مع الحدث/ السمارة
المتابعة ✍️ : ذ سيداتي بيدا
في مساء عيد الأضحى، وبينما كانت مدن المملكة تتزيّن بأجواء الفرح وتحتضن أطفالها في الساحات والحدائق، كانت مدينة السمارة تزداد انغلاقًا، كأنها تدير ظهرها لمناسبة ينتظرها الصغار والكبار بشغف. بصحبة ابنائي في محاولة بسيطة لزرع ابتسامة قد تنبت وسط هذا الفراغ الموحش، لكن الجولة تحوّلت إلى كشف مؤلم لواقع تنموي غائب، ولحالة مدينة تُختزل ساحة يتيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
طفت بهم أرجاء المدينة، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، دون أن أصادف مكانًا يصلح لأن يُسمى متنفسًا عامًا أو ساحة عيد. لا ألعاب، لا مقاعد، لا ظلال، لا نقطة ماء، ولا حتى مراحض عمومية. الوجهة الوحيدة التي اجتمع فيها الناس كانت الساحة المقابلة للمسجد ، رقعة إسمنتية أشبه بمنفى جماعي لنساء وأطفال ورجال، مصطفّين بسياراتهم، تائهين في محاولة يائسة لانتزاع لحظة فرح من العدم.
ابنائي الذين رافقوني، وبعد طول انتظار ودوار بين الأزقة والفراغات، طلبوا الرجوع إلى بيوتهم. لا لأن هناك حلوى في انتظارهم، أو ألعابًا تُفرح قلوبهم، بل فقط ليعتكفوا خلف شاشات التلفزيون وبين احضان هواتفهم الذكيه لأنها أصبحت المتنفس الوحيد المتاح، بعدما أخفقت المدينة في أن تمنحهم بديلًا حقيقيًا. في مدن أخرى، يُمنع الأطفال من الإفراط في استخدام الشاشات، ويُشجَّعون على التفاعل الاجتماعي واللعب في الفضاءات العامة، أما في السمارة،فالشاسات التلفزيونيه والهولتف الذكية لم تعد أداة لهو، بل ضرورة وجودية.
هذا الواقع يُناقض ما تنص عليه الوثيقة الدستورية للمملكة. الفصل 31 من الدستور المغربي يُحمّل الدولة والجماعات الترابية مسؤولية توفير الولوج العادل إلى المرافق الترفيهية والثقافية. والفصل 32 يحمي الطفل قانونيًا واجتماعيًا ويُلزِم السلطات العمومية باتخاذ التدابير اللازمة لضمان رفاهيته. أما الفصل 33 فيؤكد على ضرورة إشراك الأطفال والشباب في الحياة العامة، وضمان حقهم في الترفيه والاندماج الثقافي.
لكن هذه المبادئ، رغم وضوحها، تغيب عمليًا في مدينة كـالسمارة، التي تعاني من اختلال تنموي صارخ في البنيات التحتية الاجتماعية والثقافية. فرغم ما تزخر به من طاقات بشرية وكفاءات مشهود لها، فإنها لا تحظى بما تستحقه من اهتمام أو رعاية. تبدو كأنها تُقصى بصمت، وتُترك لتواجه قدرًا من التهميش المتراكم.
المسؤولية لا يمكن اختزالها في جهة واحدة. فالجماعة الترابية تتحمل مسؤولية إعداد الفضاءات العمومية وتجهيزها، والمندوبيات الجهوية للشباب والثقافة مطالبة بإعداد برامج تستجيب لاحتياجات السكان، والمجالس المنتخبة لا عذر لها في تقصيرها في تخصيص اعتمادات تليق بكرامة الطفل والمواطن في مناسبات وطنية كهذه. وحتى المجتمع المدني، لا ينبغي أن يكتفي بدور الشاهد الصامت، بل يجب أن يتحرك بترافع مدني وحقوقي يُعيد ترتيب أولويات المدينة.
أن تمر مناسبة دينية واجتماعية بهذا الحجم دون أي مبادرة ميدانية موجهة للأطفال، فذلك ليس مجرد إخلال إداري، بل استهتار بقيمة الإنسان في بعده الاجتماعي والثقافي. هو تعبير صارخ عن خلل في الفهم، وفي الوعي بأهمية الفضاء العمومي في صناعة الانتماء والفرح.
إن ما يحدث في السمارة ليس مجرد نسيان عابر، بل عرضٌ حاد لمرض مزمن اسمه الإهمال. وحين يُقصى الفرح من حياة الأطفال، يُقبر المستقبل نفسه، لأن الأجيال القادمة لا تنمو في الإسمنت وحده، بل في ظل الرعاية، وفي ظل شجرة، أو ضحكة، أو فسحة صغيرة من الأمل.
وإلى أن تتحرك الضمائر، سيبقى الإعلام الجاد وفِيًّا لدوره، لا كمرآة تلمّع الواقع، بل كضمير حيّ لهذه المدينة التي تستحق حياة تليق بكرامة سكانها.
تعليقات ( 0 )