حسن السلكي.. حين يتحوّل الشغف إلى حياة
✍️ هند بومديان
في مدينة اليوسفية، حيث تنبع من الأرض حرارة الفوسفاط وتفاصيل العيش البسيط، وُلد الفنان حسن السلكي، الذي اختار أن يُعرف بين محبي الفن بـ”السلكي”. لم يكن الفن بالنسبة له مجرد هواية عابرة، بل كان منذ الطفولة مرآة داخلية، ومتنفسًا خفيًا، ولغة لا تشبه باقي اللغات.
منذ بداياته، كان السلكي طفلًا يحدّق في الأشياء من زوايا مختلفة، يحمل القلم والفرشاة لا كتقليد، بل كطقس روحي يمنحه الطمأنينة. لم يتلقَّ تكوينًا أكاديميًا، بل سلك درب التجريب والتكوين الذاتي، متكئًا على الشغف والملاحظة والانغماس الكلي في اللون والملمس والحدس.
تأثر السلكي بالمدرسة التجريدية، التي وجد فيها حريته، وسافر عبر لوحاتها إلى عوالم لا تُرى بالعين المجردة. منذ أول بورتريه رسمه، وهو يشعر بأن الفن اختاره كما اختاره، وأن كل لحظة من عمره صارت لونًا على قماشة من روحه.
تميّز أسلوبه الفني بالجرأة اللونية، ميّالًا إلى الألوان الصاخبة كالأحمر والأصفر، يشتغل على الإحساس قبل الشكل، ويحرص على أن تكون لوحته فضاءً للتأمل أكثر من كونها رسالة جاهزة. لا يقيّد نفسه بمادة واحدة، بل يشتغل على الزيت، الأكريليك، الفحم… فكل خامة عنده تحمل احتمالًا جديدًا للبوح.
عبر مساره، تطوّر أسلوبه من التمرد إلى النضج، ومن البحث إلى التوازن، دون أن يتنازل عن روح التجريب والتجدد. لحظات الإبداع عنده لا تُفتعل، بل تحتاج فقط لصمت ومكان يشبهه، حينها يصبح العمل الفني امتدادًا لروحه، وقطعة من سيرته الذاتية.
عرض الفنان حسن السلكي أعماله في الفضاءات المفتوحة أولًا، ثم شارك في معارض فردية وجماعية ومهرجانات فنية في مدن مغربية عدة. لم يستفد من دعم مؤسساتي، لكنه صنع مساره بالكد والتصميم. يرى في مدينة اليوسفية مصدر إلهامه الأول، ويحمل لها حبًا خاصًا لأنها منحته البدايات.
امتدت تجربته إلى الخارج، حيث شارك في معارض دولية جعلته يعيد النظر في مفاهيم الفن والهوية، وتأثر كثيرًا بتجارب فنانين أفارقة وجدهم ينحتون الجمال في الشارع ببساطة وصدق. رغم حصوله على جوائز فنية متعددة، يؤمن أن الفن ليس وسيلة للجوائز، بل هو حياة كاملة تثمر مع الوقت.
يحلم الفنان حسن السلكي بإنشاء مركز مفتوح للفن الحر، يُتيح الإبداع والتكوين للفنانين الناشئين. يرى في التكنولوجيا فرصة لتطوير التجربة الفنية، ويفكر في إدماج الفن الرقمي في أعماله القادمة.
الفن عنده ليس سلعة فحسب، بل رسالة. يحب أن يهدي بعض لوحاته لمن يقدّرها حقًا، لأنه يراها جزءًا من ذاته. وهو يؤمن أن الفن التشكيلي قادر على إحداث التغيير، لأنه يحرّك الوعي ويزرع الاختلاف والجمال في المجتمع.
أما عن اللحظة التي أنقذه فيها الفن، فيقول: “في كل مرة أمسكت فيها بالفرشاة وأنا محطم، كان الفن يرمم داخلي بصمت، ويعيدني إلى الحياة.”
هكذا يمضي الفنان حسن السلكي في رحلته، فنانًا حرًّا، عصاميًا، يؤمن بأن الجمال ليس في اكتمال اللوحة، بل في الحكاية التي تحملها الألوان حين تنبض بالحياة
تعليقات ( 0 )