وُجهَة نظر
لميا أ. و. الدويهي.لبنان.
أُقيمَت إحدى التجارب منذ سنوات في دورٍ للسينما، حيث تمَّ تمرير في لقطة، تُسمَّى في عالم التقنيات التلفزيونيَّة والسينمائيَّة بـ frame تحتوي على حوالي الخمس والعشرين صورة تنقل المشهديَّة من حركة إلى أخرى بثوانٍ قليلة وجدُّ سريعة، منتوج، مُرِّرَ في صالة ولم يُمرَّر في أُخرى ولدى خروج المشاهدين، الذين كانوا في الصالة التي مُرِّرت فيها صورة المنتوج ضمن هذا الـ frame تهافتوا لشرائه، والفئة الثانية لم يَعنِ لها الأمر شيئًا، وبالتالي لم يُقدموا على الشِّراء، وعندما سُئِلوا عن سبب شرائهم للمنتج، أجابوا بأنَّهم لا يعرفون لماذا فعلوا ذلك…
النتيجة: هذه الصُّور التي تمرُّ بثوانٍ قليلة والتي لا تراها العين المجرَّدة، تتسجَّل في الدِّماغ وهو الذي أعطى الرغبة بشراء المنتوج… نفس الشيء يحصل، عندما نقود السيَّارة ولا نستطيع التَّركيز على اليافطات المعروضة على الطرق وقراءة مضمونها، لأنَّ السُّرعة تمنع الناظر من ذلك، وبالتالي العقل الواعي من تلقُّف المعلومات؛ ولكن عند الدخول إلى أيّ محلّ لشراء أيِّ نوعٍ من البضائع، نتوجَّه إلى المُنتج المعروض على لوائح الإعلانات، والذي أصبحَ مألوفًا، لأنَّ اللاوعي استطاع تسجيل ما لم يستطع الوعي تسجيله…
أعرضُ هذه المعلومات والتي لا تُخفى على أصحاب الاختصاصات، لأقول بأنَّ دماغ الإنسان هو كالحاسوب يحفظ بداخِلِه كلّ المعلومات التي توضع فيه والتي حتَّى ولو تمَّ نسيانها تبقى محفوظة في الداخل وتخرج في أوقاتٍ لا يتوقَّعُها العقل الواعي فينا وتؤثّر على مواقف وردود فعل وتصرُّفات…
أنطلق من هذه المقدِّمة لأصلَ إلى المسلسلات؛ وهنا لا أودُّ انتقادَ أحد، خصوصًا المُمثلين، الذين يتمتَّعون بأداء عالٍ جدًّا يجذبك حتَّى النِّهاية، هذا إن استطاعَ المخرج إظهار أفضل ما فيهم في لقطاته المشهديَّة… ولكن تكمُن المشكلة في السوداويَّة التي تسود وفي طرح المُعضلات التي ترسمُ صورًا لمجتمعٍ مُغايرٍ عن مُجتمعِنا، نحن لا ننكُرُ وجود بعضٍ من هذه الحالات فيه وقد تكون مُتفشِّية ولكن هذا لا يعني مثلًا، بأنَّ كلَّ أصحابِ الأموال قد جنوا أموالهم بطرقٍ مَشبوهة ولا أنَّ كلَّ الفقراء مُجبرون على الانحرافِ لتأمين لقمة العيش… إنَّنا نرسِّخ في اللاوعي مشاهد ونُعزِّز صورًا مؤذية تدفع إلى مواقف عنيفة في الحياة اليوميَّة… فكثيرٌ من الناس يستشهدون بما يرونَهُ وكأنَّهُ مُنزَل، فبعضهم لا يتمتَّع بالثقافة اللازمة للتمييز، وكدلالةٍ على ما أقول، كثيرًا ما يُدلي بعض من الممثِّلين في مقابلاتهم بانَّهم يلتقون بأشخاص في أماكن عامَّة، يتهجَّمون عليهم بسبب أداءِ دورٍ أساء في مشهدٍ ما إلى البطل…
أنا لا أقول بوجوبِ جعل المسلسلات والأفلام واحةٍ ورديَّة وخياليَّة، ولا أن تُحجُب تلكَ التي تطال العنف والمافيات عن الشاشة، أنا أُطالب بالموضوعيَّة، ألفت النَّظر إلى أنَّه وبالرغم من كلِّ الصعوبات، هناك أشخاص تُجاهد وتعمل على حلِّ أمورها بتفاؤل ولا تُساوم على الكرامات لأجلِ حُفنةٍ من الأموال يحصلون بها على ملذَّات لا تمنح السعادة، فـ«ماذا ينفعُ الإنسان لو ربحَ العالم كلَّه وخسرَ نفسه؟»…
من المهمّ العمل على القيمةِ الإنسانيَّة وضخِّ أفكارٍ تُعطي طاقاتٍ إيجابيَّة… يكفينا سوداويَّة من حولنا ويكفينا تسويق لأفكارٍ سلبيّة، أسوَؤُها تلكَ التي تُصوَّرُ المال والسُّلطة الربًّ الأوحد الذي يتحكَّمُ بالعالم، وهو أمرٌ صحيح، وتنسى أن تُسلِّط الضؤ على طاقات الإنسان وحكمته التي تُقاوم استعبادَ المال للإنسان…
إنَّ مُعظم ما يُقدَّم هو كالسيَّفِ ذو حدَّين، يطبع في نفوسِ الكثيرين أفكارًا قد تكون بنَّاءة وقد تكون بأغلبيَّتُها كالسمِّ المُميت…
يكفي ما يُعاني منه مجتمعنا من طفراتٍ عديدة تُشوِّهُ وجهه وتمتدُّ إلى عُمقِه…
هي وجهةُ نظر وقد لا يُوافقني عليها آخرون ولكنَّه اقتضى التَّصويب، لمَن شاء أن يسمع ويستجيب…
لميا أ. و. الدويهي
٢ /٥ /٢٠٢٢
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق