الصادق بنعلال
: 1 – لئن كانت مليشيات البوليساريو قد دأبت على رفع منسوب الاستفزازات وانتهاك القرارات الدولية، خاصة منذ 2016 ، إلا أن ما اقترفته مؤخرا في منطقة الكركرات من بلطجة غير مسبوقة وإصرار متهور على وقف حركة البضائع والأشخاص، في طريق استراتيجية تربط بين أوروبا وغرب إفريقيا، وتعريض النشاط التجاري للشلل وحياة السائقين لمختلف أنواع التحرش والترهيب، وإعلان عن وقف إطلاق النار .. كل ذلك يعتبر مقامرة بالغة الخطورة قد تفضي إلى تصدع أمني للمجال المغاربي والإقليمي . ولعل التدخل العسكري المغربي غير القتالي بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الصبر والتأني والتشاور مع المسؤولين الدوليين، كان غاية في الحكمة والاحترافية الأمر الذي حظي بإشادة المنتظم الدولي ومختلف الدول الشقيقة والصديقة. 2 – بيد أن المغامرة الانفصالية غير محسوبة العواقب أفضت بالمهتمين بالشأن الإقليمي إلى استقراء حيثيات وضع الصحراء المغربية من أكثر من زاوية، أبرزها موقف الجزائر من هذه المسلكيات غير القانونية الصادرة عن المليشيات الانفصالية، ففي اللحظة التي كان من المفروض أن يعبر النظام الجزائري عن إدانته لهذه الخطوة المراهقة الصادرة عن جماعة منفلتة، ليثبت ولو مرة واحدة في حياته “حياديته” و موقفه “المساند” للقانون الدولي، مال ميلا نحو جمهورية الوهم التي لا تعير اهتماما للقرارات الاممية. مما يعني من جملة ما يعني أن موضوع الصحراء لا يشكل لوحده عقبة أمام الانفراج المطلوب بين البلدين الكبيرين في المغرب العربي، بل هناك إشكالات بالغة الحساسية تعوق المنحى الإيجابي الذي تتوق إليه الملايين من دول المغرب الكبير، منحى النهوض التنموي الشامل. مما يجعلنا نُقدِم على طرح السؤال الدراماتيكي المحرقي، لماذا يصر النظام الجزائري على رفض التطبيع مع المغرب؟ 3 – لقد أضحى جليا أن الاستعداء الجزائري المنهجي للمغرب أكثر بكثير من مجرد قضية الصحراء، بل إن هذه الأخيرة جُعِلت حصانَ طروادة، ووسيلة غير شريفة لإيقاف الحركة التنموية المغربية، ولسنا في حاجة إلى التنبيه إلى أن بعض مظاهر التنمية الحاصلة في المملكة المغربية، ممثلة في بلورة المشاريع الماكرو اقتصادية من قبيل الموانئ والطرق السيارة و الطاقة البديلة و المناطق الصناعية الاستراتيجية .. تكاد تغيب عن جزائر اليوم، ونحن لسنا بصدد التعبير عن المدح الذاتي والافتخار بما لدينا من منجزات هيكلية ملموسة، فهذا المسعى ليس من شيمنا ولن يكون، مع الإشارة إلى أننا في المغرب لا ندعي أننا حققنا كل ما نصبو إليه من تطلعات اقتصادية واجتماعية وسياسية، و نرجو كل الخير للشعب الجزائري الطيب. لقد أصبح النظام الجزائري مكشوفا أمام العالم بسبب مساندته الدونكيشوتية للمليشيات الانفصالية المغربية، وبين الفينة و الأخرى تصدر عن بعض مسؤوليه بطريقة إرادية أو غير إرادية بعض التصريحات الدالة على الرغبة الثابتة في تأجيج الصراع الوهمي و تأبيده، و إبراز أن الصحراء المغربية مسألة ذات صلة بالأمن الاستراتيجي للدولة الجزائرية ! مما يجعل المراقب المحايد يستنتج دون عناء، أن “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي” الذي يدلي به المسؤولون الجزائريون بمناسبة و بغير مناسبة منذ سنوات، مجرد مسوغ لإخفاء النوايا الحقيقية في إضعاف المغاربة “الأعداء” ، و تحجيم قدراتهم و تعطيل نزعتهم نحو البناء التنموي، ما داموا غير قادرين على المنافسة الحضارية السلمية. 4 – و من الأسباب الأخرى التي تخيف النظام الجزائري من التطبيع مع المغرب، هو أن هذا السعي المأمول لن يكون في صالح الجزائر، و إذا عدنا إلى أحاديث وخطب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كمثال، في “حملته الانتخابية” نهاية التسعينيات من القرن العشرين، لعثرنا على جانب من الحقيقة “الغائبة” للرفض الجزائري المطلق لأي وساطة عربية أو دولية لإعادة المياه إلى مجاريها في موضوع علاقة الشعبين الشقيقين، وأنه لا مجال “للمصالحة” إلا بعد أن تُعرَض الملفات الشائكة بين الجارين “للدراسة و التحليل” .. ومن بين هذه “الخطب الحماسية” تلك التي أبرز فيها أن فتح الحدود بين المغرب والجزائر يكون في صالح المغاربة، لأن الملايين من الجزائريين يتنقلون نحو تونس والمغرب، مما يساهم في تحريك اقتصاد البلدين ويعزز مكانتهما الإقليمية ! والواقع أن المغاربة قاطبة متشوقون إلى إخوانهم المغاربيين، وينتظرون على أحر من الجمر اللحظة التاريخية التي “هرمنا من أجلها”؛ لحظة التواصل واللقاء بين الأشقاء. عسى أن تتم إعادة النظر إلى موضوع فتح الحدود والتطبيع بين الأقطار المغاربية في منحى حضاري، ينأى عن الصراعات الضيقة، ويترك موضوع الصحراء بين أيدي المنتظم الدولي، ويأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا والتطلعات المحورية لمغرب الشعوب؛ مغرب السلام والأمن والاستقرار.
Share this content:
إرسال التعليق