لذلك ، فإن مهمة المعلمين هي اكتشاف تلك الإمكانات وقيادة المتعلمين إلى الاستخدام الإيجابي لطاقتهم الداخلية وقدرتهم الفكرية. ومع ذلك، فإن التعلم ليس مهمة سهلة وقد يكون عملية صعبة للغاية لدى البعض، بينما يثبت تعلم التعلم في كل مرة وعبر كل حقب التعليم أنه مهارة في حد ذاتها يجب الانتباه إليها وفي وقت مبكر.

benhania1 اكتشاف صعوبات التعلم: كفاءة حيوية لمرحلة التعليم الأساسي والابتدائي

يمكن اعتبار تعلم التعلم أحد الصعوبات التي قد يواجهها كل من المتعلمين والمعلمين. وفي الواقع، تعتبر كيفية تعليم صعوبات التعلم كفاءة حيوية تعتمد إلى حد كبير على القدرة على التعامل مع التحديات التي يواجهها الأطفال أثناء عمليات التعلم. وبحسب العديد من الباحثين فإن تلك الصعوبات بشكل عام تحدث أثناء اكتساب المعلومات والمهارات، وهي أقل بكثير من المستوى المتوقع من الطلاب في هذا العمر. ومع ذلك ، قد تنشأ هذه المشاكل نتيجة للإعاقة العقلية أو اضطراب في التحصيل الأكاديمي أو المعرفي. ومن ثم، فإن هذه العملية قد تؤثر إلى حد كبير على المهارات الأساسية اللازمة للطفل خلال مرحلة التعلم المبكر، مثل القراءة والكتابة وتعلم الرياضيات وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، يدافع الباحثون أيضًا عن أن تأثيره قد يمتد إلى شيء أكبر، أو قد يؤثر على نطاق أكبر من عملية التعلم مثل القدرة على تنظيم وإدارة الوقت وقدرات الذاكرة، سواء كانت طويلة أو قصيرة المدى، كمجالات أخرى مثل علاقات المتعلم وسماته وأنشطته الاجتماعية. في هذا الصدد، يقول كلود برنارد، “التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نمتلكها لاكتشاف طبيعة الأشياء التي تقع خارجنا.” وتبعاً لذلك، فمن خلال التجريب قد يكتشف المعلمون صعوبات التعلم التي قد يواجهها المتعلم.

تعليم صعوبات التعلم: مهمة معقدة:

دائمًا ما يولي المعلم الجيد الانتباه وينظر باهتمام إلى الطريقة التي يتعلم بها كل طالب من طلابه. فالمعلم يعي تمام الوعي أن جميع الطلاب لديهم قدر كافٍ من القدرات والإمكانيات التي يجب إيقاظها أو تحريكها، لذلك يحاول إيجاد أنسب الطرق لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم بالطبع، بما في ذلك الطلاب الذين ليس لديهم قدرات التعلم الطبيعي. ولهذا، يواصل العديد من المعلمين والخبراء الذين تم تجربتهم في مجال التعليم تقديم وطرح اقتراحات ومواد قيمة يمكن أن تساعد المعلمين المبتدئين وتوعيتهم بأهم الطرق التي تشرح كيفية تعليم صعوبات التعلم، وإليك عزيزي القارئ بعضًا منها:

• اكتشف من بين الطلاب الصغار من منهم غالبًا ما يتردد في الاستجابة أو غالبًا ما يرفض الانضمام إلى نشاط جماعي أو دعوة للاستجابة.

• تعرّف على كل طالب وتعرّف على خلفيته الاجتماعية والعائلية.

• تعرّف على تفضيلات الطالب وميوله الشخصي.

• حاول أن تراقب رد فعل كل طالب وقم بإدراج المتعلمين البطيئين في مقابل المتعلمين السريعي الاستجابة.

• حاول مراقبة رد فعل كل متعلم تجاه ردود الفعل الإيجابية والسلبية.

• حاول تقديم أنشطة تعليمية جذابة من خلال الألعاب والعمل الجماعي.

• لا تتهم المتعلم (مهما كان سنه) أو تهينه أمام زملائه لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، لأن هذا الفعل يضر بمشاعر الطلاب ويجعلهم هدفًا للتنمر.

• حاول إظهار ومشاركة تخطيط الدرس مع الطلاب حتى في سن مبكرة. يمكنك أيضًا إشراكهم في التخطيط للدرس التالي. ومن الجيد استخدام الرسومات لمساعدة الطلاب على فهم العلاقات بين أجزاء الدرس بوضوح.

• حاول استخدام استراتيجية تجهيز الطفل كعامل حيوي، وهذا يحدث من خلال التحدث معه أو معها حول أهمية دوره كعضو في الفصل، وحول التعليم بشكل عام، وأهمية المواد التي يقوم بها. أو تدرس بشكل خاص.

• اجعل تعليماتك واضحة باستخدام خطوات واضحة لكل مهمة. من الخطأ أن تطلب من الطالب القيام بمهمة ما دون خطوات واضحة توضح كيفية القيام بذلك.

• لا تفرد نتائج طفل معين وتستخدمها كنموذج للعمل السيئ.

• على العكس من ذلك، يمكن استخدام النماذج الجيدة وتقديمها إلى الفصل بأكمله لتوضيح أفضل بحيث يفهم الجميع جوهر المهمة.

• تأكد من وجود ارتباط واضح بين الدرس الرئيسي والتمارين المستخدمة كتعزيز.كما يجب التأكد من فهم الطالب للموضوع من خلال طلب تكرار الخطوات المهمة، بالإضافة إلى ضرورة المتابعة أثناء التدريبات والتأكد من أن الأمر على ما يرام.

• يجب تكرار كل من المعلومات الشفوية والمكتوبة بوضوح وبصوت عالٍ.

• إذا أمكن، يجب تقسيم المهام أو الاختبارات أو المشاريع الموجهة للفصل إلى أجزاء صغيرة، وإذا أمكن يمكن للطلاب القيام بذلك في مجموعات صغيرة من أجل العمل بشكل أفضل لتسهيل اكتساب المعرفة لديهم.

أنواع صعوبات التعلم:

من أهم الأشياء التي يجب على المعلم معرفتها قبل الانخراط في الفصل هي القدرة على التعرف على الأنواع المختلفة لصعوبات التعلم التي قد يواجهها الطلاب. معرفة هذه الصعوبات هو المفتاح لإيجاد حل لكل واحد منهم. تعتمد كيفية تعليم صعوبات التعلم بشكل كبير على المعرفة الجيدة بأنواعها، والتي من الواضح أنها قد تختلف من طفل إلى آخر. وعلى سبيل المثال فقد تشمل هذه الصعوبات:

صعوبة القراءة

صعوبة الكتابة

• صعوبة الحساب

بالإضافة إلى الصعوبات المذكورة أعلاه، هناك صعوبات أخرى يشار إليها غالبًا باسم “صعوبات التعلم غير اللفظي”. ويعتقد الباحثون أن هذا النوع من الصعوبات هو شكل من أشكال صعوبات التعلم عندما لا يعرف الطالب في الواقع تفسير لغة الجسد أو حتى تعابير الوجه سواء من قبل المعلم أو زملاء الطالب نفسه في الفصل. كما أن هذه المشكلة قد تؤثر سلبًا على المهارات المكانية أو الحركية أو الاجتماعية لدى المتعلم.

وللإشارة، تعد اضطرابات السمع نوعًا آخر من الصعوبات غير اللفظية التي قد يواجهها العديد من الطلاب. ولسوء الحظ، قد لا يدرك كل من المعلمين وأولياء الأمور أن مشكلة ضعف السمع أو اضطرابه من الممكن أن يترك الطالب في معضلة لمدى طويلة إذا ما لم تستدرك بسرعة. وبشكل عام، فإن الطلاب الذين يعانون من هذا النقص، غالباً ما يواجهون صعوبة في التمييز بين الأصوات المختلفة أو التعرف على مصدرها، ولكن مرة أخرى، يجب أن يكون المعلم وأولياء الأمور على دراية بذلك في مرحلة مبكرة. في هذه الحالة، يصعب على الطالب تكرار الكلمات خلف المعلم، كما يصعب عليه الاستماع إلى ما حفظه من قبل. ومن ثم، فإن هذا كثيراً ما يترك الطالب في حالة من الذعر.

هناك نوع آخر من الصعوبة وهو أيضًا شائع جدًا بين الطلاب وهو ما يشار إليه غالبًا باسم “صعوبة التعلم المرئي”. ويرى الخبراء أن هذا النوع من الصعوبة يتمثل في عدم قدرة المتعلمين على استخدام الرسم أو استخدام العين واليد معًا سواء في الفصل أو في المنزل خلال حل التمارين المنزلية. وقد ذكر العديد من المعلمين حقيقة أن هؤلاء الطلاب الذين يعانون من هذا النوع من الصعوبة لديهم ميل واضح لعدم القدرة على الالتزام بمسار الدرس وتعليماته أو التعرف على متابعة النص أو التنسيق أو القدرة على إيجاد نقاط الاختلاف بين صورتين متشابهتين على سبيل المقال.

الأسباب المحتملة لصعوبات التعلم:

إن معرفة الكيفية في مجال التدريس بشكل عام، وتعليم صعوبات التعلم بشكل خاص، أمر مهم يتطلب تنبيهًا سريعًا ورد فعل وخبرة وصبر، حتى وإن لم يتضح للباحثين الأسباب الحقيقية لحدوث صعوبات التعلم في المراحل المبكرة من التعليم. وعلى الرغم من ذلك، فمن الممكن دائمًا تحديد بعض العوامل التي قد تكون سببًا في ذلك أو تزيد بشكل ما من خطر الإصابة به. وتجدر الإشارة إلى أن البعض من تلك العوامل قد تكون موجودة وملازمة للطفل منذ الولادة، وهذا يشمل على سبيل المثال لا الحصر:

• قد تكون تلك الأعراض وراثية أو جينية متوارثة تؤدي إلى صعوبة التعلم وتلعب دورًا مهمًا في هذه المشكلة.

• معاناة الوالدين أو أحدهما من إعاقة تساهم بشكل كبير في إحداث صعوبات التعلم لدى الأطفال.

• يعزو بعض الأطباء صعوبة التعلم في بعض الحالات إلى حالة المرأة الحامل من إدمان الكحول أو المخدرات أو غير ذلك. وبالتالي، قد يؤثر ذلك على الصحة العقلية للجنين، وقد تتطور هذه الإعاقة إلى نوع آخر أكثر حدة يسبب صعوبة في التعلم.

• الحالة الأسرية السيئة والعزلة حيث لا يوجد لدى الطفل من يتحدث معه أو يلعب معه.

• قد تكون هناك عوامل أخرى مثل سوء التغذية، أو افتقار الأطفال للدعم الفكري، أي لا أحد يساعده أو يساعدها في العمل المدرسي وحل الواجبات المدرسية.

• وجود أي نوع من الاضطرابات النفسية أو المرض الذي يحتاج إلى علاج أو تدخل فوري.

• احتمال تفاقم الحالة إذا كانت البيئة الداخلية والخارجية للمدرسة غير مناسبة.

وكما ذكر من قبل، فإن الاكتشاف المبكر للأعراض التي تؤدي إلى صعوبة التعلم قد يكون مفيدًا جدًا للمتعلمين الصغار، لكن الباحثين حذروا من أنه في حالة الإهمال، وإذا تُرك الطفل يعاني من تلك الصعوبات، يمكن أن تتفاقم الحالة في مراحل متقدمة من حياته، حيث قد يصاب الشخص بأمراض في الدماغ، مثل الخرف أو الزهايمر.

الأعراض المحتملة لصعوبات التعلم:

يشير المربون والخبراء والباحثون وكذلك الأطباء إلى أن هناك في الواقع بعض الأعراض والمؤشرات المحتملة التي تظهر على الطلاب الذين يعانون من هذه المشكلة وقد تساهم ملاحظة ذلك واكتشافه المبكر – إلى حد كبير- في إيجاد الحلول المناسبة والناجعة، بل حتى الطريقة المثالية في اختيار كيفية معالجة تلك المشاكل وكيفية تعليم صعوبات التعلم. علاوة على ذلك، أشار الباحثون إلى بعض تلك الأعراض الواردة والتي ربما يكون من السهل ملاحظتها مثل:

• وجود إشارة واضحة إلى أن الطالب إما بطيء في القراءة الهجائية، أو يقرأ مع الكثير من الانقطاع والتذبذب. وعلى عكس أقرانه يبذل الطفل جهدًا مضاعفًا عند محاولته قراءة وفهم المعنى المقصود لما قرأه.

• ظهور صعوبات إملائية متكررة أو أي صعوبة في التعبير الكتابي بشكل عام أو التعامل مع الأرقام والقضايا الحسابية لدى الطفل أثناء الأنشطة الدراسية.

• انخفاض ملحوظ في مخرجات الطالب وتحصيله على أساس يومي مقارنة بزملائه في الفصل.

• من الممكن أن يلاحظ المعلم أو أولياء الأمور أن هذا العرَض يبدأ بالظهور على وجه التحديد خلال المراحل التعليمية المختلفة (حتى بعد السنة الأولى أو الثانية من المدرسة).

• قد لا تكون خطورة هذه الأعراض متطابقة بالقوة، لكنها تختلف من شخص لآخر.

• يُقر معظم المعلمين بأن الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم من المحتمل أن يكون لديهم مستوى ذكاء متوسط أو أعلى من المتوسط، وبالتالي لا يُفترض أن يُطلق عليهم مسمى الأشخاص ذوي الإعاقة أو ذوي اضطرابات نفسية.

خلاصة:

من الواضح تمامًا أن اكتشاف صعوبات التعلم بين الطلاب أو الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة أو المرحلة الابتدائية هو كفاءة في حد ذاته. على الرغم من أن تلك المهارة قد تكون كلية فطرية يمتلكها بعض المعلمين بشكل افتراضي، إلا أنها في الواقع كفاءة يمكن تعلمها واكتسابها في النهاية من قبل الكثيرين. وإذا كان الأمر كذلك، فيمكن القول بأن هذه الكفاءة أمر حيوي لابد من التركيز عليها في البرامج المخصصة لتدريب المعلمين والمعلمات وضمها في البرامج الرامية إلى إصلاح حقيقي لمرحلة ما قبل المدرسة والتعليم الابتدائي. مع العلم أن الحث على اكتساب هذه الكفاءة والمهارة سيحد لا محالة من ظاهرة الهدر المدرسي ويرفع من مردودية الطالب ومخرجات المؤسسة التعليمية في ربوع هذا الوطن الغالي.

والله ولي التوفيق،،،

*خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار

abdul14v2@yahoo.com

 

 

 

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed