الصادق بنعلال
: 1 – على الرغم من العداء الممنهج الذي خصصه النظام العسكري الجزائري لجاره الشقيق المغرب منذ مستهل الستينيات من القرن العشرين، وعلى الرغم من دعمه الإعلامي والدبلوماسي واللوجستيكي “الأسطوري” لجبهة البوليساريو الانفصالية، أبى المغرب إلا أن يواصل طريقه بثبات نحو الدفاع الاستثنائي عن وحدته الترابية وتحصين حدود صحرائه الغالية.
و لئن كانت المنطقة دخلت في مواجهات عسكرية طيلة ست عشرة سنة، فإن المغرب قبل عن قناعة و يقين الالتزام بالإعلان عن وقف إطلاق النار سنة 1991 تحت رعاية المنتظم الدولي، من أجل الانتقال إلى طور البحث عن حل نهائي لمشكل الصحراء عبر آلية “الاستفتاء الشعبي لتقرير المصير” . ولما تيقنت المؤسسات الدولية ذات الصلة باستحالة تنظيم الاستفتاء، في ظل صعوبة التوافق على اللوائح “النهائية و القانونية” لمن له أحقية التصويت في هذا الاستحقاق المفصلي، كان لا بد أن يتم التفكير في حلول سياسية كفيلة بوضع حد لهذا الموضوع القابل للانفجار في أية لحظة، بغية تجنيب المنطقة ويلات المواجهة العسكرية المفتوحة وغير محمودة العواقب ، وقد تقدم المغرب كعادته باقتراح سياسي غير مسبوق تمثل في منح الساكنة الصحراوية حكما ذاتيا موسعا داخل المملكة ، على أساس أن يساهم أبناء الصحراء في بلورة أحلامهم وتطلعاتهم إلى التنمية و الديمقراطية و الحرية
. 2 – بيد أن النظام الجزائري أصر على متابعة سياسة “كسر الأواني”، و رفض كل ما يصدر عن جاره الغربي من إجراءات و نداءات من أجل التطبيع و المصالحة و العمل المغاربي المشترك، مما حتم على المملكة المغربية أن تحدث تغييرا مركزيا في ميكانيزم الفعل السياسي ، تجلى ذلك في حزمة من التدابير بالغة الفعالية، منها القرار التاريخي بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، و إقامة مشاريع اقتصادية (فلاحية و تجارية و مالية و عقارية ..) رفيعة ملموسة في عمق القارة الإفريقية الواعدة، و تقديم مساعدات إنسانية لعدد كبير من الدول الإفريقية والعربية، و قبل هذا وذاك انبرى المغرب في تجهيز الأقاليم الصحراوية بمختلف أنواع البنية التحتية المتقدمة، من قبيل مد الطرق وإقامة المدارس والمستشفيات والمركبات الرياضية والسكنية وكل المرافق العمومية التي تحتاج إليها الساكنة الصحراوية العزيزة، حيث تحولت الصحراء المغربية من فيافي رملية مقفرة إلى مراكز مدنية مفعمة بالحيوية والإنتاج غير المتوقف .. وجرت مياه متدفقة تحت “الجسر” لتصبح أقاليمنا الجنوبية قبلة الزائرين و الدبلوماسيين .. بعد أن تيقنت الدول الصديقة والشقيقة بمصداقية الطرح المغربي و جديته و واقعيته، و استحالة إقامة “دويلة الوهم” في سياق إقليمي محفوف بمخاطر التطرف و الإرهاب و التهريب و التجارة في الممنوعات
.. 3 – و اليوم و بعد أن أعربت جل الدول العظمى عن مساندتها ودعمها للحل المغربي الواقعي والعقلاني المتمثل في الحكم الذاتي الموسع، و نخص بالذكر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أصدر مرسوما رئاسيا يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية، فلا يسعنا كمغاربة إلا أن نعبر عن ارتياحنا بهكذا قرار يؤكد الحقيقة التاريخية الثابتة؛ حقيقة مغربية الصحراء، لكن دون أن يعني ذلك بحال من الأحوال التخلي عن المبادئ والقيم والمواقف المتوازنة التي طالما دافع عنها المغرب إزاء القضية الفلسطينية المقدسة، فنحن الآن أكثر إصرارا على تقديم كل ما من شأنه أن يدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، والذود بحماس و مسؤولية عن عدالة المسألة الفلسطينية، بهدف بلورة حل دائم وشامل يقوم على وجود دولتين جارتين، والحفاظ على الوضع المخصوص للقدس الشريف، لقد عانى الشعب الفلسطيني الشقيق عقودا من السنين تحت أشكال من الظلم والحرمان والاضطهاد، وهو في أمس الحاجة اليوم قبل الغد إلى معانقة قيم العدل والحرية والاستقرار !
Share this content:
إرسال التعليق