المجتمع المغربي في حاجة إلى برامج تلفزيونية تخاطب العقل

 

عبدالرحيم الشافعي- كاتب صحفي

 

 

“أعتقد مبدئيا أننا نقوم بإغلاق عقولنا حين نبدأ بمشاهدة التلفاز ”

ستيف جويز

 

 

يطرح السؤال عن ما محتوى البرامج التلفزيونية التي تبتها القنوات التلفازية المغربية، بين الصورة والمادة أو الشكل والمضمون ؟ وهنا يمكن أن نميز بين هذه الثنائية في خاصيتين للتلفزة كوسيط، الرسالة والمتلقي. وما يهمنا هنا هو نوع الرسائل التي يتم نقلها في مختلف أشكال البرامج، الدرامية، والغنائية، والاستعراضية، والموسيقية، والاعلانية، لأنها الاكثر قوة و تأثيرا على المشاهد.

إن التلفزيون يحتل مكانة خاصة بين الوسائط السمعية البصرية، فهو طريقة فعالة لإرسال الرؤية عن بعد، بالصورة و الصوت، وتعتبر عنصر هام في الصناعة الثقافية من حيث مواد البث، التي تستهدف دائرة اوسع من الجمهور، و تقتحم حياته الخاصة، فلم يعد هناك بيت يخلو من الرسائل المرئية، بشقيها الخفي، و الظاهري، و هنا تكمن خطورة هذا الوسيط فهو كما قال بير بورديو في كتاب ” التلفزيون و الية التلاعب بالعقول”

إنه خطر كبير يهدد مجالات مختلفة على مستوى الانتاج الثقافي من فن و ادب و علم و فلسفة و قانون.”

إن الخطر الكبير الذي يهدد المجتمع المغربي المتابع للقنوات المغربية، هو تلقي رسائل تخاطب الانسان العاقل كالطفل الذي لا يعرف مصلحته، فالخطابات و الاعلانات الموجهة للجمهور ذات طابع طفولي ، لماذا ؟ لأن هذا النوع من الخطاب يخلق ردة فعل مجردة من الحس النقدي، و خالية من التفكير المنطقي، حيث أن اتجاهات البرامج التلفزيونية، و خاصة القناة الثانية التي انتقلت مسلسلاتها من المصرية، الى المكسيكية، الى التركية، التي تخاطب العاطفة بدل الفكر، الى البرامج التي تزرع المخاوف، والشعور، وزعزعة الاستقرار النفسي، مرورا بتلك التي تحرك الرغبات والشهوات.

“لابد وأن هناك مؤامرة تحاك من شبكات التلفزة لجعلنا أغبياء ”

ستيف جويز

إن بث مثل هذه البرامج تستعمل لتعطيل العقل و التحليل المنطقي، مادامت المفردات المستعملة عاطفية، في تجلياتها، فيهي تسمح بالمرور الى اللاوعي، فأغلبية الافلام، والمسلسلات، و البرامج، إما أنها تتحدث عن علاقات حب تافهة لثقافات دخيلة، لا علاقة لها بالثقافة المغربية الاصيلة، أو مواضيع الحزن، والفقر، و المرض، أو الغناء والتسلية، أو تشجيع الاطفال والمراهقين و الشباب على استحسان الرداءة باسم الفن…

إن البرامج التلفزية التي تخاطب العاطفة بدل العقل، تغرق الجمهور في بحر من الجهل و الغباء، حيث يصبح المجتمع المغربي غير قادر التفكير في الانتاج، و الابداع، و الاختراع، بل يصبح عبدا للاستهلاك، لماذا ؟ لأنه فقد قدرته على اختيار ما يخدم أهدافه و توجهاته، و هذا بسبب برامج الالهاء، ذات المعلومات التافهة التي ترسل، و هذا النوع من البرامج يشتت انتباه الفرد عن محور حياته المتمثل في التخطيط، والتفكير، في اهدافه الشخصية، و العائلية، والاجتماعية،

في دولة كالمغرب عدد سكانها حوالي 36 مليون نسمة، ويشكل فقراءها 60%، وتحتوي على مليون و 477 الف عاطل عن العمل، وتحتل المركز 129 في مؤشر التنمية البشرية، هل هي في حاجة الى برامج تلفزيونية تخاطب العاطفة ؟ أم أنها في حاجة الى برامج تخاطب العقل؟ هل نحن كجمهور مغربي نحتاج الى الترفيه والتسلية وتلقي الرداءة و الغباء ؟ أم نحتاج الى تلقي التطبيق الحرفي لمفهوم التربية، والتعليم، والثقافة، والفن، والعلم، والوعي ؟ هل نحن في حاجة الى اتباع ثقافة الراعي، أم أن الراعي و أبناءه له ثقافة ،و يصدر للقطيع ثقافة اخرى ؟ هل الشعب المغربي في حاجة الى التفكير الحر الذي يؤدي الى الانتاج ؟ أم الى اللاتفكير الذي يؤدي الى الاستهلاك ؟

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed