“حين يُقصى الجمال: أزمة الفن التشكيلي في ظل صمت الوزارة”
هند بومديان
في ركنٍ معتم من المشهد الثقافي المغربي، يجلس الفن التشكيلي على قارعة الانتظار. لا صخب إعلامي يحيطه، ولا التفاتة جادة من وزارة يفترض أنها وُجدت لحمايته. في زمن تتحول فيه الصورة إلى لغة عالمية، ويصبح فيها التعبير البصري قوة ناعمة لصناعة الوعي والجمال، يُقابَل الفن التشكيلي المغربي بالإهمال والتجاهل، وكأنّ الريشة لا تستحق أن تُحمى.
فأين الخلل؟
الخلل أولًا في التصور الرسمي للفن. لا تزال وزارة الثقافة تنظر للفن التشكيلي كأمر هامشي، لا يندرج ضمن أولوياتها، بل وتتعامل معه كمجرد ديكور في فعالياتها الرسمية. لا استراتيجية واضحة، لا استثمار حقيقي، ولا رغبة في تأسيس قاعدة متينة لهذا الفن العريق.
ثم هناك غياب البنية التحتية: أين هي المتاحف الوطنية؟ أين هي قاعات العرض المفتوحة على مختلف جهات المملكة؟ لماذا لا نجد حضورا فعليًا للفنانين التشكيليين في أجندة الثقافة المغربية؟ لماذا يضطر أغلبهم للتمويل الذاتي من أجل إقامة معرض أو طبع كاتالوغ؟
أما المعضلة الأخطر، فهي في تغييب الفن عن المجتمع. الإعلام لا يمنح له مساحة، والمدرسة لا تعرّف به، والمجالس المحلية لا تدمجه في مشاريعها التنموية. فنانون كبار رحلوا دون أن نعرف عنهم شيئًا، وآخرون صامدون بأدوات بسيطة وإرادة تكاد تُخنق.
لكن، الأزمة ليست قدَرًا. بل هناك حلول جريئة وممكنة، تنتظر فقط من يتحمل مسؤوليته:
- أن تتحول وزارة الثقافة من جهاز بيروقراطي إلى حاضنة حقيقية للمواهب.
- أن تُدمج الفنون التشكيلية في النظام التعليمي كمساحة للتفكير الخلاق لا مجرد نشاط ترفيهي.
- أن تُخصص ميزانيات محترمة لدعم الإنتاج، التكوين، والتنقل الفني داخل وخارج الوطن.
- وأن تُمنح الفنانات والفنانون مكانتهم كصُنّاع للهوية البصرية المغربية، لا كزُوار موسميين في معارض جوفاء.
الفن التشكيلي ليس امتيازًا للنخبة، بل هو حق جماعي في الجمال والتأمل والاحتجاج البصري. وتركه يتآكل في العزلة هو تواطؤ ضمني مع البشاعة والتفاهة. آن للوزارة أن تفتح عينيها، أو على الأقل، أن تسمع صرخة اللون قبل أن تصير صرخة الرحيل.
تعليقات ( 0 )