حين تنبض الألوان بروح الزمن و الحنين


أمينة الشناني…. حين تنبض الألوان بروح الزمن و الحنين

✍️هند بومديان

أمينة الشناني، فنانة تشكيلية عصامية من مدينة الدار البيضاء، اتخذت من الألوان ملاذًا ومن الفن حياة ثانية. عشقها الأول للون ولد في الأزقة العتيقة لحي الأحباس، حيث كانت تمرّ بين محلات الزرابي المزركشة ونساء الحي المنهمكات في صباغة خيوط الصوف. هنالك، تسرّبت البهجة البصرية إلى أعماقها، وراحت تبني علاقة وجدانية مع الفن قبل أن تدرك أنها ستنتمي لهذا العالم يومًا ما.

 

بعد خمسة وثلاثين سنة من العمل في الإدارة المغربية، اتخذت أمينة قرارًا شجاعًا بطلب التقاعد النسبي لتمنح الحلم مساحة للولادة، وتُعانق شغفًا ظلت تحمله بصمتٍ طيلة سنوات. أولى محاولاتها التشكيلية كانت في سن الرابعة عشرة، حين رسمت طفلًا يعزف، ثم لوحة لسوق مغربي أهدتها لمعلمتها في اللغة الفرنسية، وكانت تلك البذور الأولى لمسارٍ تشكيلي تغذى بالحب والتجريب والمثابرة.

 

لم تتلق أمينة تكوينًا أكاديميًا، بل ارتوت من حسها الفطري، ومن رغبة عميقة في التعبير. كانت تتأمل أعمال فاطمة كبوري وتتبع خطوات أحمد الشرقاوي بشغف، واستطاعت أن تنحت لنفسها أسلوبًا خاصًا يميل إلى الواقعية، تجسّد من خلاله المعالم المغربية كمسجد الحسن الثاني، والنساء المغربيات عبر العصور. لوحاتها مرآة لواقع مغربي تنقله بعينٍ عاشقة وذاكرة مشبعة بالتفاصيل.

 

ما يميز أعمالها ليس فقط الشكل بل العمق، فهي ترى في الفن أداة للترجمة الوجدانية والتوعية الاجتماعية. لحظة الإبداع عندها لا تنفصل عن سماع الموسيقى، وكأن الريشة ترقص على نغم الروح. ترسم لتفرغ أحاسيسها، ولتوقظ في المتلقي مشاعر دفينة، وتقول ما لا يُقال بالكلمات.

 

رغم أنها لم تحظَ بدعم مؤسساتي، إلا أن رحلتها كانت غنية بالمشاركات، من داخل المغرب إلى خارجه. شاركت في عشرة معارض دولية، حيث وجدت في الجمهور الأجنبي تقديرًا كبيرًا، وكانت محطة تركيا من أبرز محطاتها، إذ أثرت في رؤيتها الفنية وفتحت أمامها آفاقًا جديدة. أكثر ما بقي محفورًا في ذاكرتها الفنية هو لوحة لمعلم تاريخي أهْدتها لأخيها قبل شهر من وفاته، فغدت تلك اللوحة شهادة حب ووداع في آنٍ واحد.

 

التكريمات التي حصلت عليها، من مراكش وأبي الجعد، كانت بمثابة اعتراف صادق من فنانين مغاربة، لكنها تؤمن أن التقدير الحقيقي هو حين يُفهم العمل ويُحس به. لا تزال تحتفظ بمعظم لوحاتها، إذ ترى فيها جزءًا من روحها، لم تهدِ سوى لوحتين، وباعت واحدة فقط. فهي تعتبر الفن رسالة لا سلعة.

 

تؤمن أمينة بأن الفن التشكيلي قادر على إحداث تغيير داخل المجتمع، فهو يفتح بابًا للتأمل والتفاعل، ويمنح الإنسان وسيلة للتعبير الراقي. تحلم بإنشاء مدرسة مجانية للفن التشكيلي موجهة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حلم يحمل أبعادًا إنسانية وتربوية، تتجاوز الريشة واللوحة إلى القيم.

 

ترى أن التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تطوير الفن التشكيلي، شرط أن تُوظف بوعي، وقد استفادت من التصوير الفوتوغرافي في خلق لوحات واقعية عالية الجودة من حيث التكوين والمنظور. تجربتها مع إنجاز الأعمال بطلب خاص كانت مؤثرة، خاصة لوحتها عن اليتيم الذي يرى أمه ترحل، والتي تركت أثرًا وجدانيًا عميقًا.

 

تحلم يومًا أن تعرض أعمالها في متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، وتطمح أن تُخصص قاعات عرض بأثمنة مناسبة للفنانين المستقلين، مع تنظيم معارض موازية خلال المهرجانات الفنية. رسالتها الأخيرة للفنانين الناشئين هي التشبث بالركائز الفنية وعدم اللهث خلف الشهرة على حساب الجوهر.

 

أمينة الشناني ليست فقط فنانة، بل امرأة اختارت أن تولد من جديد عبر الريشة، أن تُقاوم النمط وتُجدد ذاتها عبر اللوحة، فصارت فنًّا يمشي على الأرض، يحمل الوطن في تفاصيله، ويترجم الحياة بكل ما فيها من حنين، وجمال، وألم.

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)