Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

حين يتنفس اللون … بريشة الروح 

ياسين الشرقاوي …. حين يتنفس اللون … بريشة الروح

 

✍️ هند بومديان

 

في حضن بيت تنبعث منه نغمة العود ورائحة الفحم الممزوج بالجرافيت، وُلدت ملامح الفنان ياسين الشرقاوي السلامي. لم يكن الفن بالنسبة له اختيارًا بقدر ما كان ميراثًا روحيًا، انساب إليه كما تنساب الدماء في الوريد، ليصير اليوم أحد الأسماء التي تكتب حضورها بحبر الصدق والالتزام.

 

نشأ ياسين في بيئة تشكّلت فيها الموهبة كعنصر يومي من تفاصيل الحياة، فكان الوالد رسامًا وموسيقيًا، وكانت الجدران بمثابة الصفحات الأولى التي تسكنها المحاولات الأولى. منذ تلك اللحظة، التحم الطفل باللون، وشرع في بناء علاقة سرمدية مع القماش والفرشاة، علاقة لم تكن يومًا هواية، بل بحثًا دائمًا عن المعنى، عن الذات، وعن جوهر الأشياء.

 

رغم أنه لم يتتلمذ أكاديميًا داخل معاهد الفن الرسمية، إلا أن تكوينه تشكّل من القراءة المتواصلة، والتأمل، والتجريب، واحتضان الفشل كجزء من العملية الإبداعية. تأثر بالمدرسة الواقعية لكنه لم يتوقف عندها، بل جعل منها أرضية أولى نحو هوية فنية أكثر حرية وعمقًا، حيث تتقاطع التجارب الشخصية مع الروح الكونية.

 

في أعماله، لا تجد مجرد أشكال أو ألوان، بل تجد حياة أخرى تنبض تحت الطبقات، تحكي عن الحب، عن الوحدة، عن الغموض، وعن صراع الإنسان مع أسئلته الوجودية. هو فنان لا يرسم العالم كما هو، بل كما يشعر به؛ يخلق من الأشياء العادية لغة غير عادية، ويجعل من اللوحة امتدادًا لصوته الداخلي.

 

إلى جانب كونه فنانًا تشكيليًا، يعمل أستاذًا للفنون، وهو ما يعمّق رسالته التربوية ويجعل من الفن مشروع حياة لا مجرد ممارسة. يرى في كل طفل بذرة فنان، وفي كل لحظة درسًا، وفي كل لوحة فرصة للتحرر.

 

شارك في معارض وطنية ودولية، وراكم تجربة تنبني على التواضع والإيمان بأن الفن ليس غاية بل مسار مستمر. لم يكن حلمه يومًا الشهرة، بل البصمة. أن يُترك أثر، أن تتحول لوحاته إلى ذاكرة جمعية، وأن يشهد يومًا افتتاح متحف يحتضن رحلته، وهو على قيد الحياة.

 

ياسين الشرقاوي السلامي، ليس مجرد اسم فني، بل هو صرخة داخلية، تمرد نبيل، وحكاية روح تسير بثبات نحو الضوء، رغم كل عتمة.

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

أن ترسم لتعيش… حكاية د.هند حارتي بين الألوان و الحياة

أن ترسم لتعيش… حكاية د.هند حارتي بين الألوان و الحياة

✍️ هند بومديان

من بين أزقة الدار البيضاء، وفي قلب الحياة اليومية الصاخبة، تنبض ريشة هند الحارثي بروح لا تعرف الانطفاء. لم يكن الفن محطة عابرة في حياتها، بل كان الوطن الأول، اللغة التي نطقت بها قبل الكلمات، والمأوى الذي احتمت فيه من تقلبات الزمن. رغم أن دربها الأكاديمي لم يسلك طريق الفنون الجميلة، إلا أن شغفها بالفن التشكيلي كان كالجذر الممتد عميقًا في التربة، ينمو بصمت حتى حين لم يره أحد.

 

في موسكو، حيث درست الصيدلة، لم تكن المعادلات الكيميائية وحدها من أثرت فيها، بل سحر المعمار، صقيع الأرواح، ودفء اللوحات المعروضة في متاحف المدينة. هناك، كانت تنظر إلى الجدران أكثر مما تنظر إلى الكتب، وتقرأ القصص في الوجوه المرسومة أكثر من السطور المطبوعة. فنانة بالفطرة، تلقت تكوينها من الحياة، من الحزن والفرح، من التأمل والانكسار، من لحظات القوة والضعف.

 

أعمالها ليست تقليدية، ولا تخضع لوصفة جاهزة أو مدرسة واحدة، بل هي مزيج من التجريب والبوح العاطفي، حيث الألوان تسيل بحرية، والخامات تتآلف لتنسج رسالة. وجوه النساء، الخطوط الحادة أحيانًا والناعمة أحيانًا أخرى، والأقمشة المعاد تدويرها، كلها ليست مجرد مواد، بل ذرات من روحها المبعثرة على القماش.

 

لا تبحث هند عن الألقاب ولا تلهث خلف التكريمات، فهي تؤمن أن عيون المتلقي حين تدمع أمام لوحة، أو حين يطيل النظر في تفصيلة بسيطة، هو أعظم وسام يمكن أن يعلّق على صدر الفنان. الفن بالنسبة لها ليس ترفًا، بل ضرورة، صرخة من الأعماق أو همسة فيها شفاء. وقد عاشت هذا المعنى وهي ترسم لوحاتها في لحظات شخصية حرجة، فكانت اللوحة حضنًا والفرشاة طوق نجاة.

 

بين العديد من الملتقيات و  المعارض الكبرى والفضاءات البسيطة، حملت هند أعمالها كما يحمل المرء قلبه في كفه: بخوف، بشغف، وبكثير من الأمل. كل معرض كان بوابة جديدة، وكل تفاعل مع جمهور مختلف كان مرآة جديدة لرؤية الذات. المغاربة يتذوقون فنها بعاطفة صادقة، بينما يقرأه الأوروبيون بعين تحليلية، لكن الجميع يشترك في الإحساس بأن وراء هذه اللوحات امرأة تحكي شيئًا أعمق من الصورة.

 

حين تتحدث عن الفن، تتحدث عن مقاومة صامتة. مقاومة الصورة النمطية، مقاومة التهميش، مقاومة النسيان. تراه كأداة تغيير، وسيلة للحوار، بل وشكلًا من أشكال العدالة. ولهذا تحلم أن تعرض أعمالها في فضاءات عالمية، ليس فقط لتنال الاعتراف، بل لتكون جزءًا من تلك المعركة النبيلة التي يخوضها الفن في سبيل الحرية والوعي.

 

ليست د. هند حارتي فنانة تبحث عن الضوء، بل هي الضوء نفسه، يشع من داخلها على القماش، وعلى العالم. في كل ضربة فرشاة، حكاية. في كل لون، نبض. وفي كل معرض، حياةٌ جديدة تولد من رحم الفن.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي ثقافة و أراء مجتمع

حين تنبض الألوان بروح الزمن و الحنين


أمينة الشناني…. حين تنبض الألوان بروح الزمن و الحنين

✍️هند بومديان

أمينة الشناني، فنانة تشكيلية عصامية من مدينة الدار البيضاء، اتخذت من الألوان ملاذًا ومن الفن حياة ثانية. عشقها الأول للون ولد في الأزقة العتيقة لحي الأحباس، حيث كانت تمرّ بين محلات الزرابي المزركشة ونساء الحي المنهمكات في صباغة خيوط الصوف. هنالك، تسرّبت البهجة البصرية إلى أعماقها، وراحت تبني علاقة وجدانية مع الفن قبل أن تدرك أنها ستنتمي لهذا العالم يومًا ما.

 

بعد خمسة وثلاثين سنة من العمل في الإدارة المغربية، اتخذت أمينة قرارًا شجاعًا بطلب التقاعد النسبي لتمنح الحلم مساحة للولادة، وتُعانق شغفًا ظلت تحمله بصمتٍ طيلة سنوات. أولى محاولاتها التشكيلية كانت في سن الرابعة عشرة، حين رسمت طفلًا يعزف، ثم لوحة لسوق مغربي أهدتها لمعلمتها في اللغة الفرنسية، وكانت تلك البذور الأولى لمسارٍ تشكيلي تغذى بالحب والتجريب والمثابرة.

 

لم تتلق أمينة تكوينًا أكاديميًا، بل ارتوت من حسها الفطري، ومن رغبة عميقة في التعبير. كانت تتأمل أعمال فاطمة كبوري وتتبع خطوات أحمد الشرقاوي بشغف، واستطاعت أن تنحت لنفسها أسلوبًا خاصًا يميل إلى الواقعية، تجسّد من خلاله المعالم المغربية كمسجد الحسن الثاني، والنساء المغربيات عبر العصور. لوحاتها مرآة لواقع مغربي تنقله بعينٍ عاشقة وذاكرة مشبعة بالتفاصيل.

 

ما يميز أعمالها ليس فقط الشكل بل العمق، فهي ترى في الفن أداة للترجمة الوجدانية والتوعية الاجتماعية. لحظة الإبداع عندها لا تنفصل عن سماع الموسيقى، وكأن الريشة ترقص على نغم الروح. ترسم لتفرغ أحاسيسها، ولتوقظ في المتلقي مشاعر دفينة، وتقول ما لا يُقال بالكلمات.

 

رغم أنها لم تحظَ بدعم مؤسساتي، إلا أن رحلتها كانت غنية بالمشاركات، من داخل المغرب إلى خارجه. شاركت في عشرة معارض دولية، حيث وجدت في الجمهور الأجنبي تقديرًا كبيرًا، وكانت محطة تركيا من أبرز محطاتها، إذ أثرت في رؤيتها الفنية وفتحت أمامها آفاقًا جديدة. أكثر ما بقي محفورًا في ذاكرتها الفنية هو لوحة لمعلم تاريخي أهْدتها لأخيها قبل شهر من وفاته، فغدت تلك اللوحة شهادة حب ووداع في آنٍ واحد.

 

التكريمات التي حصلت عليها، من مراكش وأبي الجعد، كانت بمثابة اعتراف صادق من فنانين مغاربة، لكنها تؤمن أن التقدير الحقيقي هو حين يُفهم العمل ويُحس به. لا تزال تحتفظ بمعظم لوحاتها، إذ ترى فيها جزءًا من روحها، لم تهدِ سوى لوحتين، وباعت واحدة فقط. فهي تعتبر الفن رسالة لا سلعة.

 

تؤمن أمينة بأن الفن التشكيلي قادر على إحداث تغيير داخل المجتمع، فهو يفتح بابًا للتأمل والتفاعل، ويمنح الإنسان وسيلة للتعبير الراقي. تحلم بإنشاء مدرسة مجانية للفن التشكيلي موجهة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حلم يحمل أبعادًا إنسانية وتربوية، تتجاوز الريشة واللوحة إلى القيم.

 

ترى أن التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تطوير الفن التشكيلي، شرط أن تُوظف بوعي، وقد استفادت من التصوير الفوتوغرافي في خلق لوحات واقعية عالية الجودة من حيث التكوين والمنظور. تجربتها مع إنجاز الأعمال بطلب خاص كانت مؤثرة، خاصة لوحتها عن اليتيم الذي يرى أمه ترحل، والتي تركت أثرًا وجدانيًا عميقًا.

 

تحلم يومًا أن تعرض أعمالها في متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، وتطمح أن تُخصص قاعات عرض بأثمنة مناسبة للفنانين المستقلين، مع تنظيم معارض موازية خلال المهرجانات الفنية. رسالتها الأخيرة للفنانين الناشئين هي التشبث بالركائز الفنية وعدم اللهث خلف الشهرة على حساب الجوهر.

 

أمينة الشناني ليست فقط فنانة، بل امرأة اختارت أن تولد من جديد عبر الريشة، أن تُقاوم النمط وتُجدد ذاتها عبر اللوحة، فصارت فنًّا يمشي على الأرض، يحمل الوطن في تفاصيله، ويترجم الحياة بكل ما فيها من حنين، وجمال، وألم.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء

فاطمة الغريسي… حين تتكلم الألوان بصدق الروح

فاطمة الغريسي… حين تتكلم الألوان بصدق الروح

 

✍️ هند بومديان

في مدينة الرباط، حيث تلتقي حداثة الحاضر بعبق التاريخ، ولدت وترعرعت الفنانة التشكيلية فاطمة الغريسي. ورغم أن مسارها الدراسي توقف عند المرحلة الإعدادية، فإن مسارها الفني لم يعرف سقفًا ولا حدودًا. فهي فنانة عصامية اختارت أن ترسم من قلبها، وأن تجعل من كل لوحة حكاية تنبض بالذاكرة والحنين.

بدايتها مع الفن لم تكن صدفة، بل نداء داخلي استجابت له منذ سنة 2010، حين أمسكت بالقلم لترسم وجهًا دون أن تدري لماذا، لكنها كانت تشعر بنشوة غريبة وسكينة لا توصف. من هناك بدأت الرحلة، ومن هناك بدأت تتعرف على ذاتها من خلال الألوان.

تأثرت فاطمة بالمدرسة العفوية، خاصة بأعمال الفنانة الراحلة الشعيبية طلال، حيث لمست فيها ذلك الصدق العفوي والبساطة الآسرة التي تنتمي إلى وجدان الإنسان المغربي. ومن هنا، صارت لوحات فاطمة تحمل سمات خاصة: ألوان زاهية، وجوه معبرة، وحضور قوي للتراث المغربي، من لباس تقليدي، أعراس، وعادات بدأت تتلاشى من الذاكرة الجماعية.

رغم عدم تلقيها لأي تكوين أكاديمي، فإن فاطمة اختارت طريق التعلم الذاتي، عبر التجريب والملاحظة، وأهم من ذلك عبر الإصغاء إلى روحها. تعتبر الرسم وسيلة بوح صامتة، تنقل من خلالها حكايات النساء، وتقاطع الفرح بالحزن، والحنين بالرجاء.

تفضل الرسم في سكون الليل، حين تختفي الضوضاء وتعلو أصوات الذاكرة. أما موادها المفضلة فهي صباغة الأكريليك والزيت، ترسم على “لطوال”، وتترك للوحة أن تنمو كما تنمو نبتة في تربة خصبة بالمعاني.

شاركت في عدة معارض جماعية داخل المغرب، إضافة إلى مشاركات افتراضية خلال جائحة كورونا، وهي تؤمن بأن الفن لا يحتاج لجدران بل لقلوب تنصت. لم تتلق دعمًا من أي جهة، لكنها صنعت بصمتها بجهدها وحب الجمهور، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ترى في مدينة الرباط مصدر إلهامها الدائم، وتحلم بأن تُعرض أعمالها يومًا ما في رواق باب الرواح، وفي معارض خارج أرض الوطن، لتصل رسالتها إلى أوسع مدى.

الفن بالنسبة لفاطمة هو أداة للتغيير الداخلي قبل أن يكون وسيلة تعبير خارجي. وهو كما تقول: دواء للروح، وزرعٌ للسلام، وتذكرة حب للحياة.

عند سؤالها عن السبب الذي يدفعها للرسم، تُجيب ببساطة ناطقة:
“لأني لا أعرف أن أعيش دون ألوان”.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

ماريا رشيد…بين العفوية و التأمل ..حكاية لون ينبض من الداخل

بين العفوية و التأمل حكاية لون ينبض من الداخل

✍️ هند بومديان

ماريا رشيد ، فنانة تشكيلية عصامية تقيم بدار بوعزة، اختارت أن تخوض غمار الفن دون بوابة المؤسسات الأكاديمية، بل جعلت من مزاجها النفسي وبصيرتها الفنية بوصلتها الوحيدة. انطلقت رحلتها مع الفن من أعماق ذاتها، بدافع داخلي عميق لا يعرف التخطيط ولا القوالب الجاهزة، بل ينبض بحرية التعبير وصدق الإحساس. لم تكن اللحظة الأولى التي حملت فيها الريشة عادية، بل كانت إعلان انتماء لعالم بات منذ ذلك الحين مرآة لروحها، وملاذًا تهرب إليه من صخب الواقع.

تجربتها نمت من الموهبة والتعلم الذاتي، وساعد في صقل بداياتها الفنان التشكيلي السيد هواري أحمد، الذي لم يكن فقط صديقًا بل مصدر إلهام ومعرفة. رغم ذلك، حافظت على أسلوبها العفوي وابتعدت عن التقييد بأي منهج أكاديمي صارم. انجذبت إلى الأسلوب “النايف”، الذي يترك مساحة واسعة للتعبير الصادق ويمنح الفنان حرية التجريب والانفلات من قيود التقنية.

لا تزال تتذكر أول عمل فني أنجزته، وقد كان بتشجيع من صديقاتها المقربات. لاقى هذا العمل استحسانًا كبيرًا من فنانين وجمهور، ما شكل دفعة قوية لها للاستمرار. مع مرور الوقت، تطور أسلوبها الفني تدريجيًا، بدأ بالألوان الزيتية ثم استقر على الأكريليك، لما توفره من مرونة وسهولة في التحكم، دون أن يفقد العمل عفويته. أعمالها اليوم تحمل بصمات مراحل متعددة، لكنها تظل دومًا وفية لمزاجها الشخصي كعنصر ثابت.

تميز أعمال رشيد ماريا بصدقها وعفويتها. هي لا ترسم بمنهج تقني محدد، بل تفتح المجال للإحساس أن يقود، وللتقنية أن تتشكل كأداة تخدم التعبير. الأكريليك يبقى خيارها المفضل لأنه يمنحها حرية تشكيل الطبقات والتلاعب بالألوان دون عناء. لوحاتها ليست فقط تشكيلًا بصريًا، بل رسائل صامتة تنبض بمشاعرها وتجاربها، فهي تعبير عن حالات نفسية لا تُقال بالكلمات، بل تُحس وتُرى. لحظة الإبداع بالنسبة لها لحظة انعتاق وصفاء داخلي، قد تُرافقها موسيقى هادئة أو صمت مطلق، لكنها دومًا لحظة تصالح مع الذات.

رغم أن مشاركتها في المعارض ظلت محدودة ولم تتاح لها فرص العرض في تظاهرات وطنية كبرى، إلا أن دعم صديقاتها والجمهور المحيط بها كان كافيًا ليمنحها الثقة في قدرتها على المضي قدمًا. لم تتلق دعمًا من أية مؤسسة، لكنها اعتمدت على إصرارها وحبها للفن، ما جعل تجربتها أكثر صدقًا. الطبيعة في تايلاند، وحديقة “Garden” في دبي، كانتا مصدرَي إلهام عميق لها، أثرتا في اختياراتها الجمالية وسكنت ألوانها ومضامينها.

تحلم الفنانة بأن تجد أعمالها يومًا ما مكانًا لها خارج حدود المغرب، وأن تلتقي بفنانين من ثقافات مختلفة، ليكون تبادل الرؤى والإلهام بوابة جديدة نحو التجدد. ترى أن المشهد التشكيلي في المغرب غني ومتنوع، لكن ينقصه الاعتراف والدعم المؤسسي للفنانين، كالحصول على بطاقة الفنان التي تسهل المشاركة في الفعاليات والتواصل مع العالم.

بالرغم من أنها لم تشارك بعد في معارض دولية، فإنها تقرأ باهتمام ردود الفعل وتدرك أن الجمهور الدولي قد يكون أكثر انفتاحًا على أسلوبها العفوي والنايف. تايلاند، بطبيعتها الخلابة، تركت أثرًا وجدانيًا عميقًا على رؤيتها الفنية، كما أن لوحاتها لم تنل جوائز رسمية بعد، لكنها ترى في كل عمل يُنجز من أعماقها تكريمًا حقيقيًا لرحلتها الذاتية.

ماريا واعية بتحديات المرحلة، وترى أن التكنولوجيا والفن الرقمي هما آفاق جديدة تفكر في خوضها لاحقًا. لا تخشى النقد، بل تستقبله كفرصة لفهم رؤى الآخرين. أنجزت العديد من الأعمال بطلب من أشخاص تعرفوا عليها من خلال منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا فيسبوك، وكان تفاعل الناس مع أعمالها دافعًا قويًا لمواصلة الرسم.

أقرب الأعمال إلى قلبها هي تلك التي وُلدت من لحظات عاطفية عميقة، لأنها تجسد أصدق مشاعرها. ورغم أنها أحيانًا تفضل إهداء لوحاتها، خاصة للأطفال والمرضى والمحتاجين، إلا أن بيع الأعمال يبقى ضرورة للاستمرار. تحلم بأن تعرض أعمالها يومًا ما في معارض عالمية كبرى، حيث يمكن لألوانها أن تحكي قصصها أمام جمهور متنوع.

في نهاية هذا الحوار، تعبر رشيد ماريا عن رغبة لطالما راودتها: أن تُمنح الفرصة لعرض أعمالها أمام جمهور مباشر، دون حواجز، بشغف ومحبة، لتروي ألوانها ما تعجز الكلمات عن قوله.


 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

آسية سلافي: حين يتحول الفن إلى مرآة الروح

 

آسية سلافي: حين يتحول الفن إلى مرآة الروح

 

✍️ هند بومديان

 

في مدينة سلا المغربية، تقيم الفنانة التشكيلية آسية سلافي، حيث تنسج لوحاتها بحس مرهف وتجربة متراكمة، تجعل من كل عمل فني لحظة تأمل واحتفاء بالجمال.

ولدت وترعرعت في مدينة فاس، تلك المدينة التي تمتزج فيها الأصالة بالمعاصرة، لتكون مهد الإلهام الأول بالنسبة لها. نشأت في بيت يفيض بالفن، حيث كانت والدتها متقنة لفن الطرز الرباطي، فيما بدأت آسية رحلتها في التعبير عن ذاتها من خلال الطرز الفاسي و”طرز النطع”، قبل أن تجد في الفن التشكيلي لغتها الحقيقية.

لم تتلقَّ آسية سلافي تكوينًا أكاديميًا في كليات الفنون، بل صنعت طريقها بموهبة فطرية مدعومة بتكوينات خاصة في مدارس فنية، وأخذت تتطور عبر البحث الذاتي والتجريب الدائم. تأثرت في بداياتها بأعمال الشعيبية طلال، وبالفن السريالي كما يتجلى في عالم سلفادور دالي، إضافة إلى حضور واضح للمدرستين التكعيبية والواقعية في أعمالها.

تُعرف لوحات آسية سلافي برمزيتها العميقة وطابعها التعبيري الحالم، وهي لا تتبع منهجًا تقنيًا صارمًا، بل تترك لنفسها حرية التجريب والإبحار مع اللحظة الإبداعية. الصباغة الزيتية هي خامتها المفضلة، لما تمنحه لها من مرونة وكثافة تعبيرية.

بالنسبة لها، لحظة الإبداع تشبه الحلم، وتعيشها بكامل الحواس، في طقس خاص تحفه الموسيقى والصمت الداخلي. لوحاتها لا تعكس فقط تجاربها، بل تكشف عن عمق ذاتها، وغالبًا ما تكتشف مشاعرها الحقيقية بعد الانتهاء من العمل الفني.

منذ أول معرض جماعي لها بمدينة سلا، تابعت آسية سلافي مسيرتها بعزيمة وإصرار، وشاركت في العديد من المعارض الوطنية في مدن مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش وغيرها. تلقت دعمًا من جمعيات فنية ساعدتها على صقل مهاراتها وتوسيع آفاقها، كما نالت أكثر من ثلاثين شهادة تقديرية، تؤكد حضورها الفني المؤثر.

ورغم عدم مشاركتها بعد في معارض دولية، فإنها تطمح لعرض أعمالها في قاعات عالمية كبرى بإسبانيا أو فرنسا، أو حتى داخل قصر الباهية بمراكش، في احتفاء بجذورها وهويتها الفنية.

تؤمن آسية سلافي بأن الفن قادر على إحداث التغيير، إذ يعزز الذوق الجمالي، ويطرح أسئلة وجودية تُحفّز التفكير المجتمعي. كما ترى أن التكنولوجيا اليوم أصبحت أداة مساعدة، وتفكر في دمج بعض تقنياتها في أعمالها مستقبلاً.

تحلم آسية بتنظيم معرض فردي كبير يُجسد خلاصة تجربتها الفنية.

فهي، رغم التحديات، لم تفقد يومًا شغفها، لأنها تعتبر أن الفن ليس فقط وسيلة للتعبير، بل طريقتها لفهم الحياة والوجود، ومصدر سلامها الداخلي.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

ليلى لحلو … من معادلات الفيزياء إلى ألوان الروح

ليلى لحلو من معادلات الفيزياء إلى ألوان الروح

✍️ هند بومديان

 

من قلب مدينة الدار البيضاء، تبرز الفنانة التشكيلية ليلى الحلو كصوت فني اختار أن يشق طريقه بحرية، دون قوالب أو قيود. تركت خلفها معادلات الفيزياء لتمنح الألوان مكانها الطبيعي في حياتها، مدفوعة بشغف لم يخفت منذ الطفولة، ووعيٍ بأن الفن ليس ترفاً، بل حاجة روحية ووجودية.

 

لم تكن رحلتها سهلة ولا ممهدة، فهي لم تتخرج من معهد للفنون ولم تتلق تكوينًا أكاديميًا تقليديًا، بل اختارت التعلم الذاتي، شاركت في ورشات تقنية، وراكمت خبرة من خلال التجريب المتواصل والاحتكاك المباشر بعوالم الفن. تأثرت في بداياتها بالمدارس الأوروبية، وخصوصًا فترة إقامتها في فرنسا، حيث شدت انتباهها أعمال موديغلياني وسيزان، لكن سرعان ما عاد الحنين لرموز الذاكرة المغربية، للون الأرض، لجدران فاس العتيقة، وللحنين البعيد الذي تسكنه التفاصيل.

 

ترفض ليلى أن تحبس نفسها في أسلوب محدد، تؤمن بأن الفنان الحقيقي لا يتوقف عن التجريب، لذلك تتأرجح أعمالها بين الواقعية والتجريد، تارة تحمل رمزية صوفية وتارة تغوص في عمق الإنسان، بتشظيه وحيرته واندهاشه. تشتغل بالأكريليك غالبًا، وتلجأ أحيانًا لمواد مسترجعة تعبيرًا عن موقفها البيئي، معتبرة أن الفن ليس فقط إبداعًا بصريًا، بل مسؤولية ورسالة تجاه العالم.

 

ما يميز أعمالها هو ارتباطها بالهوية دون الوقوع في فخ الفولكلور، تستحضر الرموز الأمازيغية، النقوش، الألوان الحارة، والمرأة كمركز قوة وألم وجمال. لا ترسم المرأة كجسد، بل ككيان يحمل الحكاية كلها، بحزنها، بصبرها، بثقلها الداخلي الذي لا يُرى في الصور النمطية.

 

بخطى ثابتة، بدأت تشق طريقها في المعارض، من أول مشاركة جماعية كان وقعها عليها عميقًا، إلى مشاركات وطنية عديدة جعلت اسمها يحضر في المشهد الفني المغربي. ورغم غياب الدعم المؤسساتي، تواصل العمل والمثابرة، تؤمن بأن الإبداع لا ينتظر الإذن من أحد، بل يصنع لنفسه مكانًا ولو في الهامش.

 

تطمح للوصول إلى العالمية، لا من باب الشهرة الفارغة، بل من باب الإيمان بأن الفن لغة تتجاوز الحدود. تقتنع بأن اللوحة الصادقة تصل، ولو بعد حين، وأن العالم يحتاج أكثر من أي وقت مضى لصوت نسائي حر، متجذر، ومتشبث بخصوصيته دون انغلاق.

 

ليلى الحلو ليست فقط فنانة، بل قصة عن الجرأة في اتباع النداء الداخلي، عن امرأة وجدت خلاصها في الألوان بعد أن ضاقت بها المعادلات، فاختارت أن ترسم الحياة كما تراها: مشوشة، صاخبة، صادقة، ومليئة بالضوء الذي يخرج من قلب العتمة

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء

رشيدة الجوهري.. أنامل تصوغ الحلم وألوان تحاكي الروح


رشيدة الجوهري.. أنامل تصوغ الحلم وألوان تحاكي الروح

 

✍️هند بومديان

من قلب الدار البيضاء، تنبثق لوحات رشيدة الجوهري كما تتفتح أزهار الربيع على مهل، لكنها لا تنبت من فراغ، بل من جذور ضاربة في عشق الجمال وعمق التجربة الإنسانية. فالفن عند رشيدة ليس هواية عابرة ولا بحثًا عن مجدٍ عابر، بل هو مسار حياة ابتدأ منذ نعومة أظافرها حين كانت تقلّد رسومات والدتها، وتشاركها كتب التلوين بشغفٍ طفولي نما ليصبح هوية وتعبيرًا ذاتيًا عن الأحاسيس والتقاليد والأصالة المغربية.

رشيدة لم تكتفِ بالموهبة، بل طلبت العلم لتصقلها. في عام 1998، اختارت طريق التكوين الأكاديمي داخل المركبات الثقافية، رغم أن تلك البرامج كانت موجهة للأطفال، إلا أنها فتحت لنفسها ولمن حولها بابًا جديدًا، باب الفن الواعي والمنضبط، بإشراف أساتذة أكفاء من مدارس عليا للفنون. وبعد سنوات من العمل في وزارة المالية، عادت إلى مرسمها بقلب المتفرّغ وأصابع لا تزال تنبض بالحياة، لتغوص في عوالم الواقعية والانطباعية والتجريد، مخلصة للتفاصيل والرسائل الكامنة خلف كل ضربة فرشاة.

لوحات رشيدة لا تُبنى إلا في صمت. فخلف كل عمل لحظة صفاء وتأمل داخلي، حيث تختار المقاس بعناية، والألوان بعاطفة، والتقنيات بدقّة. تميل للصّباغة الزيتية لما تمنحه من حرية وعمق تعبيري، وتحاول أن تكون كل لوحة صدىً لحالة شعورية، أو احتفاءً برمز من رموز الأصالة المغربية.

شاركت رشيدة في معارض عديدة داخل المغرب وخارجه، لكن تجربتها في لندن شكّلت علامة فارقة، حيث نالت الميدالية الفضية في مسابقة دولية، وهو تتويج لموهبة ظلت لسنوات طويلة تحفر مسارها بهدوء وثبات. أما داخل الوطن، فالمعارض التي نظمتها هند بومديان تمثل بالنسبة لها محطات احترافية ذات طابع خاص، لما جمعته فيها من فن وذوق ورقي في التنظيم.

تؤمن رشيدة بأن الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة تهذيب وعلاج للنفس، ورسالة تربوية تسمو بالذوق العام، ولهذا لا تتردد في تكوين المتقاعدين بالجمعيات، لتمنحهم فسحة من الإبداع بدل الفراغ. وبرغم غياب الدعم المؤسسي، فإنها مستمرة في الحلم، وفي طليعته إقامة معرض فردي فاخر يليق بلوحاتها.

الفنانة التي تفتتن بمراكش وألوانها وناسها البسطاء، لا ترى في الفن مجرد متعة بصرية، بل أداة حضارية وتربوية يمكن أن تغيّر المجتمع نحو الأفضل، فقط لو آمن به الناس، ومنحوه ما يستحق من تقدير.

رشيدة الجوهري.. فنانة عصامية، ترسم لا لتملأ الجدران، بل لتمنح الأرواح بعضًا من الأمل، وبعضًا من الحنين، وكثيرًا من الجمال.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء مجتمع

أكاوْن عبد الرحمن.. حين تتمرد الألوان على المألوف وتتنفس الروح الأمازيغية

أكاوْن عبد الرحمن.. حين تتمرد الألوان على المألوف وتتنفس الروح الأمازيغية

 

✍️ هند بومديان

في قلب الجنوب المغربي، وتحديدًا من تالوين بإقليم تارودانت، وُلدت موهبة فنية صقلتها الفطرة وغذّاها عشق الجمال، لتتحول إلى بصمة متفرّدة في عالم الفن التشكيلي. إنه الفنان أَكاوْن عبد الرحمن، المعروف فنيًا باسم “أكاوْن”، والذي اختار أن يعبّر عن رؤيته للعالم من خلال الألوان والرموز المستوحاة من عمق الثقافة الأمازيغية.

بدأت رحلته مع الفن منذ ثمانينيات القرن الماضي، غير أن التحول الحقيقي جاء في أواخر التسعينيات، حين شعر أن انتماءه لهذا العالم لم يكن خيارًا بل نداء داخليًا. لم يتلقَ تكوينًا أكاديميًا، بل اعتمد على موهبته الفطرية التي لازمته منذ الطفولة، لتكون دليله في مسار عصامي لا يخلو من التحديات والانتصارات.

تأثر أكاون بالمدرسة التجريدية، وخصوصًا بالراحل الفنان الزين، غير أنه لم يقف عند حدود الاقتداء، بل صاغ أسلوبه الخاص القائم على التمرد على الألوان الكلاسيكية، والميل الدائم للتجريب، مستعملًا موادًا طبيعية مثل الحناء، الزعفران، والخشب. بالنسبة له، الطبيعة ليست فقط مصدر إلهام، بل موطن أول وأخير.

تعكس أعمال أكاون رسالة فنية وثقافية عميقة، تحمل في طيّاتها رموزًا أمازيغية وصدىً لتجارب إنسانية ذاتية، تتجلى بوضوح في لوحاته التي تشكّل مرآة لصفائه النفسي ولحظات تأمله التي ترافقها أنغام ناس الغيوان. ومن أبرز ما يعتز به، لوحة بالأبيض والأسود أنجزها خلال فترة الحجر الصحي، والتي يعتبرها أقرب أعماله إلى قلبه.

مسيرته الفنية، رغم اعتمادها الكلي على الجهد الذاتي، لم تكن خالية من التقدير، فقد عرض أعماله أول مرة بشكل عفوي ضمن حفل زفاف، لتتوالى المشاركات لاحقًا في فعاليات وطنية، أبرزها: معرض عيد الحب، فعالية “هندا بلانكا”، ومهرجان ثقافي دولي حضره سفراء وجمهور واسع. كما كانت له تجربة دولية مهمة بمعرض بالإسكندرية، كانت بمثابة انفتاح جديد على جمهور يُقدّر الفن.

يرى أكاون أن قصبة تالوين تشكل مصدر إلهام دائم له، وأن الفن المغربي له صيت عالمي، لكنه يأسف لغياب التقدير الكافي داخل الوطن، ما يعرقل تسويق اللوحات ويحدّ من الحضور المحلي للفن. ورغم هذا، لم يتوقف عن الحلم، إذ يطمح لامتلاك معرض فني خاص به، وأن يعرض أعماله يومًا ما في المتحف الوطني بالرباط، وفي أحد المتاحف الإيطالية المرموقة.

بالنسبة له، لا يقاس الفن بالمال، بل بالمحبة التي ترافقه، لذا يفضّل الإهداء على البيع. وهو يرى أن الفن التشكيلي ليس فقط وسيلة للتعبير، بل طريق للارتقاء بالوعي والروح، ونصيحته لكل فنان ناشئ هي: الاستمرارية والمثابرة هما السلاح الأقوى للفنان الحقيقي.

بهذه الروح الحرة، وبريشة لا تعرف القيود، يواصل أكاون عبد الرحمن رسم طريقه، مؤمنًا بأن الفن الحقيقي لا يموت، بل يظل خالدًا في تفاصيل لوحاته وفي قلوب من يقدّرون الجمال الصادق.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء جهات مجتمع

حسن السلكي … حين يتحول الشغف إلى حياة

حسن السلكي.. حين يتحوّل الشغف إلى حياة

✍️ هند بومديان

في مدينة اليوسفية، حيث تنبع من الأرض حرارة الفوسفاط وتفاصيل العيش البسيط، وُلد الفنان حسن السلكي، الذي اختار أن يُعرف بين محبي الفن بـ”السلكي”. لم يكن الفن بالنسبة له مجرد هواية عابرة، بل كان منذ الطفولة مرآة داخلية، ومتنفسًا خفيًا، ولغة لا تشبه باقي اللغات.

منذ بداياته، كان السلكي طفلًا يحدّق في الأشياء من زوايا مختلفة، يحمل القلم والفرشاة لا كتقليد، بل كطقس روحي يمنحه الطمأنينة. لم يتلقَّ تكوينًا أكاديميًا، بل سلك درب التجريب والتكوين الذاتي، متكئًا على الشغف والملاحظة والانغماس الكلي في اللون والملمس والحدس.

تأثر السلكي بالمدرسة التجريدية، التي وجد فيها حريته، وسافر عبر لوحاتها إلى عوالم لا تُرى بالعين المجردة. منذ أول بورتريه رسمه، وهو يشعر بأن الفن اختاره كما اختاره، وأن كل لحظة من عمره صارت لونًا على قماشة من روحه.

تميّز أسلوبه الفني بالجرأة اللونية، ميّالًا إلى الألوان الصاخبة كالأحمر والأصفر، يشتغل على الإحساس قبل الشكل، ويحرص على أن تكون لوحته فضاءً للتأمل أكثر من كونها رسالة جاهزة. لا يقيّد نفسه بمادة واحدة، بل يشتغل على الزيت، الأكريليك، الفحم… فكل خامة عنده تحمل احتمالًا جديدًا للبوح.

عبر مساره، تطوّر أسلوبه من التمرد إلى النضج، ومن البحث إلى التوازن، دون أن يتنازل عن روح التجريب والتجدد. لحظات الإبداع عنده لا تُفتعل، بل تحتاج فقط لصمت ومكان يشبهه، حينها يصبح العمل الفني امتدادًا لروحه، وقطعة من سيرته الذاتية.

عرض الفنان حسن السلكي أعماله في الفضاءات المفتوحة أولًا، ثم شارك في معارض فردية وجماعية ومهرجانات فنية في مدن مغربية عدة. لم يستفد من دعم مؤسساتي، لكنه صنع مساره بالكد والتصميم. يرى في مدينة اليوسفية مصدر إلهامه الأول، ويحمل لها حبًا خاصًا لأنها منحته البدايات.

امتدت تجربته إلى الخارج، حيث شارك في معارض دولية جعلته يعيد النظر في مفاهيم الفن والهوية، وتأثر كثيرًا بتجارب فنانين أفارقة وجدهم ينحتون الجمال في الشارع ببساطة وصدق. رغم حصوله على جوائز فنية متعددة، يؤمن أن الفن ليس وسيلة للجوائز، بل هو حياة كاملة تثمر مع الوقت.

يحلم الفنان حسن السلكي بإنشاء مركز مفتوح للفن الحر، يُتيح الإبداع والتكوين للفنانين الناشئين. يرى في التكنولوجيا فرصة لتطوير التجربة الفنية، ويفكر في إدماج الفن الرقمي في أعماله القادمة.

الفن عنده ليس سلعة فحسب، بل رسالة. يحب أن يهدي بعض لوحاته لمن يقدّرها حقًا، لأنه يراها جزءًا من ذاته. وهو يؤمن أن الفن التشكيلي قادر على إحداث التغيير، لأنه يحرّك الوعي ويزرع الاختلاف والجمال في المجتمع.

أما عن اللحظة التي أنقذه فيها الفن، فيقول: “في كل مرة أمسكت فيها بالفرشاة وأنا محطم، كان الفن يرمم داخلي بصمت، ويعيدني إلى الحياة.”

هكذا يمضي الفنان حسن السلكي في رحلته، فنانًا حرًّا، عصاميًا، يؤمن بأن الجمال ليس في اكتمال اللوحة، بل في الحكاية التي تحملها الألوان حين تنبض بالحياة