مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
في مختلف المدن المغربية، تتفاقم ظاهرة الكلاب الضالة بشكل يثير قلقًا متزايدًا في صفوف المواطنين. ما بين من يرى فيها خطرًا حقيقيًا يهدد سلامتهم، ومن يطالب بمعالجة إنسانية تحترم حقوق الحيوان، تتأرجح المقاربات وسط غياب حلول ناجعة وشاملة.
كلاب في كل زاوية: الخوف يسكن الشوارع
لم تعد الكلاب الضالة تقتصر على الأحياء الهامشية أو القرى، بل أصبحت منتشرة في كل مكان: في مداخل المدن، الأزقة، الأسواق، وحتى أمام المؤسسات العامة. ويزداد المشهد خطورة في بعض الفترات، خصوصًا أثناء موسم التزاوج، حيث تتحرك هذه الكلاب في جماعات كبيرة وتُظهر سلوكًا عدوانيًا واضحًا.
إضافة إلى ذلك، فإن القدرة الكبيرة للكلاب على التكاثر السريع، في غياب حملات التعقيم المنظمة، ساهمت بشكل كبير في ارتفاع أعدادها، إذ يمكن لكل أنثى أن تُنجب مرتين في السنة، ما يؤدي إلى مضاعفة الأعداد في فترة وجيزة.
ويواجه المصلون في صلاة الفجر تحديدًا مشاهد مقلقة، حيث يصادفون أعدادًا كبيرة من الكلاب في طريقهم إلى المسجد، ما يدفع بعضهم إلى التراجع والعودة إلى منازلهم، خاصة في الأحياء التي تفتقر للإنارة أو التغطية الأمنية.
يقول عبد السلام، من سكان خريبكة: “أصبحت صلاة الفجر مغامرة، إذ نصادف مجموعات ضخمة من الكلاب كل يوم تقريبًا، وهو أمر مرعب خاصة لكبار السن.”
الرصاص… “الحل السريع” لبعض البلديات
في ظل عجز واضح عن احتواء الظاهرة، تلجأ بعض الجماعات المحلية إلى حملات تصفية ليلية تستعمل فيها الرصاص لتقليص أعداد الكلاب الضالة. ورغم أن هذا الإجراء يُبرَّر بضرورة حماية المواطنين، إلا أنه يلقى انتقادات واسعة من جمعيات حماية الحيوان وناشطين حقوقيين.
تقول فاطمة، ناشطة في جمعية للرفق بالحيوان: “استعمال الرصاص يعكس غياب رؤية حقيقية لحل المشكلة. إنها طريقة وحشية وغير فعالة، وتخلق مشاهد صادمة في الأحياء السكنية.”
جمعيات الرفق بالحيوان: نحو حلول مستدامة
في مقابل المقاربة الأمنية، تقترح الجمعيات المهتمة بالحيوانات حلولاً بديلة تقوم على التعقيم الجماعي، وتطعيم الكلاب، ثم إعادتها إلى بيئتها. كما تدعو إلى نشر الوعي داخل المجتمع حول طرق التعايش مع هذه الحيوانات، وتشجيع تبنيها، بدل اللجوء إلى الإبادة.
وتؤكد سارة، من جمعية بيطرية مستقلة: “قتل الكلاب لن ينهي المشكلة، بل سيترك فراغًا يتم تعويضه خلال أشهر فقط بسبب سرعة تكاثرها. الحل المستدام هو السيطرة على التكاثر والتربية المجتمعية.”
الجانب الاجتماعي: أي أولوية في الإنفاق؟
وسط كل هذا، يتساءل عدد من المواطنين عن جدوى تخصيص ميزانيات كبيرة لرعاية الكلاب، بينما تعاني آلاف الأسر المغربية من الفقر والهشاشة. إذ يرى البعض أن هذه الموارد يجب أن توجه أولًا للإنسان، دون أن يعني ذلك إهمال الحيوان.
يقول أحد النشطاء الاجتماعيين: “نحن مع الرفق بالحيوان، لكن ليس على حساب الفئات المعوزة. يجب ترتيب الأولويات حسب الحاجة والواقع.”
التحدي الأكبر: التوفيق بين الأمان والرحمة
تحاول السلطات المغربية اليوم الموازنة بين متطلبات السلامة العامة ومبادئ الرفق بالحيوان، من خلال دراسات ومقترحات تشمل التعقيم، وتحسين جمع النفايات، والتوعية، وتشجيع التبني. لكن غياب خطة وطنية واضحة يجعل المشهد رهينًا لاجتهادات محلية غير متناسقة.
خاتمة: معادلة صعبة تنتظر الحسم
تظل معضلة الكلاب الضالة في المغرب قائمة، ما بين الهواجس الأمنية ونداءات الرحمة. الحل لن يكون في الرصاص ولا في الإهمال، بل في وضع سياسة وطنية واضحة، شاملة، ومتوازنة، تراعي الإنسان وتُكرم الحيوان في آن واحد.
تعليقات ( 0 )