واقع الصحة بالمغرب : ميزانيات ضخمة… خدمات متعثّرة

رغم ارتفاع الميزانية المرصودة لقطاع الصحة خلال السنوات الأخيرة، ما يزال المغاربة يشتكون من ضعف الخدمات الطبية وغياب العدالة في توزيعها. المنظومة الصحية تواجه أعطابًا هيكلية متراكمة منذ عقود، لم تنجح الإصلاحات المعلنة في تجاوزها، لتبقى صحة المواطن معلّقة بين طموح الدولة وإكراهات الواقع.

ميزانية تتنامى… ونتائج محدودة
خصصت الحكومة لقطاع الصحة سنة 2024 أزيد من 30 مليار درهم، مع توقعات بالرفع في 2025، وهو ما يُظهر حجم الاستثمارات. غير أن هذا الجهد المالي لم ينعكس ميدانيًا على مستوى الخدمات، حيث يظل الولوج إلى العلاج غير منصف بين المدن الكبرى والمناطق الهامشية، في غياب آليات صارمة لمراقبة النفقات.

خصاص في الموارد البشرية والتجهيزات
حسب بيانات منظمة الصحة العالمية، يتوفر المغرب على 7.4 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، أي أقل من طبيب واحد لكل ألف نسمة، وهو رقم بعيد عن كل المعادلات الإقليمية والدولية. أما على مستوى البنية التحتية، فإن عدد الأسرة الاستشفائية لا يتجاوز سريرًا واحدًا لكل ألف نسمة في أحسن الحالات، ما يفسر الاكتظاظ في المستعجلات وطول لوائح الانتظار التي تمتد أحيانًا لأشهر في تخصصات حيوية مثل أمراض القلب أو السرطان.

معاناة المواطن: انتظار ورشاوى

تؤكد تقارير ميدانية أن المواطن المغربي يواجه صعوبات يومية عند اللجوء إلى المستشفيات العمومية، بدءًا من المواعيد المتأخرة ونقص الأدوية، وصولاً إلى اضطراره في كثير من الحالات إلى دفع مبالغ إضافية أو حتى رشاوى للحصول على خدمة أساسية. تقرير Afrobarometer (سبتمبر 2025) كشف أن 37% من المرتفقين صرّحوا بدفع رشوة في تعاملهم مع المرافق العمومية، بما فيها الصحة، وهو ما يفضح حجم الاختلالات الأخلاقية والإدارية.

زيارات الوزير تفضح الأعطاب
الجولة التفقدية الأخيرة لوزير الصحة بعدد من الجهات، أعادت تسليط الضوء على واقع المنظومة، حيث وقف بنفسه على أعطاب التجهيزات، غياب الكفاءات الطبية، وتضارب المصالح في تدبير بعض المراكز. أصوات المواطنين ارتفعت مجددًا مطالبة بإصلاحات عاجلة تتجاوز الشعارات وتستجيب لحاجيات المواطن البسيط.

الحاجة إلى إصلاح عميق

المتتبعون يرون أن الخروج من الأزمة يتطلب:

شفافية ورقابة على الصفقات العمومية.

تحفيز الأطباء للعمل في المناطق النائية.

استثمارات عادلة في البنيات التحتية الجهوية.

محاربة الفساد بتقوية آليات التفتيش وتلقي الشكايات.

رغم الجهود والميزانيات، ما زالت الصحة بالمغرب تعاني فجوة بين السياسات والواقع. مواطن ينتظر، طبيب يهاجر، تجهيزات معطوبة، فساد يستنزف القطاع. الإصلاح الحقيقي لن يتحقق إلا إذا تلازمت الإرادة السياسية مع حكامة صارمة تضع كرامة المريض المغربي فوق كل اعتبار

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)