ماريا رشيد…بين العفوية و التأمل ..حكاية لون ينبض من الداخل

بين العفوية و التأمل حكاية لون ينبض من الداخل

✍️ هند بومديان

ماريا رشيد ، فنانة تشكيلية عصامية تقيم بدار بوعزة، اختارت أن تخوض غمار الفن دون بوابة المؤسسات الأكاديمية، بل جعلت من مزاجها النفسي وبصيرتها الفنية بوصلتها الوحيدة. انطلقت رحلتها مع الفن من أعماق ذاتها، بدافع داخلي عميق لا يعرف التخطيط ولا القوالب الجاهزة، بل ينبض بحرية التعبير وصدق الإحساس. لم تكن اللحظة الأولى التي حملت فيها الريشة عادية، بل كانت إعلان انتماء لعالم بات منذ ذلك الحين مرآة لروحها، وملاذًا تهرب إليه من صخب الواقع.

تجربتها نمت من الموهبة والتعلم الذاتي، وساعد في صقل بداياتها الفنان التشكيلي السيد هواري أحمد، الذي لم يكن فقط صديقًا بل مصدر إلهام ومعرفة. رغم ذلك، حافظت على أسلوبها العفوي وابتعدت عن التقييد بأي منهج أكاديمي صارم. انجذبت إلى الأسلوب “النايف”، الذي يترك مساحة واسعة للتعبير الصادق ويمنح الفنان حرية التجريب والانفلات من قيود التقنية.

لا تزال تتذكر أول عمل فني أنجزته، وقد كان بتشجيع من صديقاتها المقربات. لاقى هذا العمل استحسانًا كبيرًا من فنانين وجمهور، ما شكل دفعة قوية لها للاستمرار. مع مرور الوقت، تطور أسلوبها الفني تدريجيًا، بدأ بالألوان الزيتية ثم استقر على الأكريليك، لما توفره من مرونة وسهولة في التحكم، دون أن يفقد العمل عفويته. أعمالها اليوم تحمل بصمات مراحل متعددة، لكنها تظل دومًا وفية لمزاجها الشخصي كعنصر ثابت.

تميز أعمال رشيد ماريا بصدقها وعفويتها. هي لا ترسم بمنهج تقني محدد، بل تفتح المجال للإحساس أن يقود، وللتقنية أن تتشكل كأداة تخدم التعبير. الأكريليك يبقى خيارها المفضل لأنه يمنحها حرية تشكيل الطبقات والتلاعب بالألوان دون عناء. لوحاتها ليست فقط تشكيلًا بصريًا، بل رسائل صامتة تنبض بمشاعرها وتجاربها، فهي تعبير عن حالات نفسية لا تُقال بالكلمات، بل تُحس وتُرى. لحظة الإبداع بالنسبة لها لحظة انعتاق وصفاء داخلي، قد تُرافقها موسيقى هادئة أو صمت مطلق، لكنها دومًا لحظة تصالح مع الذات.

رغم أن مشاركتها في المعارض ظلت محدودة ولم تتاح لها فرص العرض في تظاهرات وطنية كبرى، إلا أن دعم صديقاتها والجمهور المحيط بها كان كافيًا ليمنحها الثقة في قدرتها على المضي قدمًا. لم تتلق دعمًا من أية مؤسسة، لكنها اعتمدت على إصرارها وحبها للفن، ما جعل تجربتها أكثر صدقًا. الطبيعة في تايلاند، وحديقة “Garden” في دبي، كانتا مصدرَي إلهام عميق لها، أثرتا في اختياراتها الجمالية وسكنت ألوانها ومضامينها.

تحلم الفنانة بأن تجد أعمالها يومًا ما مكانًا لها خارج حدود المغرب، وأن تلتقي بفنانين من ثقافات مختلفة، ليكون تبادل الرؤى والإلهام بوابة جديدة نحو التجدد. ترى أن المشهد التشكيلي في المغرب غني ومتنوع، لكن ينقصه الاعتراف والدعم المؤسسي للفنانين، كالحصول على بطاقة الفنان التي تسهل المشاركة في الفعاليات والتواصل مع العالم.

بالرغم من أنها لم تشارك بعد في معارض دولية، فإنها تقرأ باهتمام ردود الفعل وتدرك أن الجمهور الدولي قد يكون أكثر انفتاحًا على أسلوبها العفوي والنايف. تايلاند، بطبيعتها الخلابة، تركت أثرًا وجدانيًا عميقًا على رؤيتها الفنية، كما أن لوحاتها لم تنل جوائز رسمية بعد، لكنها ترى في كل عمل يُنجز من أعماقها تكريمًا حقيقيًا لرحلتها الذاتية.

ماريا واعية بتحديات المرحلة، وترى أن التكنولوجيا والفن الرقمي هما آفاق جديدة تفكر في خوضها لاحقًا. لا تخشى النقد، بل تستقبله كفرصة لفهم رؤى الآخرين. أنجزت العديد من الأعمال بطلب من أشخاص تعرفوا عليها من خلال منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا فيسبوك، وكان تفاعل الناس مع أعمالها دافعًا قويًا لمواصلة الرسم.

أقرب الأعمال إلى قلبها هي تلك التي وُلدت من لحظات عاطفية عميقة، لأنها تجسد أصدق مشاعرها. ورغم أنها أحيانًا تفضل إهداء لوحاتها، خاصة للأطفال والمرضى والمحتاجين، إلا أن بيع الأعمال يبقى ضرورة للاستمرار. تحلم بأن تعرض أعمالها يومًا ما في معارض عالمية كبرى، حيث يمكن لألوانها أن تحكي قصصها أمام جمهور متنوع.

في نهاية هذا الحوار، تعبر رشيد ماريا عن رغبة لطالما راودتها: أن تُمنح الفرصة لعرض أعمالها أمام جمهور مباشر، دون حواجز، بشغف ومحبة، لتروي ألوانها ما تعجز الكلمات عن قوله.


 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)