مع الحدث
متابعة : لحبيب مسكر
رغم ما تزخر به من طاقات فنية أمازيغية أصيلة، تظل مدينة خنيفرة عنوانًا صامتًا لمواهب مبدعة تكاد تختفي تحت ركام الإهمال وقلة الفرص. هذه المدينة الواقعة بقلب الأطلس المتوسط، أنجبت ولا تزال تُنجب فنانين كبارًا أثروا الساحة الثقافية المغربية وأغنوا التراث الأمازيغي بمساهمات خالدة، لكن واقع التنمية الفنية بها لا يعكس حجم هذا الرصيد البشري الاستثنائي.
خنيفرة، بما تحمله من عمق تاريخي وثقافي، تُعتبر موطنًا لعدد من الرموز الفنية الذين حملوا على عاتقهم مهمة صون اللغة والثقافة الأمازيغيتين عبر أغانٍ تلامس الوجدان وتحكي هموم الإنسان البسيط بلغة الأرض والهوية. ومع ذلك، تفتقر المدينة إلى دعم قوي ومستدام للبنية الثقافية، رغم توفرها على معهد للفنون يشكل بارقة أمل أمام الشباب الطامح للتكوين الأكاديمي والتطوير الذاتي.
خير دليل على ما تزخر به خنيفرة من طاقات واعدة، مهرجان “نجوم الأطلس”، الذي جاء كمبادرة لاكتشاف المواهب في مجالي الغناء والعزف، ففاجأ الجميع بحجم المشاركة ونوعية الأصوات والمهارات التي برزت خلاله. هذا النجاح الاستثنائي أكد مرة أخرى أن خنيفرة تضم خامات فنية عالية المستوى، تحتاج فقط إلى فرص ومساحات أكبر لتفجير طاقاتها.
غير أن الموهبة وحدها لا تكفي؛ فالإبداع يحتاج إلى تأطير وتكوين مستمر لصقله وتوجيهه نحو الاحترافية. فبدون منظومة تكوين حقيقية، تظل هذه المواهب رهينة الاجتهادات الفردية التي قد تصطدم بحدودها أمام غياب التوجيه الأكاديمي والدعم المؤسساتي.
في شوارع خنيفرة وأحيائها، ينبض الإبداع، وتُسمع أصوات شباب مفعم بالحلم، يعزفون ويغنون، يكتبون ويلحنون، إلا أن غياب الفضاءات الثقافية الكبرى، وضعف الترويج، يجعل هؤلاء الفنانين يصطدمون بسقف محدود من الإمكانيات، ما يحرمهم من الانتشار وطنياً ودولياً.
“لدينا الموهبة، ولدينا معهد للفنون، لكن نفتقد إلى التأطير الحقيقي والدعم العملي”، هكذا يلخص أحد الفنانين الشباب الوضع الحالي. فالمواهب موجودة، والإبداع حاضر، ولكن الدعم، والتكوين المستمر، والمبادرات الجادة للنهوض بالحركة الفنية لا تزال رهينة وعود لم تجد سبيلها إلى التنفيذ.
إن خنيفرة بحاجة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى رؤية ثقافية واضحة تضع الفن في قلب مشروعها التنموي، عبر دعم المبادرات الفردية والجماعية، تنظيم مهرجانات فنية دائمة، تعزيز دور المعهد الحالي، وإحداث برامج تأطيرية تواكب الشباب وتؤهلهم لمواجهة تحديات الساحة الفنية الوطنية والدولية.
فهل يتحقق الحلم، وتعود خنيفرة، هذه المدينة المناضلة، لتأخذ مكانتها الطبيعية كمنارة للفن الأمازيغي الأصيل؟
تعليقات ( 0 )