مع الحدث . الرباط .
الثلاثاء 8 جمادى الثانية 1443 الموافق لـ 11 يناير 2022
بسم الله الرحمان الرحيم
الأخوات والإخوة أعضاء اللجنة التنفيذية؛
الأخوات والإخوة أعضاء اللجنة المركزية؛
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني؛
الأخوات والإخوة في تنظيمات الحزب ومؤسساته الموازية وروابطه المهنية؛
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• يُسعدني أن ألتقيَ بكم مرة أخرى في احتفاءٍ جديدٍ بذكرى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944، ويستمر تواصلنا معكم عن بعد، احتراما من حزبنا للتدابير الاحترازية المعتمدة ببلادنا في ظل استمرار حالة الطوارئ الصحية وارتفاع مؤشرات تفشي المتحور الجديد “أوميكرون” وما يصاحب ذلك من تقييد للتجمعات للحد من انتشار الوباء.
• في مثل هذا اليوم، قام حزب الاستقلال بتنسيق مع جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى الإقامة العامة لسلطات الاحتلال الفرنسي، ووُجِّهَت نسخ منها إلى ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالرباط، وإلى ممثل الاتحاد السوفياتي آنذاك، فجسدت تعاقدا وثيقا بين العرش والشعب، وقوة التحام أَلهَبت مختلف شرائح المجتمع في كل مناطق وربوع المملكة للوقوف صفا واحدا دفاعا عن الحرية والاستقلال، ووضعِ حد لعهد الحجر والحماية والظلم والاستعمار، وصيانة الوحدة الترابية وإرساء نظام ديمقراطي في ظل الملكية الدستورية، وصَوْنِ المقدسات الدينية والثوابت الوطنية الضامنة لوحدة الأمة وتماسكها.
• مرت اليوم ثمانيةٌ وسبعونَ سنةً على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأربعة وثلاثون سنة على اعتمادها عيدا وطنيا من قِبَلِ المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، لكن فلسفتها ومضامينها التحررية والديمقراطية وأبعادها الوطنية والسياسية لازالت ماثلة في فكر ووجدان الأمة لم تستنفد بَعْدُ كل أهدافها ملهمة للأجيال الجديدة، تَمَلُّكَ روح التضحية والشعور الوطني العارم، وإذكاء الوعي بالمسؤولية الوطنية الذي جسده الرعيل الأول للحركة الوطنية، من الموقعين على الوثيقة في كفاحهم المستميت من أجل خلاص الوطن من نير الاستعمار وصون عزته وكرامته.
• فقد صِيغَت الوثيقة بحق في لحظة ناضجة من لحظات الصَّحوة الوطنية، لتُشكل تحولا نوعيا في طبيعة ومضامين المطالب المغربية، التي انتقلت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالحرية والاستقلال، في ظل دولة عصرية ديمقراطية ومَلكيةٍ جامعةٍ، موحدة للأمة بكل مكوناتها وروافدها.
• كما حملت هذه الوثيقة مقومات مشروع مجتمعي متكامل بأفق إصلاحي لمغرب ما بعد الاستقلال، وهو مشروع ما كان ليرى النور لولا ذلك التحالف المقدس الذي كان يجمع العرش بالشعب، ولولا تلك الروح الوطنية الصادقة التي فعلت فعلها في نفوس ووجدان الموقعين عليها من الوطنيين الأحرار.
• وقد طبعت الوثيقة بأبعادها السياسية وروحها الإصلاحية مسار مغرب ما بعد الاستقلال، بدءا بوضع أسس دولة الحرية والاستقلال والوحدة بقيادة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، مرورا بعهد التحديث والعصرنة والانفتاح السياسي والديمقراطي، الذي أسس له المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، وصولا إلى عهد الملكية الوطنية والمواطنة التي أُسِّسَتْ بقيادة حكيمة ومتبصرة لجلالة الملك محمد السادس أيده الله، لمغرب التحولات السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية بالنظر لما عرفته بلادنا من مصالحات وانتقالات هيكلية وتعاقدات مجتمعية ونفس إصلاحي عميق.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• لقد كانت وثيقة المطالبة بالاستقلال، ملهمة لرواد الحزب ومؤسسيه وخاصة الزعيم علال الفاسي رحمه الله، في إبداع وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية في 11 يناير سنة 1963، التي شكلت امتدادا طبيعيا لوثيقة المطالبة بالاستقلال، بما تضمنته من رؤية إصلاحية، اقتصادية واجتماعية، تجعل من النهوض بالإنسان هدفا لكل السياسات العمومية، وتَرُومُ تحقيق المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص وتوسيع الممارسة الديمقراطية وتشجيع المبادرة الحرة والابتكار، وأَنْسَنة اقتصاد السوق، وتقوية الاقتصاد التعاوني، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية لإرساء مجتمع متوازن ومتضامن.
• وقد درج حزب الاستقلال المتشبع بقيم الفكر التعادلي على استحضار أسس ومبادئ وثيقة المطالبة بالاستقلال، في كل ما اتخذه من مواقف وقرارات، وفي كل ما بلوره من توجهات واختيارات، وكل ما أبدعه من حلول واقتراحات وبدائل ومبادرات، لخدمة الوطن والمواطن، من مختلف المواقع التي عمل فيها، وفي جميع المحطات السياسية التي عرفتها بلادنا.
• وبرز ذلك جليا في العديد من المذكرات التي ما فتئ يقدمها الحزب سواء برسم المراجعات الدستورية والمؤسساتية التي عرفتها بلادنا، أو للمساهمة في تطوير الحقل السياسي وتعزيز الممارسة الديمقراطية، أو لتعديل وتجويد المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات، أو لتحسين ظروف عيش ساكنة المناطق الحدودية والمناطق القروية والجبلية، أو في بلورة الحلول القَمِينَة بالخروج الآمن من أزمة جائحة كورونا، فضلا عن مساهمة الحزب في ورش التفكير حول النموذج الجديد من خلال تقديم تصوره التعادلي المتجدد الذي يتقاطع إلى حد بعيد مع روح ومضمون مخرجات النموذج التنموي الجديد.
• فحزب الاستقلال بَقِيَ دائما وفيا لمبادئه وثوابته المستلهمة من وثيقة المطالبة بالاستقلال ووثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك في البرنامج الانتخابي للحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021، بما تضمنه من التزامات تترجم المشروع المجتمعي الذي يدافع عنه الحزب، والذي ينشد تحقيق مجتمع تعادلي متوازن ومتضامن من خلال:
– تقوية الطبقة الوسطى والنهوض بأوضاع الطبقات الفقيرة والهشة؛
– تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وفيما بين الأجيال؛
– تحقيق الكرامة والعيش اللائق لكل المواطنات والمواطنين، في إطار الحرية والعدل والإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص والتعاون والتكافل والتضامن وجعل الإنسان هدفا لكل البرامج والسياسات العمومية ومحور كل إصلاح وعمل تنموي.
• وقد أكدت الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية والمهنية الأخيرة ثقة المواطنين في مبادئ الحزب واختياراته، وحظي عرضه التعادلي بتجاوب شرائح واسعة من الشعب المغربي لواقعيته وقربه من المواطن واستجابته لهموم وانشغالات وخصوصيات كافة تلك الشرائح، وهو ما بوأ حزبنا مكانة متقدمة في صدارة المشهد السياسي ببلادنا. وقد حسم هذا الاختيار الشعبي في انضمام حزبنا للبديل السياسي والديمقراطي المنتخب لقيادة الحكومة الجديدة.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• إن حزبنا اليوم، وهو يشارك في الأغلبية الحكومية والبرلمانية والترابية، يستشعر مسؤوليته ضمن مكوناتها، مسؤولية نابعة من قناعته الراسخة بضرورة الوفاء بالتزاماته وبالتعهدات التي قطعها على نفسه في برنامجه الانتخابي، وليكون في مستوى الثقة التي حظي بها من قبل المواطنات والمواطنين.
• فمشاركة حزبنا في الأغلبية ليس هدفا في حد ذاته، بل محطة يتعين إنجاحها والنجاح فيها من خلال:
– تفعيل وترجمة أوراش الإصلاح التي أطلقها جلالة الملك، وعلى تنفيذ وأجرأة مخرجات النموذج التنموي الجديد؛
– مواصلة عملنا لخدمة المواطنات والمواطنين؛
– تنزيل التزامات الحزب التي تم تسطيرها في برنامجه الانتخابي والتي تم إدماجها في البرنامج الحكومي؛
– تقوية منسوب الإنصات للمجتمع، والتجاوب مع مطالبه الاجتماعية المشروعة والمستعجلة للتخفيف من تداعيات أزمة جائحة كورونا.
• إن الإرادة الشعبية التي كانت حاسمة في إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي الوطني باختيار أغلبية جديدة، في ظل تداعيات الأزمة وارتفاع سقف المطالب والانتظارات، تتطلع إلى تغييرٍ شاملٍ ومستعجلٍ للسياسات العمومية المتبعة، والقطع مع الاختيارات المتجاوزة، وإرساء التعاقدات المجتمعية المنشودة، الكفيلة بإحداث القطائع والتحولات وخلق الانفراجات الاجتماعية للتنفيس على المواطنين.
• لذلك فالحكومة التي نحن جزءٌ منها:
– مدعوة إلى جعل سنة 2022 سنة التغيير الحقيقي، التغيير الذي يُحدث وَقْعَهُ الملموس على المعيش اليومي للمغاربة، تغيير يعيد الاعتبار للمواطن ويشعره بالأمان والثقة، ويُغذي لديه الإحساس بالعزة والكرامة والإنصاف؛
– مدعوة إلى استحضار فكر وفلسفة وبعد نظر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، في المزج بين الدفاع عن وحدة البلاد وسيادتها واستقلالها، وبين التفكير الاستشرافي لبناء مغرب في تطور وتحول مستمر.
• نعم، فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نستحضر معاني ومرامي ودلالات العبر المجيدة لهذا الحدث القوي المشرق والجريء من تاريخ بلادنا الزاخر، للنسج على منوالها في تحصين وحدة الوطن وسيادته، وتحقيق نمائه وازدهاره.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• يبقى الرهان الأكبر بالنسبة لبلادنا، رهان قضية وحدتنا الترابية، وما يرافقها من مناورات واستفزازات الخصوم والأعداء في ظل المكاسب والإنجازات الوحدوية والانتصارات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا بقيادة جلالة الملك أيده الله، في سياق تنامي الاقتناع من قبل المجتمع الدولي بمشروعية قضيتنا الوطنية وتوالي اعترافات الدول الصديقة والشقيقة بمغربية الصحراء وعلى رأسها الاعتراف الأمريكي، وما رافق ذلك من تأكيد على سقف الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الموصوف أمميا بالجدية والمصداقية والواقعية كحل وحيد لهذا النزاع المفتعل، وإسناد متزايد لسيادة المغرب على صحرائه عبر فتح العديد من القنصليات بأقاليمنا الجنوبية، وخاصة بمدينتي العيون والداخلة.
• كل ذلك جسَّد تحولا استراتيجيا في مقاربة التعامل مع قضية وحدتنا الترابية، يتعين استثماره لتحصين المكتسبات الوحدوية، في ظل المنعرج الحاسم الذي دخلته قضيتنا الوطنية بعد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء الذي أكد على المرجعيات والثوابت الواجب مراعاتها في التعامل مع السيادة الترابية للمملكة.
• إن ما حققته بلادنا من مكاسب وانتصارات، يتطلب منا جميعا وحدة الصف وتعزيز الجبهة الداخلية، لصون المكتسبات ومواكبة التحولات وإعطائها زخماً أكبر في المستقبل.
• فَعلينا أن نكون في أَتَمِّ الجاهزية والتعبئة والاستعداد، لمواصلة الدينامية الإيجابية التي رافقت تطورات قضيتنا الوطنية وتعزيز ما راكمته من مكاسب وإنجازات ودبلوماسية بأبعادها الرسمية والبرلمانية والحزبية والشعبية والاقتصادية، وتقوية نجاعة الاستراتيجية التنموية التي اعتمدته بلادنا بأقاليمنا الجنوبية والتي شكلت قوة دفع وإسناد لقضية وحدتنا الترابية.
• علينا أن نتحلى بكثير من اليقظة والتأهب، ونحن نتطلع إلى استقبال المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة السيد “ديميستورا” في جولته الأولى للمنطقة آملين أن تكون بدايةً لمرحلةٍ جديدة في مسلسل التسوية الأممية لهذا النزاع المفتعل وإعادة إطلاق المسار السياسي وفق المرجعيات التي سبق أن أكدتها قرارات مجلس الأمن منذ 2007.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• إذا كان إخوة الجوار والتاريخ والجغرافيا مُوغِلُون في معاكسة المصالح العليا لبلادنا ويأبون الجنوح للحكمة والتعقل ويجتهدون في افتعال التوتر والأزمات، فإن بلادنا مدعوة إلى استثمار أمثل وأقوى لعلاقاتها الجيدة مع مختلف الدول الفاعلة على الصعيد الدولي لإقناعها بطي هذا الملف الذي عمَّرَ طويلا، وأن تؤسس مسعاها، على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعلى مواقف مجلس التعاون الخليجي الداعمة لسيادة المغرب على كامل ترابه، وتُعزز علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، ومع حلفائها الاستراتيجيين في ظل استعادة الدفء في العلاقات مع ألمانيا، عقب الإشارات الإيجابية التي عبرت عنها هاته الأخيرة في رسالة وجهها الرئيس الألماني لجلالة الملك محمد السادس أيده الله، نوه فيها بالإصلاحات الواسعة التي تم إجراؤها تحت قيادة جلالته، ومعتبرا مبادرة الحكم الذاتي “أساسا جيدا” لحل قضية الصحراء المغربية، وتمتين العلاقات الاستراتيجية مع الصين في إطار مبادرة “الحزام والطريق” لزيادة التعاون بين البلدين في كافة المجالات.
• كل ذلك، يشكل فرصة حقيقية لبلادنا لإنهاء التوتر المفتعل والتوجه نحو إرساء خيارنا الاستراتيجي المتمثل في بناء اتحاد مغاربي شكَّل على الدوام طُموحا مشروعا للشعوب المغاربية التواقة للسلم والاستقرار والتنمية وتأمين مستقبل واعد للأجيال القادمة.
• وفي هذا السياق، يتعين الإسراع بتفعيل الجهوية المتقدمة طبقا للدستور والقانون التنظيمي للجهات بإعطاء الصدارة، في نقل الاختصاصات والموارد اللازمة، إلى جهات الأقاليم الجنوبية، وتمتيعها باختصاصات موسعة، في أفق إقرار مخطط الحكم الذاتي بهذه الأقاليم أمميا في الأمد القريب.
• ونعبر بهذه المناسبة عن تعبئة حزبنا بكل مناضلاته ومناضليه، وتجنده الدائم وراء جلالة الملك محمد السادس أيده الله من أجل حماية الوطن والذود عن مصالحه العليا وصيانة وحدة وسلامة أراضيه، والتصدي الحازم لكل مناورات ومؤامرات خصوم وأعداء وحدتنا الترابية.
• لقد آن أوان رفع منسوب التعبئة، لاستثمار هذه الفرصة المتاحة، وتَضافر جهود الجميع، فرقاء سياسيين، وفاعلين مدنيين ومؤسسات تمثيلية وكل القوى الحية، من أجل تكثيف الدبلوماسية الحزبية والشعبية والتواصل مع الرأي العام الوطني والدولي، وتقوية الترافع في المحافل الإقليمية والدولية من أجل الشرح والتأثير والإقتناع بعدالة قضيتنا الوطنية والتصدي للأطروحات المناوئة، ودفع مزيد من الدول للانخراط في النهج الجديد الذي تم تكريسه بشأن مغربية الصحراء.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• لربح رهان التنمية وخدمة المواطنات والمواطنين، نحن عازمون في إطار التحالف الحكومي على اتخاذ التدابير الملائمة للتعافي التدريجي من أزمة الجائحة، بل وتسريع وتيرة إبداع هذه الحلول لإرسال إشارات إيجابية وواضحة في تجاوب مع انتظارات المغاربة.
• لا مَحِيدَ لنا عن الانتقال إلى السرعة القصوى، لإيجاد حلول لإشكاليات: التشغيل، والبطالة، وإنقاذ المقاولات من الإفلاس، وتفعيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية لتسريع استفادة جميع المواطنات والمواطنين من التغطية الصحية والتعويضات العائلية ودعم الفئات الهشة، وتوسيع قاعدة المستفيدين من التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل، والعمل على تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتقوية تكافؤ الفرص بين كل المواطنات والمواطنين لتحقيق الكرامة وضمان العيش اللائق لكل المغاربة، فضلا عن إشكالية نُدرة المياه التي باتت تؤرق ساكنة البوادي والمدن على حد سواء.
• إن إحداث التغيير المنشود، وابتكار الحلول التي يتطلع إليها الجميع، يبدأ كذلك بالتغيير في أساليب التدبير والاشتغال من خلال اعتماد:
– مقاربة مندمجة في إيجاد الحلول ومعالجة الإشكالات المطروحة؛
– نهج الاستباقية في معالجة الأزمات والإشكالات المستقبلية؛
– مقاربة تشاركية ينخرط فيها الجميع من فئات اجتماعية ومجالات ترابية، دون تمييز ولا إقصاء؛
– اعتماد النجاعة والاستهداف في تنزيل الإصلاحات والتدابير والإجراءات؛
– إعطاء الأسبقية للمجالات الاستراتيجية والأولويات المستجدة التي أفرزتها الجائحة، والتي تتطلبها مقومات السيادة الوطنية والتي تقتضي تمنيع السيادة الاقتصادية والسيادة الصناعية والسيادة الصحية (في ظل تأهب بلادنا لإنتاج اللقاحات المضادة لوباء كورونا…) ونهج سياسة وطنية لدعم الإنتاج الوطني ومنحه الأفضلية الوطنية والجهوية وتحصين الأمن الغذائي والمائي والصحي والطاقي والرقمي والمالي، وكل المقومات الجديدة والمستقبلية التي تضمن السيادة للدول.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• لتحصين السيادة الوطنية، بات مُلحا علينا إعطاء زخم للبعد الهوياتي، من حيث تقوية روابط الانتماء إلى الوطن، وتعزيز منظومة القيم ومقومات الهوية المغربية بتنوع مكوناتها وروافدها، والعمل على تطوير المضامين باللغات الرسمية، مع ما يعنيه ذلك، من تقوية اللغة العربية، وحمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما نص على ذلك دستور المملكة، والعمل على تنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية الذي خصصت له الحكومة مليار درهم بهدف إدماجها في مجالات التعليم وفي مجالات الحياة ذات الأولوية.
• فما أحوج بلادنا في ظروف استمرار الجائحة، إلى تقوية الوحدة الوطنية وتعزيز الإنسية المغربية وتوطيد دعائم التماسك الاجتماعي واستنفار الصحوة الوطنية، الكفيلة بالالتفاف حول المشروع الوطني الجامع.
• وحزب الاستقلال، كمكون أساسي في الأغلبية، لن يدخر أي جهد، انطلاقا من رصيده الفكري المتنور ومرجعيته التعادلية المتجددة وتجربته التي راكمها في تدبير الشأن العام المحلي والوطني والتي حقق خلالها العديد من الإنجازات التي صبت جميعها في مصلحة المواطنات والمواطنين، ومن باب الوفاء بالتزاماته الحكومية، إلى جانب باقي مكونات التحالف الحكومي، لن يدخر أي جهد، في إنجاح هذه المحطة الفارقة في تاريخ بلادنا والمساهمة في إنضاج الاختيارات والحلول والبدائل والتصورات لتحقيق تطلعات مواطنينا نحو التغيير الذي ينشدونه.
• صحيح أنه لابد من رفع منسوب الجرأة السياسية، ولابد من الإنصات للمواطن لضمان انخراطه، ولابد من تحقيق الأولويات التي لا تقبل التأخير، ولابد من النجاعة والابتكار في البحث عن الحلول وتنفيذ الإصلاحات، لكن صحيح أيضا، ومن باب الإنصاف، أن الحكومة منشغلة بالتفاعل الفوري مع المطالب المشروعة للمغاربة ودعم قدرتهم الشرائية، وواعية بالأهمية القصوى لأن تكون لقراراتها وَقْعٌ على هذه القدرة الشرائية، وذلك رغم تحديات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، ومحدودية الهوامش المالية المتوفرة، ورغم الضبابية التي تطبع المدى القصير والمتوسط في ظل تقلبات الحالة الوبائية على الصعيدين الدولي والوطني.
• والحكومة، كما تعرفون، لن تستسلم لإكراهات اللحظة وتداعيات الوباء. وفي هذا السياق تمت مراجعة خيارات قانون المالية 2022، فضلا عن تدابير أخرى موازية وتكميلية، والتي تستهدفُ جميعُها تحسينَ المعيش اليومي للمواطنات والمواطنين، وتعكس إرادة الحكومة في الاستجابة لانتظارات المغاربة في خلق فرص الشغل ودعم القدرة الشرائية ومحاربة الفقر والهشاشة وتوسيع الطبقة الوسطى وحمايتها، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وغيرها من الإجراءات والتدابير ذات الأولوية، من قبيل:
– الرفع من الميزانية المخصصة لصندوق المقاصة، من خلال تعبئة 16 مليار درهم، لمواصلة دعم المواد الاستهلاكية الأساسية كالسكر والدقيق والغاز؛
– إلغاء الرسوم الجمركية على القمح من أجل الحفاظ على استقرار سعر الدقيق وبالتالي على القدرة الشرائية للمغاربة؛
– إعطاء دينامية قوية لعجلة الاستثمار، بحيث عقدت الحكومة منذ تعيينها أربعة اجتماعات متتالية للجنة الاستثمارات برئاسة رئيس الحكومة، وذلك في حيز زمني قياسي وغير مسبوق، وصادقت خلالها على 28 من المشاريع الاستثمارية بأكثر 15 مليار درهم التي ستمكن من إحداث 11700 منصب شغل مباشر وغير مباشر، تهم قطاعات متعددة كالتجهيزات التحتية والطاقات المتجددة والصناعة والسياحة واللوجيستسك والصحة والتعليم العالي إضافة إلى 17000 منصب التي سيتم احداثها في القطاع الصناعي و130000 فرصة شغل في إطار المشاريع قيد الدراسة الخاصة بالسيادة الصناعية؛
– تفعيل برنامج “أوراش” الذي يهدف إلى إحداث 250 ألف فرصة شغل على مدى سنتين (2022 و 2023)؛
– إعادة إقرار الضريبة التضامنية التي تقتطع من أرباح الشركات الصناعية والفلاحية الكبرى بهدف تمويل مشاريع تستهدف الفئات الهشة في المجتمع، من بينها تقديم الدعم للأسر المتكفلة بأطفال في وضعية إعاقة؛
– إصدار المراسيم التطبيقية لتعميم الحماية الاجتماعية مما سيمكن من منح التغطية الصحية لـ 8 ملايين مواطن في الأشهر الأولى من هذه السنة، كما أُحدِثت لجنة وزارية لقيادة الورش الملكي الخاص بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية.
• إن المواطن يستعجل، وهو محق في ذلك، رؤية التغيير في معيشه اليومي، ويتطلع لما ستُحدثه قرارات الحكومة وتدابيرها من أثر ملموس على مجرى حياته، ولكسب هذا الرهان، نحن مدعوون لخلق رجة في المقاربات والسياسات العمومية تمكن من إحداث وقع على المجتمع كفيلٍ بتعزيز قيم الإنصاف والتعاون والتضامن وتوفير شروط الحياة الكريمة للمواطنات والمواطنين.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
• يحدونا الأمل أن يستشعر الجميع روح ومغزى وثيقة المطالبة بالاستقلال، لتتضافر جهود الجميع، حكومة ومؤسسات وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين، في إطار مقاربة تشاركية جامعة، من أجل العبور الآمن لأزمة الجائحة والانخراط بكل مسؤولية وروح وطنية في إحداث التغيير الذي ينشده المواطنون لتحسين ظروفهم المعيشية وتحقيق كرامتهم. وليكن ذلك، أعظم وفاء لمن صنعوا هذا الحدث الوطني الخالد الذي نُحيي ذِكراه، وأَجَلُّ تكريمٍ لمن افتدوا به أرواحهم من أجل أن يعيش الوطن حرا عزيزا أَبِياًّ.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
Share this content:
إرسال التعليق