✍️ هند بومديان
التمرد الصامت: جيل لا يثق ولا ينتظر
في زوايا المدن الصاخبة، وعلى أرصفة الانتظار الطويل، يسير جيلٌ بصمتٍ ثقيل، لا يرفع شعارات، ولا يقرع الطبول، لكنه يتمرد.
ليس تمردًا فوضويًا، ولا صرخة في وجه العدم، بل هو صمتٌ عنيدٌ، رفض ناعم، وقطيعة هادئة مع كل ما لم يَعُد يُقنع.
جيل اليوم لم يعد يثق، لا في الوعود المؤجلة، ولا في الخطب المحنطة، ولا في من يدّعي تمثيله دون أن يسمعه.
جيلٌ شبّ على الخيبات، ورأى كيف تُنسف الأحلام على عتبة البيروقراطية والفساد. تعلم مبكرًا أن من يملك الصوت، لا يملك القرار، وأن الطريق نحو التغيير معبّدٌ بالتجاهل والتهميش.
لكن الغريب… أن هذا الجيل لا ينتظر أحدًا. لم يعد يراهن على مؤسسات عجوز فقدت بوصلتها، ولا على نخبةٍ مُترفة لا تشبهه في شيء.
هو جيلٌ يبني عوالمه البديلة: في الفن، في الرقمنة، في المبادرات الفردية، في الاقتصاد الحر، في الهجرة أو حتى في الانعزال.
هو لا يصرخ في الشوارع، بل ينشر تدوينة لاذعة.
لا يحتج أمام البرلمان، بل ينسحب من اللعبة بأكملها.
لا ينتظر وظيفة من الدولة، بل يبحث عن ذاته وسط فوضى الحياة.
تمرده ليس على السلطة فقط، بل على مفاهيم قديمة لم تعد تجدي: التبعية، الصبر، التضحية المجانية، الانتظار الأبدي.
هو جيلٌ لا يؤمن بالمجانية، ولا بالخضوع، ولا بالمستقبل على الورق.
يريد الحاضر، هنا، الآن.
فهل نلومه؟
أم نلوم مؤسساتٍ اختارت أن تغلق بابها في وجهه؟
أم نلوم مجتمعًا يُحمله مسؤولية القطيعة، بينما هو من أدار له ظهره أولًا؟
“التمرد الصامت” أخطر من أي احتجاج صاخب، لأنه يعكس فقدان الأمل، وكسر الرابط بين المواطن والدولة، بين الشاب والمستقبل، بين الحلم والواقع.
هو تمرد بلا نار، لكنه يحرق.
هو رفض بلا كلمات، لكنه يوجع.
جيل لا يثق… ولا ينتظر.
فإلى متى سنواصل تجاهله، قبل أن نجد أنفسنا أمام مجتمع يُدار بصمت، ويعيش في جزرٍ منفصلة، لا يجمعها إلا الحنين لما كان يمكن أن يكون؟
تعليقات ( 0 )