ماستر بثمن… التعليم في قبضة السماسرة
✍️ هند بومديان
في صمتٍ مريب، يتآكل ما تبقى من ثقة المواطن في المنظومة التعليمية، بعدما أصبحت شواهد الماستر تُمنح لا بناءً على الكفاءة، بل بناءً على القدرة على الدفع. لم تعد النُخبة تُصنع في قاعات المحاضرات، بل في دهاليز مظلمة يتقاطع فيها المال مع النفوذ، والطموح مع الابتزاز.
سماسرة الشهادات باتوا معروفين بالاسم في بعض الجامعات. يتحدث الطلبة عنهم كما يُتحدث عن وسطاء العقار أو تجار السيارات. لهم تسعيرة، و”قائمة زبائن”، وعلاقات ممتدة داخل الإدارة. كل شيء يُدار بلغة المال: من استمارة التسجيل إلى المقابلة الشفوية، وحتى النجاح النهائي.
من يقف وراء هذه المهزلة؟
الماجستير الأكاديمي، الذي من المفروض أن يكون تتويجًا لمسار علمي رصين، صار أداةً للاستثمار غير المشروع. بعض الأساتذة فقدوا ضميرهم، وتحولوا من مربين إلى متواطئين، يُشرّعون لهذه التجارة الصامتة إما بالصمت أو بالتواطؤ.
وفي غياب الرقابة الحقيقية، صارت مباريات الولوج للماستر مشهداً عبثيًا، تتكرر فيه نفس السيناريوهات: طلبة يتحدثون عن “لوائح معدّة سلفًا”، ومقابلات تُجرى على عجل، بل أحيانًا لا تُجرى أصلًا، فيما نتائج النجاح تكشف عن أسماء لم تُعرف يومًا بتميزها الأكاديمي.
الضحية: الطالب، والمجتمع
في نهاية هذه السلسلة الفاسدة، هناك طالب مجتهد أُقصي، وحلم مشروع دُفن، ومستقبل وطن يُهدد بالانهيار. فحين يُقصى الكفء ويُكافأ المُتواطئ، فإننا نكرّس الرداءة ونزرع في نفوس شبابنا قناعة أن النجاح لا يُصنع بالجد، بل بالواسطة.
أما المجتمع، فيدفع الثمن لاحقًا: أطر غير مؤهلة، مؤسسات تسيرها كفاءات مزيفة، ومواطن يشعر أن بلده لم يعد ينصفه حتى في حقه في التعلّم النزيه.
من يوقف النزيف؟
إن الوضع لا يحتمل مزيدًا من التساهل. نحن أمام ظاهرة تهدد أمن التعليم، وتنسف مبدأ تكافؤ الفرص. الحلول تبدأ من:
فرض شفافية صارمة في مباريات الولوج، عبر التوثيق الكامل بالصوت والصورة.
تتبع مسارات الطلبة المقبولين والتحقيق في مدى شرعية قبولهم.
محاسبة كل مسؤول تورط في تسريب لوائح أو تسهيل البيع.
إحداث منصة وطنية للتبليغ عن الفساد الجامعي، بحماية قانونية للمُبلّغين.
خاتمة: كفى من اللعب بالنار
التعليم ليس سلعة، والماستر ليس لقبًا يُشترى. ما يحدث اليوم هو تخريب صامت لمستقبل أجيال كاملة، وتفريغ للعلم من قيمته. وإذا لم نتحرك اليوم، فإننا سنصحو غدًا على مؤسسات يقودها الجهل بأوراق رسمية.
فلنُوقف هذا العبث قبل أن يصبح إصلاحه مستحيلاً.
تعليقات ( 0 )