مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
من مراكش إلى فاس مرورًا ببني ملال، الفقيه بن صالح وخريبكة، تبدو الحياة وكأنها توقفت نهارًا، وتُستأنف ليلاً فقط. درجات حرارة مفرطة تتجاوز أحيانًا 45 درجة تجعل من الشوارع مساحات مهجورة خلال النهار، لا يظهر فيها سوى من اضطرته الظروف للخروج، مسرعًا تحت أشعة شمس حارقة لا ترحم.
في عز النهار تبدو المدن الداخلية المغربية كأنها مدن أشباح؛ لا طير يطير و لا بشر يسير، المحلات مغلقة، الأرصفة فارغة، والطرقات خالية من المارة. فالناس يختارون البقاء في منازلهم، رغم أن جدرانها الساخنة لا تقيهم من الحرارة، لكن الخروج أصعب، وأشبه بالمجازفة.
ما إن يبدأ قرص الشمس في الغروب، حتى تنقلب الصورة تمامًا. تخرج العائلات من منازلها وكأنها تتحرر من سجن حراري. الأرصفة التي تتخللها أعشاب خضراء، والمساحات القليلة المزروعة في جنبات الطرق، تتحول إلى أماكن استراحة مفتوحة. أطفال يلعبون، كبار يجلسون على كراسٍ أو مباشرة فوق العشب، وآخرون يتجولون فقط لاستنشاق هواء خفيف لم يكن متاحًا طيلة النهار.
المقاهي تكتظ الأسواق تعج بالحركة، وتتحول بعض الأحياء إلى مهرجانات ليلية غير معلنة، حيث الكل يحاول استغلال ساعات الليل التي تمنح بعض التنفس بعد يوم خانق.
ومع ارتفاع كلفة التكييف والمبردات الهوائية، أصبحت الأرصفة المزروعة والمساحات العامة متنفسًا جماعيًا، خاصة للأسر ذات الدخل المحدود. فالمواطن لم يعد يبحث عن الراحة داخل بيته، بل خارج أسواره، في أي ركن يوفر بعض البرودة الطبيعية، دون أن يُكلّفه ذلك فواتير إضافية.
هذا المشهد المتكرر في كل صيف، يفرض طرح أسئلة حقيقية على صانعي القرار المحليين: هل فكرنا كفاية في كيف يتنفس المواطن في مدن الداخل؟ أين هي المشاريع التي تأخذ الحرارة المفرطة بعين الاعتبار؟ من المسؤول عن غياب فضاءات عامة مؤهلة لمثل هذه الظروف؟ ومتى سنفكر في حلول جماعية قبل أن تشتد حدة الصيف أكثر في السنوات المقبلة؟
الواقع يقول إن سكان المدن الداخلية لا يعيشون نهارهم، بل ينجون منه. وما نراه من إحياء ليلي للشوارع ليس احتفالًا بالحياة، بل بحثًا عن “نجاة مؤقتة” إلى أن تهبّ نسمة هواء جديدة.
تعليقات ( 0 )