مع الحدث
المتابعة✍️: ذ. سيداتي بيدا
في زمن باتت فيه الأصوات العالية تُقابل بالتجاهل، اختارت حركة “جيل زد 212” أن تعيد تعريف الاحتجاج، لا من الشارع، بل من داخل المدرجات. دعوة غير مسبوقة أطلقتها الحركة تدعو الجماهير إلى مقاطعة المباراة التي ستجمع المنتخب المغربي بنظيره الكونغولي في قلب الرباط. لكن هذا النداء، في جوهره، لا يستهدف الكرة، بل يضع أصبعه على جرحٍ أعمق بكثير من خطوط الملعب.
الملعب في هذه اللحظة لم يعد فضاءً للفرجة فقط، بل تحوّل إلى مساحة رمزية للتعبير عن سخطٍ اجتماعي مشروع، تُرك طويلًا خارج الاهتمام الرسمي. والمدرجات التي يُتوقع أن تخلو من جمهورها، قد تكون أكثر امتلاءً من أي وقت مضى، لا بالهتاف، بل بالرسائل.
فكرة أن يقاطع المواطن مباراة منتخبه الوطني ليست ترفًا احتجاجيًا، بل محاولة واعية لتذكير الدولة بأن التهميش لا يُداوى بالتسلية، وأن كرامة العيش لا تُعوّض بفرحة هدفٍ عابر. إنها صرخة ناضجة من جيلٍ تعب من الوعود المؤجلة، ويريد أن يُسمِع صوته خارج دوائر الخطابة الرسمية.
“جيل زد 212” لم يدعُ إلى الفوضى، ولا إلى الإساءة، بل إلى احتجاج صامت، منضبط، وواعٍ، يجعل من الغياب موقفًا، ومن الصمت رسالة. إنها مقاطعة لا تنبع من عدم الانتماء، بل من رغبة في تصويب البوصلة الوطنية نحو قضايا تستحق أن تكون في صلب الأولويات: الصحة، التعليم، العدالة، وفرص العيش الكريم.
المسألة ليست في نتيجة المباراة، بل في ما إن كانت المؤسسات ستفهم الرسالة. لأن المدرجات، حين تُقاطع، لا تفعل ذلك عبثًا. بل تقول، بصوت خافت لكنه عميق: “لسنا ضد الوطن، بل ضد التجاهل… ضد اختزالنا في مشجعين حين نصبح غير مرئيين كمواطنين”.
هذه لحظة رمزية بامتياز. اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على الإنصات لا حين يُرفع الصوت، بل حين يُختار الصمت. لأن الاحتجاج الصامت، في أحيان كثيرة، أكثر بلاغة من كل شعارات المدرج.
تعليقات ( 0 )