تورية الشرقي: فنانة تشكيلية مغربية ترسم بالجمال سُبل الروح

تورية الشرقي: فنانة تشكيلية مغربية ترسم بالجمال سُبل الروح

 

✍️ هند بومديان

من بين أزقة مدينة صفرو الهادئة، تنبثق ريح فنية ناعمة اسمها تورية الشرقي، فنانة تشكيلية تشق دربها بثبات بين ألوان الزيت والضوء والرمز، في رحلة بدأت منذ الطفولة وتعمّقت في بلاد الطواحين، هولندا، حيث صقلت موهبتها بالدراسة الأكاديمية، دون أن تفقد دفء انتمائها المغربي وارتباطها العميق بالطبيعة والجمال الروحي.

ولدت موهبة تورية وهي لا تزال طفلة في السابعة، ترسم أحاسيسها البكر فوق الورق، وتحاكي بجمال خطها أولى نبضات الحلم. لم يكن الرسم لها مجرد هواية، بل نداءً داخليًا تحوّل لاحقًا إلى رسالة فنية متجذرة. تقول: “اللحظة التي شعرت فيها أنني أنتمي لهذا العالم كانت حين أنجزت لوحة شعرت أنها تترجم جزءًا من روحي.”

تأثرت في بداياتها بالمدرستين الانطباعية والتعبيرية، وجعلت من الطبيعة ملهمًا ثابتًا، فكان اللون والضوء والرمز هم لغة خطابها التشكيلي. أعمالها تتميز بألوان دافئة وبتقنيات تعتمد على الطبقات اللونية، كما تختار الزيت على القماش لما يمنحه لها من حرية تعبير وانسجام عميق.

رغم بساطة بداياتها، إلا أن الشرقي استطاعت أن تتطور نحو مقاربات فنية أكثر عمقًا، فتوسعت رؤيتها نحو مفاهيم روحية ووجودية، وانفتحت على التجريب في أسلوبها وتقنياتها، لتصبح كل لوحة تعبيرًا صادقًا عن داخلها. تقول عن لحظة الإبداع: “أنفصل عن العالم وأتحد مع اللوحة، وأحيانًا أغمرني سعادة تدفعني للرقص بعد انتهائي من العمل.”

في سجلها عدة معارض محلية ووطنية، منها مشاركات بمراكش والدار البيضاء، لكن أول معرض لها في صفرو يبقى الأقرب إلى قلبها. ورغم عدم حصولها على دعم مؤسساتي، إلا أن تفاعل الجمهور المحلي والدولي كان دافعًا كبيرًا لها، حيث شاركت في معارض افتراضية، وتابعتها فئة من المهتمين من أمريكا وأوروبا، بل تلقت عروضًا لبيع أعمالها بالعملات الرقمية.

وتضيف تورية أن تجربتها بهولندا كان لها الأثر الكبير في تطوير رؤيتها الفنية، حيث تعرّفت على آفاق جديدة في التعبير والمدارس التشكيلية. أما داخل المغرب، فتُلهِمها مدينتا طنجة وإفران بما تحمله من سحر طبيعي وروحي.

تكشف الفنانة عن طموح لم يتحقق بعد: إنشاء ورشات فنية جامعية متكاملة تجمع بين التعليم والإبداع، كما تحلم بإصدار كتاب يوثق رحلتها. أما عن علاقتها بالتكنولوجيا، فهي ترى فيها فرصة، وقد بدأت فعليًا خطوات نحو عرض وبيع أعمالها رقميًا.

أما عن لوحاتها الأقرب إلى قلبها، فهي تلك التي تنبثق من خيالها الحر، كلوحة الطبيعة الكاملة المرسومة بالسكين، ولوحة باخرة القراصنة، ولوحات الورود والأميرات، وتقول عنها: “لوحاتي كأبنائي، لا أُهديها إلا لمن هو قريب من روحي.”

في زمن التحديات، ترى تورية الشرقي أن الفن التشكيلي يمكن أن يكون أداة تغيير حقيقية إذا مُنح الفنان حرية التعبير والدعم الكافي. وتختم برسالة للفنانين الشباب: “اصبروا، آمنوا بأنفسكم، واصنعوا طريقكم دون انتظار اعتراف من أحد.”

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)