عندما نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار

مع الحدث: ذ لحبيب مسكر

 

في زمن تتسارع فيه وتغلب فيه المصالح الفردية على القيم الجماعية، تبرز الحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتنا كمجتمع، والانطلاق من سؤال بسيط لكنه عميق: ماذا لو فكرنا في الغير كما نفكر في أنفسنا؟

 

إن التفكير في المستقبل لا يجب أن يقتصر على تدبير شؤوننا الخاصة، بل يجب أن يتسع ليشمل الآخرين، من لا صوت لهم، من لا سند لهم، أولئك الذين لا يملكون سوى الأمل فينا.

العجوز التي تقف في طابور الانتظار، والطفل الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل… هم أيضًا جزء من هذا الوطن، بل هم في صميم معناه.

 

نحرص كثيرًا على تأمين مستقبل أبنائنا، ونسعى جاهدين لتوفير الأفضل لهم، لكن ماذا لو جعلنا من أبناء المجتمع أبناءً لنا جميعًا؟

ماذا لو عاملنا أطفال الغير كما نعامل أطفالنا؟

ماذا لو اقتربنا من الغريب بقلب القريب، وتعاملنا مع الفقير كما نتعامل مع الغني؟

ماذا لو ساد العدل فعليًا، لا كشعار، بل كسلوك يومي وممارسة مؤسساتية؟

 

انظروا إلى المواطن الذي يقف لساعات طويلة في طابور أمام إدارة عمومية، حاملاً ملفه بكل ما فيه من أمل وانتظار، بينما يُسرَّع مرور شخص آخر فقط لأنه يحمل “توصية” أو يعرف من “يسهّل الطريق”.

واقع كهذا يُضعف الثقة، ويُعمق الإحساس بالحيف، ويقوّض مبادئ المساواة التي نطمح لترسيخها كمجتمع.

 

وفي السياق نفسه، لا يمكن تجاهل بعض الممارسات التي تصدر عن بعض أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج عند زيارتهم لأرض الوطن.

ففي الغربة، يُشهد لهم غالبًا باحترام القانون والنظام، واحترام الإنسان كيفما كان وضعه.

لكن المؤسف أن بعضهم، بمجرد دخولهم إلى أرض الوطن، يسقطون في سلوكيات تناقض تلك القيم، سواء من خلال محاولات التمرد و اللامبالات و التهاون في التعامل مع القانون سواء في الطريق أو الإدارة، بل إن بعضهم لا يتردد في اللجوء إلى الرشوة لتسريع قضاء مصالحه.

سؤال بسيط يطرح نفسه هنا: هل كان ممكنًا القيام بهذا السلوكيات في بلد الإقامة؟

 

نحن لا نعمّم، لكننا نُسلّط الضوء على سلوكيات تعكس تناقضًا مؤلمًا، وتدفعنا جميعًا لإعادة التفكير في علاقتنا بوطننا، وفي كيفية احترامه كما نحترم البلدان التي نعيش فيها خارجه.

 

وفي هذا السياق، لا يمكننا أن نغفل الدور الريادي الذي يضطلع به صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتباره الراعي الأول لمبادئ الإنصاف والمساواة، والساهر على صيانة كرامة كل المواطنين دون تمييز.

فمن خلال التوجيهات الملكية المستمرة، والمبادرات الاجتماعية الهادفة، يتجدد التأكيد على أن بناء مغرب الغد يبدأ من الإنسان، ومن إرساء قيم التضامن، والتكافل، والعدل الاجتماعي.

 

عندما نصل إلى هذه المرحلة من النضج المجتمعي، سنكون بالفعل قد تجاوزنا الكثير من الحواجز النفسية والاجتماعية التي تعيق التقدم.

سنكون نموذجًا يُحتذى به، ليس فقط في بناء اقتصاد متين أو بنية تحتية متطورة، بل في بناء إنسان يشعر أنه في وطنه، مهما كان وضعه أو ظرفه.

 

لِمَ لا نكون يدًا واحدة، وقلبنا على مصلحة هذا الوطن؟

باحترامه، وتطبيق قانونه على الجميع، دون استثناء…

هكذا فقط، نصنع مغرب العدالة والكرامة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)