مولاي اسماعيل علوي طاهيري يكتب : قبلة الملك
لم تكن قبلة الملك محمد السادس، تلك التي وضعها برفق ووجدان بارزين، على جبين وزيره الأول السابق سي عبد الرحمن اليوسفي، رحمه الله، قبلة عادية.
طبعا، نحفظ للمشاعر وأحاسيس الاحترام بين الناس طابعها العفوي والإنساني، لكن، ولأن حدث عيادة الملك للوزير وحدث تقبيله لجبين رأسه مغزى ورمزية أكبر من ذلك الحدث العارض.
نعم لا احد يعلم ما دار بين الرجلين، فالمجالس أمانات كما قال الراحل عبد الرحمان اليوسفي عقب القسم القرآني الشهير واتفاقيه التناوب مع الراحل الحسن الثاني ولكن لا يمكن لأي مهتم عادي بالمشهد السياسي الوطني وعالم بخبايا البروتوكولات الملكية المرعية أن يغفل عن معاني القبلة الواضحة وغير المشفرة.
انها إشارة حب واحترام وتقدير نعم و لكن اكثر من ذالك هي رسالة اعتذار من الملك لوزيره الأول ستبقى خالدة للذكرى أمام كل المغاربة كما أرادها الملك بشكل إرادي. حيث أراد أن يكون إعتذارا ملكيا علنيا أمام الشعب على التراجع عن مبدأ التناوب التوافقي والمنهجية الديمقراطية. وهو التراجع الذي جعل اليوسفي يغادر سفينة الحكومة والتوافق والسياسة.
القبلة اعتذار من الملك ومهندسي القصر الذين ارادوها يوما دولة بإصلاحات إقتصادية و إجتماعية قبل أن تكون سياسية، ارادوا حزبا للدولة ومع الدولة فرفعوا شعار التنمية قبل الإصلاحات الدستورية، وكانت فكرة الأصالة والمعاصرة استنساخا لتجربة الحزب الوطني بمصر والتجمع الدستوري بتونس .
فجاءت رياح التغيير مع الخريف العربي وحركة 20 فبراير لتبعثر كل الأوراق، عندها بحث الملك وساسة بلاطه عن رجال دولة حقيقيين، رجالا من طينة سي عبد الرحمان، ولكن فات الأوان ولا يمكن استدراك الخطأ والرجوع بالتاريخ الى الوراء، ولا حل إلا بالتجديف في الإتجاه والسياق الذي أراده ساسة العالم الجديد واراده كثير من المغاربة أيضا وتمكين الذئاب الملتحية من الحكم.
هي قبلة إعتذار من الملك لوزيره الأول الذي خبر المنفى والاعتقال قبل أن يخبر السلطة والحكم ويخرج نضيفا، فقيرا غنيا بحب واحترام الجميع بما فيهم الملك ومهندسي البلاط.
عندما نتابع بأسى مواقف وسلوكيات وشطحات وخرجات وقفشات رئيس الحكومة السابق بن كيران، يحز في قلب المغاربة وربما يحز في قلب الملك ان يقارن بين الرجلين الذين وثق فيهما وسلمهما مقاليد السلطة التنفيذية.
فرق كبير بين رجل دولة ومناضل اشتراكي، حقوقي و اممي انقذ بلاده من السكتة القلبية و مكن المغرب من تجاوز الأزمة الاقتصادية وضمان السلم الاجتماعي، تخفيض الدين العام الخارجي والداخلي وحقق مكاسب دولية مهمة للقضية الوطنية ،ومن هو مستعد هو وحزبه أن يقبرا الوطن من أجل البقاء في السلطة.
وبين رجل يبكي طول الوقت على امتيازات عينية له ولذويه ومريديه. رجل حطم كل التراكمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أقرها اليوسفي بعد نضال سياسي دام لعقود طويلة..
رحل اليوسفي بعفة المحارب المحترم لنضاله ولحزبه ولملكه ولوطنه بدون استغلال اي نفوذ. رحل في صمت وعفة الكبار. فجاء بعده “قرينه” ليكتب ارذل الرسائل السياسية على ورق دورة المياه.
ولا مقارنة مع وجود الفارق
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة رأي مع الحدث .
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق