سترة صفراء… وقانون غائب: حين يتحول الفضاء العمومي إلى ملكية خاصة تحت التهديد

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ سيداتي بيدا 

 

 

في شوارع مدننا المغربية، وتحديدًا في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، لم تعد السترة الصفراء مجرد وسيلة للتمييز البصري بين من يحرسون السيارات ومن يستعملون الطريق، بل تحولت إلى رمز للفوضى، ولابتزاز يومي يمارسه أشخاص يتصرفون خارج القانون، دون ترخيص أو مراقبة، تحت أعين السلطة الصامتة.

 

أمام الحمامات، قرب المساجد، بجانب المقاهي، بل حتى في الأزقة التي لا تعرف الاكتظاظ، يقف رجل يرتدي سترة صفراء، لا يحمل أي بطاقة مهنية، لا يملك أي تكوين، ولا يخضع لأي إشراف. يكفي أن يشير لك بيده، ويقول لك بابتسامة ممزوجة بالتهديد: “درّي عشرة دراهم”، وكأن الفضاء العام تحول إلى ملك خاص. وإن رفضت؟ فإنك مهدد بجرح في سيارتك، بكسر مرآة، بثقب عجل، أو بأسوأ من ذلك.

 

أحد المواطنين من حي الأناسي بالدار البيضاء شاركنا قصته، بكل حسرة. كان قد اعتاد ركن سيارته في أماكن هادئة خلال الليل، حيث لا يوجد أي حارس عشوائي. ولم يسبق له أن تعرض لأي مشكل. ذات مساء، قرر أن يضع سيارته أمام حمام، فاستقبله أحدهم بسترة صفراء، أبدى ترحيبًا مريبًا، فنزل السائق مطمئنًا. بعد ساعتين، تفاجأ أن مقدمة السيارة مضغوطة، وعندما واجه “الحارس”، ادعى أنه قادر على إصلاحها باستخدام “فنتوس”، وأنه لا يعرف من ارتكب الفعل. في صباح اليوم الموالي، اكتشف أن إحدى عجلات السيارة تم ثقبها بطريقة احترافية تجعل الإطار يفرغ تدريجيًا دون أن ينتبه السائق.

 

القصص كثيرة، والممارسات تتكرر. وكلها تشير إلى ظاهرة واحدة: تحول الفضاء العمومي إلى مجال للابتزاز المنظم، بحماية الصمت الرسمي.

 

القانون موجود… ولكن!

 

ينص الفصل 71 من الدستور المغربي على أن الرسوم والضرائب لا تُفرض إلا بنص قانوني صادر عن البرلمان. كما أن أي خدمة مؤدى عنها في الفضاء العام يجب أن تكون مؤطرة بقرار تنظيمي صادر عن المجلس الجماعي وفق قانون الجماعات الترابية.

 

وفي هذا السياق، أصدرت جماعة الدار البيضاء بتاريخ 10 يناير 2025 مذكرة إدارية عاجلة قضت بـتجميد منح وتجديد رخص حراسة السيارات إلى حين إعادة تنظيم القطاع، بعد تنامي شكايات المواطنين وتورط بعض أصحاب السترات في الاعتداء والتخريب.

 

كما أن دفاتر التحملات الجماعية تحدد بوضوح أن أي شخص يمارس مهنة الحراسة دون ترخيص يقع تحت طائلة الفصل 380 من القانون الجنائي المغربي المتعلق بانتحال صفة منظمة قانونًا.

 

من يحمي المواطن؟

 

المفارقة المحزنة أن المواطن حين يتجه إلى الأمن من أجل وضع شكاية ضد حارس عشوائي، غالبًا ما يُواجه بالتقاعس أو التماطل، بحجة غياب “الدليل”، رغم أن الضرر واضح، وأن المعتدي معروف، وأن ظاهرة “السترات الصفراء” أصبحت علنية مثل إشارات المرور.

 

كيف يعقل أن يؤدي المواطن رسوم التأمين، والضرائب السنوية، وأداءات الجماعة، ثم يجد نفسه تحت رحمة فرد لا يمثّل سلطة ولا يخضع لأي قانون؟ كيف نقبل أن تتحول سيارات الناس إلى أهداف انتقامية، فقط لأنهم رفضوا أداء مبلغ غير قانوني؟

 

والأخطر من كل هذا، أننا على أبواب تظاهرات دولية كبرى، وربما استحقاقات عالمية مثل كأس العالم 2030. فكيف نُقنع العالم بأننا بلد القانون والمؤسسات، إذا كنا نعجز عن تنظيم مواقف السيارات وضبط من يرتدي سترة صفراء؟

 

مناشدة للسلطات: لا تتركوا المواطن وحده

 

إن استمرار هذا الوضع، لا يمس فقط جيب المواطن أو سيارته، بل يُضعف ثقة الناس في المؤسسات. نحتاج إلى تدخل حازم من الجماعات الترابية، وتفعيل للمقتضيات القانونية، ونشر لوائح الحراس المرخصين، وتفعيل دور الشرطة الإدارية. نحتاج أيضًا إلى منصات رقمية تبسط العملية، وتمنح المواطنين الحق في دفع واجب معلوم مقابل وصل واضح.

 

فالفضاء العام ليس مجالًا للبيع والكراء، ولا يمكن أن يُدار بالقوة أو التهديد. السترة الصفراء يجب أن تعود إلى معناها الأصلي: رمز للتنظيم، لا للابتزاز.

 

وحتى يتحقق ذلك… يبقى المواطن وحيدًا، في مواجهة حارس غير قانوني، وقانون لا يُطبق.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)