فاطمة الغريسي… حين تتكلم الألوان بصدق الروح
✍️ هند بومديان
في مدينة الرباط، حيث تلتقي حداثة الحاضر بعبق التاريخ، ولدت وترعرعت الفنانة التشكيلية فاطمة الغريسي. ورغم أن مسارها الدراسي توقف عند المرحلة الإعدادية، فإن مسارها الفني لم يعرف سقفًا ولا حدودًا. فهي فنانة عصامية اختارت أن ترسم من قلبها، وأن تجعل من كل لوحة حكاية تنبض بالذاكرة والحنين.
بدايتها مع الفن لم تكن صدفة، بل نداء داخلي استجابت له منذ سنة 2010، حين أمسكت بالقلم لترسم وجهًا دون أن تدري لماذا، لكنها كانت تشعر بنشوة غريبة وسكينة لا توصف. من هناك بدأت الرحلة، ومن هناك بدأت تتعرف على ذاتها من خلال الألوان.
تأثرت فاطمة بالمدرسة العفوية، خاصة بأعمال الفنانة الراحلة الشعيبية طلال، حيث لمست فيها ذلك الصدق العفوي والبساطة الآسرة التي تنتمي إلى وجدان الإنسان المغربي. ومن هنا، صارت لوحات فاطمة تحمل سمات خاصة: ألوان زاهية، وجوه معبرة، وحضور قوي للتراث المغربي، من لباس تقليدي، أعراس، وعادات بدأت تتلاشى من الذاكرة الجماعية.
رغم عدم تلقيها لأي تكوين أكاديمي، فإن فاطمة اختارت طريق التعلم الذاتي، عبر التجريب والملاحظة، وأهم من ذلك عبر الإصغاء إلى روحها. تعتبر الرسم وسيلة بوح صامتة، تنقل من خلالها حكايات النساء، وتقاطع الفرح بالحزن، والحنين بالرجاء.
تفضل الرسم في سكون الليل، حين تختفي الضوضاء وتعلو أصوات الذاكرة. أما موادها المفضلة فهي صباغة الأكريليك والزيت، ترسم على “لطوال”، وتترك للوحة أن تنمو كما تنمو نبتة في تربة خصبة بالمعاني.
شاركت في عدة معارض جماعية داخل المغرب، إضافة إلى مشاركات افتراضية خلال جائحة كورونا، وهي تؤمن بأن الفن لا يحتاج لجدران بل لقلوب تنصت. لم تتلق دعمًا من أي جهة، لكنها صنعت بصمتها بجهدها وحب الجمهور، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ترى في مدينة الرباط مصدر إلهامها الدائم، وتحلم بأن تُعرض أعمالها يومًا ما في رواق باب الرواح، وفي معارض خارج أرض الوطن، لتصل رسالتها إلى أوسع مدى.
الفن بالنسبة لفاطمة هو أداة للتغيير الداخلي قبل أن يكون وسيلة تعبير خارجي. وهو كما تقول: دواء للروح، وزرعٌ للسلام، وتذكرة حب للحياة.
عند سؤالها عن السبب الذي يدفعها للرسم، تُجيب ببساطة ناطقة:
“لأني لا أعرف أن أعيش دون ألوان”.
تعليقات ( 0 )