يواصل “قصر المرادية” وساطته السياسية في الملف المالي قصد بناء تحالفات تكتيكية جديدة في الساحل الإفريقي، من شأنها إضعاف قوة المغرب بمنطقة نفوذه، من خلال سعيه إلى لعب دور مُسهل لإيجاد حل للأزمة بين رئيس السلطة الانتقالية في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وقررت مجموعة “إيكواس” فرض عقوبات على مالي بسبب تأجيل الانتخابات، وبالتالي تمديد فترة بقاء الجيش المالي في السلطة بعد انقلاب 2020، ما دفعها إلى إغلاق الحدود معها، وتجميد أرصدتها لدى المصارف، وسحب البعثات الدبلوماسية من باماكو، وإلغاء كافة أشكال التعاون والتنسيق معها.
تبعا لذلك، استقبل رئيس السلطة الانتقالية في مالي، العقيد أسيمي غويتا، المبعوث الجزائري الخاص إلى منطقة الساحل، دلمي بوجمعة، من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف، إذ اقترح تمديد الفترة الانتقالية في مالي لمدة 16 شهرا بغية تمكين السلطات من تنظيم الانتخابات.
وترى بعض القراءات السياسية أن الجزائر تسعى إلى التوغل بمنطقة غرب إفريقيا عبر بوابة الوساطة المالِية، وهي المنطقة التي فرض بها المغرب نفوذه عبر التاريخ، لاسيما من الناحية الدينية، غير أن الانقلابات العسكرية المتتالية بهذه البلدان أصبحت تغيّر الواقع الجيو-سياسي الإقليمي.
وفي هذا الصدد، قال عبد الواحد أولاد ملود، الباحث في الشأن الأمني والسياسي الإفريقي، إن “الفعل الدبلوماسي بمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية يأتي في ظل فرض مجموعة من العقوبات على السلطة الانتقالية بمالي من طرف المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لأنها أخلت بوعودها إزاء المنظمة”.
وأضاف أولاد ملود، في تصريح للجريدة ، أن “مجموعة إيكواس كان لها دور فعال في تتبع مجريات الأزمة المالية منذ انقلاب 2012، إذ تدخلت في الشأن الداخلي المالي بدعم من القوات الفرنسية آنذاك، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي”.
وأوضح الباحث السياسي ذاته أن “رد الفعل الجزائري في تلك الفترة كان سلبياً رغم أن الحركات الجهادية والمسلحة بمالي كادت أن تدخل إلى العاصمة باماكو بعد سيطرتها على أكبر مدن الشمال، إذ استمرت الجزائر في الوساطة تبعاً لأطروحتين؛ أولها الحدود التي تجمعها بمالي، وثانيها إشكالية الطوارق بشمال مالي والجزائر”.
وتابع المتحدث ذاته: “في واقع الحال، الجزائر تنطلق من أطروحات أخرى غير معلنة لمواصلة وساطتها في الشأن المالي، حيث توظف الزعماء الإرهابيين المتمركزين بمنطقة الساحل والصحراء لخدمة أجندتها، وتنسق مع قوات فاغنر الروسية للتدخل في مالي، للحيلولة دون دخول أي قوات أجنبية إلى هذه المنطقة بعد انسحاب القوات الفرنسية”.
“الجزائر تسعى من كل ذلك إلى الهيمنة على الساحل والصحراء من أجل عزل المغرب، وبالتالي فهي تبحث عن منافذ جديدة لربط علاقات وطيدة مع بلدان المنطقة”، يردف أولاد ملود، الذي خلص إلى أن “الفعل الدبلوماسي الجزائري يكون مناسباتياً، لأنه لم يؤثث الأرضية الخصبة بالمنطقة، عكس المغرب الذي يستغل أوراقه الاستخباراتية والدينية والتنموية لضمان نفوذه”.
Share this content:
إرسال التعليق