الذئب الإنتخابي

ذ/ عبدالرحيم بن علي

استيقظ في ذلك الصباح الجميل بعد سبات طويل وعميق، انقطعت فيه أخباره عن الجميع حتى ظنوا أنه لن يعود، كيف لا وصديقنا نام لخمس سنوات كاملة، تفوق فيها على سبات جميع الحيوانات الكسولة.

لم يستجمع قواه إلا بعد وقت طويل، فقام إلى مرآته ليطمئن على ملامحه ومدى صلابتها واستعدادها للقناع الجديد، لأن حياة الرجل المسكين تقوم على تقمص حقيقي لشخصيات وهمية تتسم كلها بالصدق والإخلاص، ومن هنا جاءت صعوبة مهمة الرجل، فالصادق لا يستطيع أن يمثل الصدق لأنه مجبول عليه بالفطرة، والكاذب لا يحتاج إلى تجسيد الكذب لأن الناس تعلم حقيقته، ويستحيل بطبيعة الحال أن يتقمص الصادق دور الكاذب، ليبقى دور الذئب الإنتخابي وهو الأصعب : أن يتقمص دور الصادق المخلص وهو المنافق الأشر الكذاب. تلك الميزة _مجازا_ لا تستطيع تحصيلها في معاهد المسرح أو التمثيل، ولكنها نتاج مسار طويل من صناعة الأقنعة وتجسيدها، وسنوات من تغيير الجلد وفن صياغة الوعود التي لا تتحق ولا تعود.

وقف الذئب أمام خزانة الأقنعة مبتسما بعدما نجح بعد كل هاته السنوات في تقليص عدد الأقنعة إلى اثنين : قناع الحمل الوديع الذي يساعده في اختراق الجموع، وقناع رجل الدين الذي ينجح في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل.

وفي ركن ينظر إليه بصعوبة كان هناك وجه آخر، لكنه لم يكن قناعا، إنه وجه الذئب الحقيقي الذي لم ولن يستطيع استخدامه لسببين : لأنه وجهه الحقيقي ولأنه بيع منذ زمن بعيد.

ومن باع وجهه لن يستطيع استرجاعه أو شرائه من جديد.

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed