شيزوفرينيا
سعيدة المهاجر
خاطبني هامسا “أرجوك اِعتني بأميرة وسلطان !”، ثم أمسك معصمي بعين دامعة ورعشة في يديه:
“عديني أن تنتبهي إليهما جيدا، فهما كل ما أملك، ومن أجلهما أضحي”.
قلت: “أعلم.. لا عليك، سيكون ما تريد. فقط اتركنا نعبر بسلام!”.
قال: “لقد أتممت إجراءات مهامي تجاهكم. هل أنت راضية”.
قلت: “نعم كل الرضى. كفيت ووفيت. ذكرني حتى لا أنسى..”.
قال وقد غطت عيونه نظرات الشموخ:
“لقد حرمتهما من الدراسة حتى يتسنى لهما خوض تجربة أخرى أكثر فائدة، تماما كما حرمت أنا في طفولتي. كما أغدقت عليهما بسخاء كلاما نابيا، واحتضنتهما بصفعات مدوية، تماما كما أحبني والداي.
أكثر من ذلك أنا أهديهما، على رأس كل شهر رسالة مفادها أنني لن أحول لكما مصروفهما لأنهما قلبي وحياتي، وأنني أعشق أن يصلهما هذا الألم، لأنه من صنع يدي.
والأجمل يا سعيدتي، أنني أطردكم من سكنكم، حتى تجوبوا الشوارع وتكتشفوا معالم أماكن أخرى ..
ليتك تعلمين كم أحب أطفالي، وكم أنا مكترث لمستقبلهما!.. أنت دائما مهملة غير متفهمة.. لا تعلمين أي شيء، ولا يمكنك أن تستوعبي هذا الحب.. أنا أحبهما كثيرا، تماما كما أحبني والداي..”.
قلت: “أرجو أن تكف عن هذا الحب الذي قد أصير بسببه مجرمة”.
انحنى علي ومد يمينه على يميني المكسورة منه يوما، وقال:
“أما اشتقت إلي يا صغيرتي ولمداعبتي لك”.
قلت: “لا نحن لا نستحق كل هذا الحب العميق. حبك النابع من طفولتك المغتصبة، ومن مناخك الهش. فالتربة التي لا تنبت الزهور، لا يمكن أن يفوح عطرها، وأنت لا تعرف هذا، أو لعلك تعرفه ولا تحسه.. أنا حديقة من التوليب والليلك والبنفسج..
فإليك عني..
إليك عنا..
حبك مجرد ثمار زقوم مر، مسقي من حميم، وسقفك جحيم، سحب من حطمة لا تحبه الملائكة ولا تقترب منه.
إليك عنا.. فقد وهن الصبر، والقطة تغدو لأجل أطفالها نمرا لو كنت تدري، لكنك لا تدري”..
بابتسامة بريئة وعين دامعة، رفع يديه إلى السماء، كأنما يناجي الله ليطلب الصفح والغفران، فتساقطت دعواته صفعات متتالية على خدي.
هذا الرجل لن يهنأ باله حتى يرى أنهارا من الدماء تتدفق أمامه، ليكف.
غادرنا مودعا، قائلا: “سأشتاق إليكم، وأعدكم بالعودة كلما هزني الحنين، فأنتم مصدر سعادتي، وبكم أنا أكتمل”.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق