الجالية المغربية بين لوعة الغربة و حرارة الإنتماء للوطن

الجالية المغربية بين لوعة الغربة و حرارة الإنتماء للوطن

ذ. أحمد براو

باعتبار مغاربة العالم جزء لا يتجزأ من أبناء الشعب المغربي وجب الاهتمام بقضاياهم المختلفة من طرف الدولة والحكومة المغربية، وهذا يستند إلى وعي جماعي بضرورة إيجاد الحلول المناسبة لتمكين هذه الفئة الفعالة والنشيطة من الشعب المغربي من كافة حقوقها الدستورية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجعل قضاياها وتطلعاتها، سواء بدول الإقامة أو بوطنها الأم، ضمن أولويات التدخلات العمومية بمختلف مستوياتها، وتعريف السلطات المغربية على مميزات الجاليات المغربية الرئيسية المقيمة بالخارج، ودعم تصور وتنفيذ البرامج التي تهدف إلى تعبئة الرأسمال البشري والاجتماعي والمالي من أجل التعلق بالقضايا المصيرية ذات الإهتمام سواء في بلد الإقامة كحفظ الهوية والثقافة واللغة والدين، أو ربطها بالمغرب من خلال التشبت بالثوابت والدفاع عن المقدسات والوقوف صدا منيعا أمام الدعوات التي تستغل الفراغات والآلام والمشاكل التي يعاني منها المهاجرون والأسر المغربية من أجل استعدائها للوطن.

– مدى الإهتمام بالكفاءات المهاجرة

المطّلع على أحوال وتجارب الدول والمجتمعات في ميادين التنمية يدرك أنه لا يمكن تصور أي نقلة أو تطور إلا بخلق مناخ يساعد على هذه التنمية، والدفع بها نحو الأمام في الميادين الإقتصادية والإجتماعية، و بتضافر جهود جميع الفئات من المجتمع سواء داخل البلد أو خارجه، وضرورة خلق فرص التقارب بينهما، و للإستفادة من مساهمات الكفاءات العليا لمغاربة العالم يظهر أهمية وأعداد الكفاءات المغربية المقيمة خارج المملكة، وخلق جسر تواصل بين المغرب وكفاءاته العلمية ما يطلق عليه الأدمغة المهاجرة، عن طريق وضع إستراتيجية وطنية تمكن من تعبئة هذه الكفاءات من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

– مساهمة مغاربة العالم في التنمية وشعورهم بالإنتماء للوطن

لا احد بوسعه إنكار الدور النوعي والكمي لمغاربة العالم في المساهمة في التنمية الإقتصادية والذي ظهر جليا في فترة الوباء الذي اجتاح العالم خلال السنتين الماضيتين فقد أشارت الإحصاءات أن خزينة الدولة باعتراف الحكومة المغربية انتعشت بفضل التحويلات المالية الغير مسبوقة خلال الجائحة ما يظهر معدن المغاربة فيما يخص عاطفة التضامن المجتمعي والتكافل الديني، وتضحيات خمس ملايين من المواطنين المهاجرين والعمال بالغالي والنفيس من أجل عائلاتهم وأقربائهم الذين مروا بظروف صعبة جراء الإغلاقات المتكررة في المغرب.
وقد ظهرت كذلك قوة ومتانة أفراد الجالية المغربية عندما احتاجتها البلاد للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وأبان هذا المكون الفعال في مجال الدبلوماسية الموازية عن علو كعبه، حيث شكل قوة للضغط عبر تشكيل هيئات وتكتلات وتحالفات من أجل خلق دينامية وتعبئة قوية واستعداد عفوي للدفاع عن المصالح الوطنية ومواجهة أعداء الوطن في جميع المنتديات والمحافل ودحض طروحاتهم المدمرة والخبيثة المعادية للمغرب.
لذا فإن خصائص هذه الفئة التي تقدر ب 10% من مجموع المغاربة من مهارات وكفاءات تمثل قوة اقتصادية مهمة ولوبي ضغط سياسي وازن، زد على ذلك تعلقه بالوطن الأم وغيرته على ثوابته وملَكيّته ووحدته الترابية وأمنه واستقراره.

– اختلال الموازين بين ما تُقدّمه الجالية وما تستفيد منه

وهنا تطرح أكبر علامة استفهام حول كيفية تعامل الحكومات المتعاقبة مع ملف مغاربة العالم، وباستثناء المؤسسة الملكية الشريفة واهتمامها برعاياها من خلال التوجيهات الملكية السامية والخطابات والدعوات المتكررة التي تشيد بها، وتدعو للمزيد من الإهتمام والتعامل الإيجابي بمكوناتها فإن باقي الجهات الحكومية والمؤسسات لم تبدِ نفس الإهتمام ولم تجر دراسات وأبحاث أو تؤسس لخارطة طريق لتبني مشاريع ناجعة وسياسات فعالة لانخراط حقيقي لمغاربة العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، بل وإذا فعلت يشوبها الفساد والمحسوبية، وهنا يتبادر للدهن ما يمكن أن نطلق عليه إدارة فاشلة للملف، أو فشل حكومي في مجالات مختلفة تتعلق بالجالية، كالمشاركة السياسية لمغاربة العالم وعدم تمكينهم من التمتع بحقوقهم الدستورية في الإنتخابات، وفشل اقتصادي بالإعتماد فقط على التحويلات وضعف الإستثمار أو اقتصاره فقط على المجال العقاري والذي عرف هو أيضا تراجعا في السنوات الأخيرة بدون تنويع مجالات الإستثمار أو عرقلته بمساطير بيروقراطية تُنفّر المستثمرين المغاربة، وأخيرا وليس آخرا فشل ثقافي واجتماعي بحيث يعاني العديد من المهاجرين المغاربة من مشاكل ثقافية كضعف التأطير والتربية في مجال اللغة والدين والوطنية وهو ما جعل هناك انفصام بين الأجيال، زد على ذلك تفاقم مشاكل بعض الشباب المغترب وفقدانه للهوية وارتمائه في أحضان الجريمة والرذيلة والمخدرات والسجون والإصلاحيات، ثم مشاكل التفكك الأسري والطلاق، والزواج المختلط ورعاية الأطفال والقاصرين والمسنين والأرامل… وقد يطول الحديث ولكن لابد من ذكر مشكل مستجد وبالغ الأهمية وهو ما يعانيه بعض المتضررين من مشكل تغيير رخص السياقة في بعض البلدان كإيطاليا وإسبانيا ،وإنما يدل هذا على ضرورة استشعار هاته الأخطار ومن أجل تلافيها أو على الأقل الحد من تفاقمها، فلابد من تغيير أنماط الإرادة السياسية.

– خلاصة ما يجب فعله

فيما يبدو أن هناك طفرة نوعية في وعي أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج ويظهر ذلك في مدى انخراطها في الجمعيات المغربية والمجتمع المدني وخلق تكتلات وتنظيم أنفسهم في إطارات للدفاع عن حقوقهم ورفع معاناتهم من أجل تحسين ظروفهم النفسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، ثم مبادراتهم في توعية وتأطير وتعبئة باقي أفراد الجالية خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية والتعلق بالمغرب ملكا ووطنا ومصيرا مشتركا، ومع ذلك لابد من زيادة هذا الوعي والإستفادة من العمل الجمعوي بازدياد عدد المنخرطين والمناضلين الشرفاء الذين يبذلون كل غالي ونفيس ويضحون بالوقت والمال غيرة على أبناء وطنهم، فلهم كامل التحية والتقدير، ونحن في هذا الإتجاه كأقلام حرة ونزيهة ندعو الإدارة المغربية والبعثات والمسؤولين ومؤسساتهم داخل الوطن وخارجه التي تعنى بالجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى مضاعفة الجهود والرفع من مستوى الدعم المادي والمعنوي والتشجيع على خلق فرص ومشاريع نوعية وسريعة لتأطير المغاربة والمغربيات وربطهم بوطنهم الأم وتكريس اعتزازهم بالإنتماء إليه وبالتالي التخفيف من حرقة الغربة وإيقاظ حرارة الوطنية.

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed