Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

أن تكون فلسطينياً حين تُستدعى أمنيّا: في انحطاط الخطاب الحقوقي وتحوّلات النضال الرمزي!

مع الحدث

المتابعة ✍️ : عبدالقادر العفسي 

 

 

في البيان الأخير الصادر عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعرائش، لا نقرأ مجرد تضامن حقوقي مع شخص يخضع لإجراءات قانونية، بل نُواجه محاولة متقنة لتحويل العدل إلى خطاب رمزي، تُدبر فيه السلطة الرمزية بذكاء ضار، ويُعاد توزيع أدوار الفاعلين داخل الحقل الاجتماعي، حيث تغدو الدولة جهازًا قمعيًا مبدئيًا، والمتهم مقاومًا بالقوة، والنضال فعلًا يُكتسب بأثر رجعي من مجرد تظاهرة قديمة.

 

إن ما نشهده هنا ليس دفاعًا عن حرية التعبير، بل عن “حق مكتسب في النضال” يُفترض أنه يُحصّن صاحبه من أي متابعة أو نقد ،وكأن الانتماء لقضية كبرى يمنح امتيازات أبدية ترفع صاحبها فوق القانون، وتجعل من أي استدعاء أو متابعة قراءة ضمنية في خانة الاستهداف السياسي، ذلك أن خطاب الجمعية لا يُجادل في الوقائع، ولا يُفنّد التهم أو يُسائل المساطر، بل يقفز فوق كل ذلك ليستنجد بمجاز سياسي سهل: فلسطين، التطبيع، القمع، المؤامرة.

 

هذه الاستعارات الجاهزة تشكل بنية لغوية لا تُريد الحقيقة بل تُنتج شرعية رمزية، إنها لا تطرح سؤالًا حول الواقعة بل تُشيّد حولها سردية تُغلق باب النقاش، فحين يُصبح الشاهد الأمني خصمًا بالضرورة، ويُعتبر الموظف العمومي أداة للترهيب فقط لأنه يُمثّل الدولة، فإننا أمام خطاب لا يُطالب بالعدل بل يُصنّف العدل نفسه كامتداد للقمع.

 

نحن هنا بإزاء انقلاب في منطق الدولة: بدل مساءلة السلطة، يُعاد إنتاج خطاب يُلغي مشروعيتها في ذاتها، ويجعل من كل أدواتها أعداء للحرية.

 

لكن المعضلة الأعمق ليست في البيان ذاته، بل في الخلفية الإبستمولوجية التي يتحرك منها: إننا أمام جمعية لا تُمارس الحقوق كمبدأ كوني، بل كأداة انتقائية، تُستحضر حين يكون المنتسب من داخل الحظيرة، وتُغيب حين يكون المواطن عادياً لا يملك لغة النخبة ولا رأس مال رمزي،إننا هنا أمام ما يمكن تسميته بـ”الرأسمال النضالي الرمزي”، حيث لا تُقاس العدالة بحجم الانتهاك بل بمدى قدرة الضحية على الانتماء إلى رمزية أكبر: فلسطين، مقاومة، يسار، إلخ… ومن لا يملك هذا المعجم يُرمى في الهامش، حتى وإن كان يتعرض للظلم يوميًا.

 

في مثل هذا السياق، تغدو فلسطين – بكل رمزيتها ومأساتها – أداة في يد من يريد الإفلات من الرقابة والمحاسبة، تُوظّف لا كقضية تحرر، بل كمظلة خطابيّة للهروب من سلطة القانون، هذا توظيف فجّ للقيم الكونية في لعبة محلية ضيقة، تُعيد إنتاج الاستثناء داخل الحقل الحقوقي ذاته، إنها مفارقة قاسية: أن يُستعمل شعار مقاومة الاستعمار لتبرير العدوان على مؤسسات الدولة التي تمثل، رغم هشاشتها، الحد الأدنى من العقد الاجتماعي.

 

هذه البنية الخطابية لا تُنتج تضامنًا حقيقيًا، بل نوعًا من “التضامن الانتقائي”، محكوم بشروط الانتماء لا بشروط الحقيقة، وهو ما يجعل هذا النمط من الجمعيات أشبه بطبقة كليركلية حديثة، تتكلم باسم الشعب دون أن تستشعره، وتوظف المعاناة كعملة رمزية لتأكيد حضورها في مشهد سياسي تغيب عنه المشروعية الحقيقية.

 

إننا اليوم في حاجة إلى مساءلة هذا النمط من الممارسة الحقوقية، لا من موقع الدفاع عن الدولة، ولكن من موقع الدفاع عن فكرة الدولة، كفضاء ممكن للعدالة، لا كشيطان دائم.

 

الدفاع عن فلسطين لا يجب أن يتحول إلى درع واقٍ من المحاسبة، ولا إلى ترخيص ضمني بالاعتداء على موظف عمومي فقط لأن رواية الواقعة لا تُعجب الجماعة! فذلك في جوهره ليس انحطاطًا أخلاقيًا فحسب، بل تقويضًا صريحًا لمعنى النضال نفسه، الذي يجب أن يُبنى على الوضوح لا على ازدواجية المعايير.

 

ما نحتاجه هو إعادة تأسيس للخطاب الحقوقي، تحريره من سطوة الطهرانية الرمزية، ومن وهم أن من يتكلم باسم القضايا الكبرى لا يُخطئ، ففي كثير من الأحيان، يتخفى الطغيان الصغير في عباءة الثورة، ويتحدث القمع بلغة التحرر، ويُحكم على الحقيقة لا بحججها، بل بحجم صمتها.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

رئيس مجلس النواب يستقبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية والاندماج الجهوي ببرلمان غانا والوفد المرافق له

مع الحدث/ الرباط

المتابعة : مجيدة الحيمودي

 

استقبل رئيس مجلس النواب، السيد راشيد الطالبي العلمي، اليوم الإثنين 19 ماي 2025 بمقر المجلس في الرباط، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والاندماج الجهوي ببرلمان غانا السيد Alfred Okoe Vanderpuije، الذي يقوم حاليا بزيارة عمل للمملكة المغربية على رأس وفد برلماني رفيع المستوى.

خلال هذا اللقاء، نوّه السيد رئيس مجلس النواب بقرار وموقف جمهورية غانا الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مؤكداً أن العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد دينامية متجددة على مختلف الأصعدة، لاسيما على المستوى البرلماني.

واستعرض السيد الطالبي العلمي، في هذا السياق، الرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لتعزيز التعاون جنوب-جنوب مع الدول الإفريقية، مشيراً إلى عدد من المبادرات الملكية الرائدة، من بينها مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، فضلاً عن مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.

من جانبه، عبّر السيد Alfred Okoe Vanderpuije عن اعتزازه بزيارة المملكة المغربية، مؤكداً أنها تعكس عمق روابط الصداقة التاريخية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين. كما أبرز حرص بلاده على توطيد علاقات التعاون مع المغرب في مجالات متعددة، تشمل الفلاحة، والتجارة، والاستثمار، والنقل الجوي، والتعليم، والشغل، والتنمية المستدامة وغيرها.

وشكل هذا اللقاء، الذي حضرته سفيرة جمهورية غانا لدى المملكة، السيدة Charity Gbedawo، مناسبة لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المؤسستين التشريعيتين، وإعطاء دفعة جديدة لعمل مجموعتي الصداقة البرلمانية المغربية الغانية.

ويضم الوفد البرلماني الغاني كلاً من :السيد Norgbey Ernest Henry، نائب رئيس لجنة الدفاع والداخلية،والسيد Cletus Seidu Dapilah، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والاندماج الجهوي، والسيد Peter Lanchene Toobu، نائب رئيس لجنة الدفاع والداخلية، والسيد Samuel Abulai Jinapor، عضو لجنة الشؤون الخارجية والاندماج الجهوي، والسيدة Asiedu Ida Adjoa، عضو لجنة الدفاع والداخلية، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين والأطر الإدارية.

_____________

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء سياسة مجتمع

ماستر بثمن… التعليم في قبضة السماسرة

 

ماستر بثمن… التعليم في قبضة السماسرة

 

✍️ هند بومديان

في صمتٍ مريب، يتآكل ما تبقى من ثقة المواطن في المنظومة التعليمية، بعدما أصبحت شواهد الماستر تُمنح لا بناءً على الكفاءة، بل بناءً على القدرة على الدفع. لم تعد النُخبة تُصنع في قاعات المحاضرات، بل في دهاليز مظلمة يتقاطع فيها المال مع النفوذ، والطموح مع الابتزاز.

 

سماسرة الشهادات باتوا معروفين بالاسم في بعض الجامعات. يتحدث الطلبة عنهم كما يُتحدث عن وسطاء العقار أو تجار السيارات. لهم تسعيرة، و”قائمة زبائن”، وعلاقات ممتدة داخل الإدارة. كل شيء يُدار بلغة المال: من استمارة التسجيل إلى المقابلة الشفوية، وحتى النجاح النهائي.

 

من يقف وراء هذه المهزلة؟

 

الماجستير الأكاديمي، الذي من المفروض أن يكون تتويجًا لمسار علمي رصين، صار أداةً للاستثمار غير المشروع. بعض الأساتذة فقدوا ضميرهم، وتحولوا من مربين إلى متواطئين، يُشرّعون لهذه التجارة الصامتة إما بالصمت أو بالتواطؤ.

 

وفي غياب الرقابة الحقيقية، صارت مباريات الولوج للماستر مشهداً عبثيًا، تتكرر فيه نفس السيناريوهات: طلبة يتحدثون عن “لوائح معدّة سلفًا”، ومقابلات تُجرى على عجل، بل أحيانًا لا تُجرى أصلًا، فيما نتائج النجاح تكشف عن أسماء لم تُعرف يومًا بتميزها الأكاديمي.

 

الضحية: الطالب، والمجتمع

 

في نهاية هذه السلسلة الفاسدة، هناك طالب مجتهد أُقصي، وحلم مشروع دُفن، ومستقبل وطن يُهدد بالانهيار. فحين يُقصى الكفء ويُكافأ المُتواطئ، فإننا نكرّس الرداءة ونزرع في نفوس شبابنا قناعة أن النجاح لا يُصنع بالجد، بل بالواسطة.

 

أما المجتمع، فيدفع الثمن لاحقًا: أطر غير مؤهلة، مؤسسات تسيرها كفاءات مزيفة، ومواطن يشعر أن بلده لم يعد ينصفه حتى في حقه في التعلّم النزيه.

 

من يوقف النزيف؟

 

إن الوضع لا يحتمل مزيدًا من التساهل. نحن أمام ظاهرة تهدد أمن التعليم، وتنسف مبدأ تكافؤ الفرص. الحلول تبدأ من:

 

فرض شفافية صارمة في مباريات الولوج، عبر التوثيق الكامل بالصوت والصورة.

 

تتبع مسارات الطلبة المقبولين والتحقيق في مدى شرعية قبولهم.

 

محاسبة كل مسؤول تورط في تسريب لوائح أو تسهيل البيع.

 

إحداث منصة وطنية للتبليغ عن الفساد الجامعي، بحماية قانونية للمُبلّغين.

 

 

خاتمة: كفى من اللعب بالنار

 

التعليم ليس سلعة، والماستر ليس لقبًا يُشترى. ما يحدث اليوم هو تخريب صامت لمستقبل أجيال كاملة، وتفريغ للعلم من قيمته. وإذا لم نتحرك اليوم، فإننا سنصحو غدًا على مؤسسات يقودها الجهل بأوراق رسمية.

 

فلنُوقف هذا العبث قبل أن يصبح إصلاحه مستحيلاً.

 

 

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

الجزء الخامس ضمن سلسلة مقالات تتناول موضوع: *”مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء”*. الحكم الذاتي ما بين الهيئة الناخبة وتأهيل النخب

مع الحدث 

المتابعة ✍️: د. مولاي بوبكر حمداني رئيس مركز التفكير الإستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية.

استكمالا لنشر الورقة المرجعية التي أعدها الدكتور مولاي بوبكر حمداني، المتخصص في العلاقات الدولية ورئيس مركز التفكير الإستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، على أجزاء، وتحت عنوان: “مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء”.
نضع بين يدي القراء الجزء الخامس الذي يتناول المدخلين المرتبطين بالهيئة الناخبة وتأهيل النخب.

المدخل المرتبط بالهيئة الناخبة: إشكالية التحديد بين الحق التاريخي ومتطلبات الحل السياسي

يطرح تنزيل مبادرة الحكم الذاتي، وخاصة في شقه المتعلق بإنشاء هيئات جهوية منتخبة (برلمان وحكومة جهوية) تتمتع بصلاحيات واسعة، مسألة حساسة ومعقدة من الناحية القانونية والسياسية والديمغرافية، وهي مسألة تحديد “الهيئة الناخبة” (Electorate)، أي مجموع الأشخاص الذين سيحق لهم المشاركة في انتخاب هذه الهيئات ومن ثم الاستفادة من الحقوق وتحمل الواجبات المرتبطة بنظام الحكم الذاتي.
فالهيئة الناخبة أو الجسم الشعبي الذي يحق له التعبير عن إرادته فيما يتعلق بمستقبل إقليم الصحراء بهذا المنحى تعد إحدى أكثر النقاط حساسية وتعقيداً في صلب النزاع، سواء في سياق خطط التسوية السابقة القائمة على الاستفتاء أو في إطار النقاش الحالي حول تنزيل حل سياسي قائم على الحكم الذاتي، إن تحديد “من” له الحق في المشاركة في تقرير مصير الإقليم أو في انتخاب هيئاته التمثيلية المستقبلية ليس مجرد مسألة إجرائية، بل يمس جوهر مبدأ تقرير المصير نفسه ويطرح إشكاليات قانونية وسياسية وديموغرافية عميقة الجذور.
وفي هذا الإطار، يكتسب الإحصاء الذي أجرته السلطات الاستعمارية الإسبانية عام 1974 أهمية قانونية وتاريخية مركزية، لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها عند مقاربة مسألة الهيئة الناخبة، فهذا الإحصاء، على الرغم من الانتقادات التي قد توجه لمنهجيته أو شموليته، يمثل اللبنة الأساسية والمرجع الرسمي الوحيد المتاح والمعترف به دولياً لتحديد هوية السكان الذين كانوا يقطنون فعلياً في إقليم “الصحراء الإسبانية” عشية إنهاء الاستعمار الإسباني واندلاع النزاع.
كما استقر القانون الدولي المتعلق بتصفية الاستعمار، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة (خاصة القرار 1514 (د-15) بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والقرار 1541 (د-15) الذي يحدد المبادئ التي يجب أن تسترشد بها الدول الأعضاء في تحديد ما إذا كان يترتب عليها أو لا يترتب عليها الالتزام المنصوص عليه في المادة 73 (هـ) من الميثاق المتعلقة بنقل المعلومات عن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي)، على إن الحق في تقرير المصير الخارجي (External Self-determination)، أي الحق في تحديد الوضع السياسي النهائي للإقليم (الاستقلال، الاندماج، أو أي وضع سياسي آخر يتم اختياره بحرية)، يعود للشعب الأصلي للإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي كما كان معرفاً وموجوداً في “التاريخ الحاسم” (Critical Date)، أي لحظة انتهاء السيطرة الاستعمارية أو الفترة التي تسبقها مباشرة.
وبالتالي شكل هذا المبدأ الأساس الذي قامت عليه جهود الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء بموجب خطة التسوية لعام 1991، حيث أنشأت الأمم المتحدة “لجنة تحديد الهوية” (Identification Commission) التابعة لبعثة المينورسو، وكلفتها بمهمة مضنية ومعقدة تمثلت في تحديد هوية الأفراد الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وذلك بالاعتماد بشكل أساسي على إحصاء 1974 الإسباني كقاعدة بيانات مرجعية، مع معايير إضافية للتحقق من الانتماء للإقليم، وقد واجهت هذه العملية صعوبات جمة وعراقيل سياسية أدت في نهاية المطاف إلى استحالة إتمامها وتعثر خطة التسوية برمتها، وكان من أبرز أسباب هذا التعثر هو الخلاف العميق حول تفسير وتطبيق معايير الأهلية، ومحاولات إدراج أعداد كبيرة من الأفراد الذين لم تثبت صلتهم المباشرة والمستمرة بالإقليم قبل عام 1975.
وفي ضوء ما تقدم برزت أهمية الحجة القانونية والسياسية القائلة بضرورة الحفاظ على نقاء وسلامة الهيئة الناخبة الأصلية المنبثقة عن إحصاء 1974 وذريتهم المباشرة، وعدم السماح بـ”إغراقها” أو “تمييعها” من خلال إدراج أعداد كبيرة من السكان القادمين من دول الجوار (كالجزائر وموريتانيا ومالي وغيرها)، حتى وإن كانوا يتقاسمون بعض الخصائص اللغوية (الحسانية) أو الثقافية أو القبلية مع سكان الصحراء الأصليين، فالانتماء القبلي أو الثقافي العابر للحدود، وهو سمة مميزة للمنطقة الساحلية-الصحراوية بأكملها، لا يمنح تلقائياً الحق في تقرير المصير السياسي لإقليم محدد له حدوده المعترف بها دولياً كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي.
وهذا القلق سبق وان عبرت عنه المملكة المغربية فيما يتعلق بأي حديث مستقبلي عن “حق العودة” لسكان المخيمات إلى الأقاليم الجنوبية، حيث أكد ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عمر هلال، أن أي عملية للعودة يجب أن تجد مرجعيتها القانونية الوحيدة والحصرية في الإطار الذي تم اعتماده دولياً لهذا الغرض، والمتمثل بشكل أساسي في الإحصاء السكاني الذي أجرته الإدارة الاستعمارية الإسبانية عام 1974، وموضحا أن غياب إحصاء رسمي يفتح الباب أمام التلاعب بالتركيبة السكانية للمخيمات وإدخال أفراد لا تربطهم علاقة تاريخية أو ديمغرافية بالأقاليم الجنوبية.
وحيث إن الحق في تقرير المصير، في سياق تصفية الاستعمار، يبقى حق للسكان المحددين المرتبطين بالإقليم المعني بالذات، وليس حقاً مفتوحاً لكل من يشاركهم بعض السمات الثقافية أو الإثنية عبر الحدود، فإن أي محاولة لتوسيع نطاق الهيئة الناخبة بشكل مصطنع لتشمل مجموعات سكانية لا تنتمي تاريخياً وجغرافياً لمنطقة النزاع المحددة، من شأنها أن تشوه جوهر مبدأ تقرير المصير، وتحرف مساره لخدمة أجندات سياسية لدول أخرى، وتخل بالتوازن الديموغرافي الذي كان قائماً عشية إنهاء الاستعمار، وهو ما يتعارض مع روح ونص قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بتصفية الاستعمار.
ومع التسليم بأن مسار الأمم المتحدة قد تطور نحو البحث عن “حل سياسي واقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق”، وأن مجلس الأمن قد وصف المبادرة المغربية للحكم الذاتي بأنها “جدية وذات مصداقية”، فإن هذا التطور لا يلغي الأهمية القانونية والتاريخية لإحصاء 1974 كمرجع أساسي لتحديد “النواة الصلبة” للساكنة الصحراوية الذي يعود لها الحق الأصيل في التعبير عن إرادتها بشأن مستقبل الإقليم، فحتى في إطار حل قائم على الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، فإن قبول وموافقة السكان الصحراويين الأصليين المنحدرين من هذا الإحصاء على هذا الحل يعتبر شرطاً جوهرياً لضمان شرعيته ومصداقيته واستدامته، يجب أن يتضمن أي اتفاق نهائي آليات واضحة تضمن أن تكون لهذه المجموعة السكانية الأصلية الكلمة الفصل أو الدور المحوري في المصادقة على نظام الحكم الذاتي، وأن يتمتعوا بضمانات خاصة داخل مؤسسات الحكم الذاتي المستقبلية تحافظ على هويتهم وحقوقهم ودورهم الريادي في تدبير شؤون جهتهم.
على إن هذا التأكيد على مركزية دور السكان الصحراويين الأصليين المنبثقين عن إحصاء 1974 لا يعني بالضرورة إقصاءً كاملاً لباقي المواطنين المغاربة المقيمين حالياً في الأقاليم الجنوبية او امتدادات القبائل المعنية في باقي المجالات الترابية خاصة بجهة كلميم وادنون للمساهمة في تنمية الاقليم وادارة شؤونهم عبر المؤسسات المنتخبة، فمبادئ الديمقراطية والمواطنة الحديثة تقتضي ضمان حقوق المشاركة السياسية لجميع المقيمين الشرعيين.
ولكن في مقابل ذلك يجب التمييز بوضوح بين الحق التاريخي والقانوني في تقرير المصير المرتبط بسياق يعود بالأساس للسكان الأصليين المحددين في الإحصاء المذكور، وبين آليات الممارسة الديمقراطية اليومية للحكم الذاتي وتدبير الشأن المحلي في المستقبل، والتي يمكن أن تشمل مشاركة أوسع للمقيمين الحاليين وفق ضوابط قانونية واضحة، حيث يجب أن يضمن نظام الحكم الذاتي التوازن الدقيق بين احترام الحقوق التاريخية الراسخة للسكان الصحراويين الأصليين ودورهم المحوري، وبين متطلبات الحكامة الديمقراطية والفعالة التي تشمل جميع مكونات المجتمع المحلي المقيم بصفة قانونية، مع الحرص المطلق على عدم تكرار محاولات الجزائر لتغيير التركيبة الديموغرافية للإقليم بشكل مصطنع من خلال استقدام سكان من خارج منطقة النزاع المحددة، لإن احترام هذه المبادئ هو الكفيل الوحيد بضمان حل عادل ودائم يحترم القانون الدولي ويستجيب لتطلعات السكان المعنيين الحقيقيين.

المدخل المرتبط بتأهيل النخب الصحراوية: بناء القدرات المؤسسية والبشرية وتمكين القيادات المحلية

بادئ ذي بدء يعتمد نجاح أي تجربة للحكم الذاتي، بشكل حاسم، على مدى توفر وجاهزية وكفاءة النخب المحلية (السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) لتولي المسؤوليات الجسيمة والمعقدة التي ستناط بها في تسيير شؤون الجهة المتمتعة بالحكم الذاتي، فالغاية الأساسية من الحكم الذاتي ليست مجرد نقل الصلاحيات شكلياً من المركز إلى الجهة، بل هي تمكين فعلي وحقيقي للساكنة المحلية، عبر ممثليها ونخبها، من تدبير أمورها بنفسها، واتخاذ القرارات التي تهم مستقبلها، وتنفيذ السياسات والبرامج التي تستجيب لاحتياجاتها وتطلعاتها.
و تأسيساً على هذا يتطلب الامر بالضرورة وجود كوادر وقيادات محلية مؤهلة ومتمكنة ومستعدة لتسلم زمام المبادرة في مختلف المجالات التي ستحتويها الصلاحيات الواسعة للحكم الذاتي، والتي قد تشمل كما هو مقترح في المبادرة المغربية، مجالات التشريع المحلي، والتنفيذ الحكومي الجهوي، والتخطيط الاستراتيجي، وإدارة الميزانية والمالية المحلية، وتدبير الموارد البشرية الجهوية، وتطوير البنيات التحتية، وإدارة القطاعات الاجتماعية، وتعزيز الثقافة المحلية، وحتى نسج علاقات تعاون خارجية في مجالات محددة، مما يجعل تأهيل النخب الصحراوية وبناء القدرات المؤسسية والبشرية على المستوى الجهوي مدخلاً حيوياً يواكب عملية التنزيل التدريجي للحكم الذاتي ويتضمن هذا التأهيل أبعاداً متعددة نذكر منها:
التأهيل السياسي، الذي يهدف إلى تمكين المنتخبين المحليين والفاعلين السياسيين من فهم أعمق لمبادئ الحكم الذاتي، وآليات عمل المؤسسات الديمقراطية (البرلمان والحكومة الجهويين)، وتقنيات التفاوض وصنع السياسات العامة، وقواعد الحكامة الجيدة والشفافية والمساءلة،
التأهيل الإداري والقانوني، الذي يستهدف الأطر والموظفين الإداريين المحليين لتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لإدارة الإدارات والمرافق العمومية الجهوية بكفاءة وفعالية، وفهم الإطار القانوني المنظم لصلاحيات الجهة وعلاقتها بالمركز، وإتقان تقنيات التدبير الإداري الحديث (التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة).
التأهيل التقني والقطاعي، الذي يركز على تكوين خبراء وأخصائيين محليين في مجالات حيوية للتنمية الجهوية، مثل التخطيط الاستراتيجي والتنمية الترابية، والهندسة المالية وإدارة الميزانيات، وإدارة المشاريع الكبرى، وتدبير الموارد الطبيعية (المياه، الطاقة، البيئة)، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والتسويق الترابي وجذب الاستثمارات.
التأهيل القيادي وتنمية المهارات الناعمة، الذي يسعى إلى تنمية مهارات القيادة والتواصل الفعال والتفاوض وحل النزاعات لدى الشخصيات التي ستتولى المناصب العليا والمسؤوليات القيادية في هيئات الحكم الذاتي، وتعزيز قدرتها على تعبئة الموارد وتحفيز الفرق وبناء الشراكات.
وقد بدأ المغرب بالفعل في الاستثمار في الرأسمال البشري من خلال برامج متنوعة للتكوين المستمر ودعم الكفاءات المحلية في الأقاليم الجنوبية، وتشجيع مشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية والاقتصادية والجمعوية، وإتاحة الفرص للكفاءات الصحراوية لتولي مناصب المسؤولية على المستوى المحلي والجهوي والوطني، ومع ذلك فإن متطلبات تنزيل نظام حكم ذاتي موسع تتطلب تكثيف هذه الجهود بشكل كبير، ووضع خطة وطنية متكاملة وطموحة لبناء القدرات (Capacity Building Plan) تستهدف مختلف الفئات المعنية، وتعتمد على مناهج حديثة، وتستفيد من الخبرات الوطنية والدولية المتخصصة في مجال اللامركزية والحكم الذاتي وبناء قدرات الإدارة المحلية.
بيد أن تصميم هذه الخطة يجب أن يتم بشكل تشاركي مع الفاعلين المحليين لتحديد الاحتياجات بدقة، وأن توفر برامج تكوينية نظرية وعملية، بما في ذلك التدريب الميداني وتبادل الخبرات مع جهات أخرى داخل المغرب وخارجه، كما يجب أن يهدف هذا التأهيل ليس فقط إلى نقل المعرفة والمهارات التقنية، بل أيضاً وبشكل أساسي إلى ترسيخ قيم المسؤولية والنزاهة والشفافية والمصلحة العامة والخدمة العمومية لدى النخب المحلية التي ستتحمل أمانة تدبير شؤون الجهة.
ولا شك إن نظام للحكم الذاتي، مهما كانت أسسه الدستورية والقانونية متينة، يعتمد بشكل حاسم ومباشر على مدى توفر وجاهزية وكفاءة النخب المحلية التي ستناط بها مسؤولية تسيير وإدارة شؤون الجهة المتمتعة بهذا النظام، فالغاية الجوهرية من الحكم الذاتي تتجاوز مجرد نقل الصلاحيات الإدارية أو التشريعية من المركز إلى المحيط؛ إنها تهدف بالأساس إلى تمكين فعلي وحقيقي للسكان المحليين، من خلال نخبهم وقياداتهم المنتخبة والمعينة، من ممارسة “التدبير الحر” لشؤونهم، واتخاذ القرارات التي تلامس واقعهم وتستجيب لتطلعاتهم، وتنفيذ السياسات والبرامج التنموية بكفاءة ومسؤولية، وذلك ضمن إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
وهذا يتطلب، بشكل حتمي، وجود كوادر بشرية وقيادات محلية مؤهلة ومتمكنة علمياً وعملياً، ومستعدة لتولي المسؤوليات الجسيمة والمعقدة التي ستشملها الصلاحيات الواسعة لنظام الحكم الذاتي المقترح، والتي تمس السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، والقضائية على المستوى الجهوي.
وفي هذا الإطار يكتسي تأهيل الكفاءات لتولي مهام السلطة القضائية الجهوية أهمية بالغة، لضمان سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات داخل الجهة، وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة المغربية قد نصت على إنشاء محاكم جهوية (الفقرة 22 و 23)، مما يستدعي إعداد قضاة وأطر قضائية مؤهلة لتشغيل هذه المحاكم، وهنا، يبرز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كهيئة دستورية ضامنة لاستقلال القضاء، في الاضطلاع بمهمة اساسية تتمثل في استقطاب الكفاءات القانونية والقضائية من أبناء الأقاليم الجنوبية وتأهيلها وتكوينها بشكل متخصص لتولي مختلف مهام ومناصب السلطة القضائية في إطار الحكم الذاتي (قضاة حكم، قضاة نيابة عامة، قضاة تحقيق، كتاب ضبط، مساعدو قضاء، إلخ)، ومما يسهل هذه المهمة، التوفر الملحوظ والكثير لهذه الكفاءات القانونية الصحراوية داخل هياكل وزارة العدل الحالية وفي مختلف أسلاك المهن القضائية والقانونية الأخرى.
أخذاً في الاعتبار ما سبق فإن استثمار هذه الطاقات البشرية وتأهيلها بشكل جيد سيضمن قيام قضاء جهوي مستقل، كفء، ونزيه، قريب من المتقاضين، وملم بخصوصيات المنطقة وأعرافها، وقادر على تطبيق القانون بروح العدل والإنصاف، مما يعزز ثقة المواطنين في نظام الحكم الذاتي برمته.
وفي سياق متصل على صعيد السلطة التنفيذية الجهوية، التي ستكون مسؤولة عن تنفيذ القوانين والسياسات الجهوية وتدبير الإدارة والمرافق العمومية المحلية، فإن تأهيل الأطر الإدارية والتقنية يعد شرطاً أساسياً لفعاليتها، ولا يقتصر هذا التأهيل على التكوين المستمر فحسب، بل يجب أن يشمل أيضاً، وكخطوة استباقية وتحضيرية مهمة، قيام السلطة التنفيذية المركزية (الحكومة) بتبني سياسة واضحة وممنهجة لتعيين وتوظيف الأطر الإدارية الكفؤة من أبناء الأقاليم الجنوبية في مناصب المسؤولية داخل الإدارات المركزية نفسها، لا سيما في مواقع حساسة كالمديريات المركزية ومناصب الكتابة العامة بالوزارات.
إن هذه المقاربة لا تهدف فقط إلى تعزيز التمثيلية الجهوية داخل دواليب الدولة المركزية، بل تهدف بالأساس إلى إكساب هذه الأطر تجربة عملية غنية ومعمقة في تدبير الشأن العام على المستوى الوطني، واطلاعها على آليات صنع القرار وتنسيق السياسات القطاعية.
وعليه تبرز ضرورة حتمية أن تعمل وزارة الداخلية بشكل خاص على تأهيل أطرها الصحراوية التي تزخر بها هياكلها المركزية والترابية، وذلك لتمكينهم من تولي المهام القيادية في الإدارة الترابية، كمناصب العمال والولاة لإن تنزيل الحكم الذاتي يقتضي بشكل ملح ترقية الأطر الصحراوية الكثيرة التي تزخر بها الوزارة وإعطاء أولوية قصوى لهذه الخطوة لما لها من أهمية بالغة في هذه المرحلة الحاسمة، لضمان أن تكون الإدارة الترابية، كممثل للسلطة المركزية وضامن لتطبيق القانون، تحت قيادة أبناء المنطقة العارفين بخصوصياتها، مما يسهل التنسيق ويعزز الثقة المتبادلة، وهذا التأهيل المسبق سيمكنهم من تولي المهام القيادية في هياكل السلطة التنفيذية لجهة الحكم الذاتي المستقبلية (الحكومة الجهوية وإداراتها) بكفاءة واقتدار، مما يضمن انتقالاً سلساً وفعالاً للسلطات التنفيذية.
فضلاً عن ما تقدم فإن ضمان الأمن الداخلي يمثل بدوره ركيزة أساسية لاستقرار ونجاح تجربة الحكم الذاتي، وهنا تبرز ضرورة قيام الإدارة العامة للأمن الوطني بتبني استراتيجية استباقية لترقية وتكوين الأطر الأمنية العليا والمتوسطة من أبناء الأقاليم الجنوبية، مع التركيز على تأهيلهم لتولي المسؤوليات القيادية في مجال الأمن على المستوى الجهوي، بما يسمح إعدادهم لتولي مهام ولاة الأمن، وعمداء الشرطة بمختلف رتبهم، وضباط الأمن، القادرين على قيادة وإدارة جهاز الشرطة المحلية الذي سيتم إنشاؤه بموجب نظام الحكم الذاتي، بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في باقي هياكل الأجهزة الأمنية العاملة بالجهة، حيث إن وجود قيادات أمنية محلية كفؤة، متدربة، وملمة بالواقع الاجتماعي والثقافي للمنطقة، سيعزز من فعالية العمل الأمني، ويقوي علاقة الثقة بين جهاز الأمن والمواطنين، ويضمن تطبيق القانون وحفظ النظام العام بطريقة تحترم الحقوق والحريات وتراعي الخصوصيات المحلية، وهو أمر حيوي لترسيخ الشعور بالأمن والاستقرار لدى الساكنة.
وفي منحى متصل فانه عندما يتعلق الامر بالسلطة التشريعية الجهوية (البرلمان الجهوي)، فإن الوضع يبدو أكثر تقدماً وجاهزية نسبياً، فقد أفرزت الممارسة الديمقراطية والانتخابية في الأقاليم الجنوبية على مدى العقود الماضية، سواء على مستوى المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية أو على مستوى التمثيلية في البرلمان الوطني بغرفتيه، نخباً سياسية ومنتخبة تتمتع بتجربة متميزة وكفاءة مشهودة في تدبير الشأن العام والعمل البرلماني والتشريعي، وتتميز هذه النخب بكونها مختلطة ومتنوعة، حيث تجمع بين النخب التقليدية (شيوخ القبائل والأعيان) التي تحظى بشرعية تاريخية ومعرفة عميقة بالمجتمع المحلي، وبين النخب الجديدة من الأطر الشابة والمتعلمة والنساء والفاعلين الاقتصاديين والمدنيين الذين يمثلون الدينامية الحديثة للمجتمع.
ولعل هذا المزيج الغني من الخبرة التقليدية والكفاءة الحديثة، ومن الشرعية التاريخية والشرعية الديمقراطية، يشكل رصيداً هاماً يؤهل السلطة التشريعية الجهوية المستقبلية للقيام بمهامها في التشريع المحلي والرقابة على الحكومة الجهوية وتمثيل مصالح سكان المنطقة بفعالية ومسؤولية، ومع ذلك، يبقى من الضروري مواصلة دعم وتطوير قدرات هذه النخب المنتخبة من خلال برامج تكوينية متخصصة في تقنيات التشريع والرقابة البرلمانية وتقييم السياسات العمومية.
وصفوة القول إن الاستثمار التدريجي الممنهج في تأهيل النخب الصحراوية عبر هذه المداخل المتخصصة للسلطات الثلاث (القضائية، التنفيذية، التشريعية)، بالإضافة إلى التأهيل العام في مجالات القيادة والتخطيط والحكامة وللأدوار القيادية في مجالات الأمن والإدارة الترابية، لا يمثل فقط ضرورة تقنية لضمان حسن سير مؤسسات الحكم الذاتي، بل هو أيضاً تعبير سياسي قوي عن الثقة في قدرات أبناء المنطقة، والتزام فعلي بتمكينهم من تدبير شؤونهم بأنفسهم، وتجسيد عملي لجوهر مشروع الحكم الذاتي كإطار ديمقراطي وتنموي يهدف إلى تحقيق الرفاه والكرامة لجميع سكان الصحراء في ظل السيادة المغربية والوحدة الوطنية بما يعزز اندماجها وتطورها في إطار مغرب موحد ومتقدم.
وبالتالي فالرهان على وجود نخبة صحراوية مؤهلة، كفؤة، وطنية، ملتزمة بقيم الديمقراطية والحكامة الجيدة، ومؤمنة بمشروع الحكم الذاتي كإطار للتقدم والازدهار ضمن السيادة المغربية، هو الضمانة الأساسية لتحويل هذا المشروع من مجرد نص قانوني أو اتفاق سياسي إلى ممارسة على ارض الواقع.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعقد مجلسه الوطني

مع الحدث/ الرباط
المتابعة  ✍️ : ذ محمد الرابحي

بدعوة من المكتب السياسي للحزب، عقد المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمقر المركزي للحزب بالرباط دورة عادية يوم السبت 17 ماي 2025.
و بعد الاستماع إلى كلمة رئيس المجلس الوطني الأخ الحبيب المالكي ، و متابعة العرض السياسي للأخ الكاتب الأول ادريس لشكر و مناقشتهما مناقشة مسؤولة و مستفيضة، استحضرت السياق الدولي و الإقليمي و الوطني على كل الأصعدة ، فإن المجلس الوطني للحزب و هو يثمن مضامين العرضين السالفي الذكر ، فإنه يعلن ما يلي :
1_ انشغال الاتحاديين و الاتحاديات العميق بتطورات الوضع الفلسطيني المأساوي ، بما يميزه من استمرار التقتيل و الإبادة في حق أبناء فلسطين في الضفة و القطاع و القدس الشريف ، و تعقد الوضع الإقليمي و الحسابات الدولية على حساب المبادرة الفلسطينية و استقلال القرار الوطني خدمة لأجندات لا تخدم الطموح و المشروع الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
2_ دعوة المنتظم الدولي بمؤسساته و هيئاته إلى تحمل مسؤوليته الأخلاقية و السياسية لوقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، عبر فرض وقف فوري للحرب الجارية ، و السماح بدخول المساعدات الإنسانية الطبية و الغذائية ، و توفير شروط إعادة الإعمار ، و وقف مخطط التهجير المعلن ، في أفق استئناف العملية السياسية.
3_ تشبث الاتحاديات و الاتحاديين بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا و وحيدا للشعب الفلسطيني بناء على الاختيارات الوطنية الفلسطينية، و القرارات العربية و الدولية ذات الصلة ، و اعتبارها البيت السياسي و النضالي الوطني الكبير لتحقيق الوحدة و المصالحة الفلسطينية ميدانيا و نضاليا و مؤسساتيا ، كشرط إجباري لخوض معركة التحرير و بلوغ هدف قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 و عاصمتها القدس الشرقية.
4_ إن المجلس الوطني الذي ينعقد في سياق الاستعدادات و التحضيرات الجارية لتخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة و تحرير أقاليمنا الجنوبية ، و إذ يستحضر الصمود الوطني المغربي ، ملكا و شعبا و قوات مسلحة ملكية و درك ملكي و قوات مساعدة و مختلف قوى الأمن و الدفاع الوطني في وجه كل المؤامرات التي توالت على بلادنا لمحاولة تفكيك كيانها الترابي و الوطني فإنه :
_ يحيي باعتزاز كبير نجاعة الديبلوماسية الملكية الحكيمة ، المتبصرة ، الجريئة و الهادءة التي سمحت بتحصين الوحدة الترابية و الوطنية ، و تحقيق الكثير من المكتسبات و الاختراقات ، مما مكن بلادنا من الانتقال من تدبير الإكراهات إلى تغيير معطيات الواقع الميداني و الديبلوماسي وطنيا و دوليا ، و كرس ندية بلادنا كقوة إقليمية و دولية محترمة و مسموعة الكلمة.
_ يثمن دينامية الديبلوماسية الحزبية الاتحادية كترجمة عملية لنداءات جلالة الملك بهذا الصدد، و كتعبير عن قناعات الاتحاد الاشتراكي الثابتة في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى في كل المحافل و المنتديات و الهيئات التي ينتسب إليها الاتحاد الاشتراكي عربيا و قاريا و دوليا .
_ يعلن عن استمرار الاتحاد الاشتراكي في خوض معركة التعريف بالحق المغربي الثابت و الدفاع عنه إلى حين الطي النهائي للملف بإقامة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
5_و في الشأن السياسي الوطني ، فإن المجلس الوطني
_ و هو يستعرض معطيات الوضع السياسي الراهن كما أفرزته الترتيبات السياسية لما بعد استحقاقات ثامن شتنبر 2021 ، الذي اتسم طيلة هذه الولاية باستفراد التغول بالمؤسسات المنتخبة وطنيا و جهويا و إقليميا و محليا ، و إغلاق الحقل السياسي في وجه أية تعددية حقيقية.
_ و هو يقف على اختلال التوازن بين المؤسسات ، و داخلها أيضا.
فإنه يسجل : الهيمنة المطلقة للتغول ضدا على روح الدستور ، و التعددية الحقيقية التي ناضل الشعب المغربي و قواه الحية من أجلها ، و دفع الثمن غاليا لتحقيقها ، و ذلك بتقويض الحقوق الدستورية للمعارضة و تغليب منطق الحزب الوحيد ذي الرؤوس الثلاثة.
يعتبر أن إعادة الاعتبار للتنافس الديمقراطي و النجاعة المؤسساتية و الفرز المجتمعي الفعلي ، كان و لا يزال يستوجب رجة مؤسساتية و سلوكية تسعف ديموقراطيتنا “السخفانة” بضخ أنفاسس جديدة في شرايينها ، و هو ما بادر إليه حزبنا عبر فريقه النيابي باقتراح طرح ملتمس رقابة على الحكومة ، نأسف لإضاعته كفرصة للتربية السياسية و التنشئة الدستورية و المساءلة المؤسساتية .
6_ و بخصوص الاستحقاقات الديمقراطية التي تنتظر بلادنا ، و بناء على تقييم موضوعي لكيفية الإشراف و التدبير لما سبق من استحقاقات انتخابية ، فإن المجلس الوطني يعبر عن قلقه البالغ من عدم استجابة الحكومة لحد الساعة لدعوات الحزب إلى فتح حوار وطني جاد و مسؤول حول الترسانة التنظيمية و التشريعية المنظمة للانتخابات ببلادنا.
و يدعو بهذا الصدد إلى توفير شروط طمأنة الرأي العام و الفرقاء الديمقراطيين حول نزاهة و مصداقية العمليات الانتخابية القادمة ، مؤكدا على مطلب الحزب الملح بالعودة إلى اعتماد اللجنة الوطنية و اللجن الإقليمية للانتخابات ، و اعتماد التمثيلية في البرلمان معيارا للعضوية فيها.
7_ إن الاتحاد الاشتراكي الذي يعتبر نفسه معبرا أمينا عن تطلعات و مطالب الشعب المغربي و قواته الشعبية خصوصا ، إذ يسجل فشل الحكومة الحالية في التنزيل الأمثل لإرادة ملك البلاد بخصوص الدولة الاجتماعية، و عجزها البين عن مواجهة موجة الغلاء المستفحلة و تفاقم البطالة و تعدد أوجه الهشاشة و الفوارق الاجتماعية و المجالية، يدعو مناضليه و مناضلاته ، و هم يحضرون لمؤتمرهم الوطني ، و للاستحقاقات الديمقراطية المقبلة ، من جهة إلى التواجد في كل جبهات النضال المؤسساتي المسؤول من جهة ، و من جهة أخرى إلى تحويل مقترح ملتمس الرقابة المجهض مؤسساتيا ، إلى ملتمس رقابة شعبي ضد حكومة التغول.
8_ إن المجلس الوطني و احتراما للقوانين المنظمة للحياة السياسية بالبلاد ، و التزاما بانتظام حياته التنظيمية الداخلية ، و هو يبارك الدينامية الحزبية الشاملة للقيادة و مختلف التنظيمات القطاعية و المجالية ، و خاصة الفريقين الاشتراكيين بغرفتي البرلمان ، فإنه يثمن دعوة قيادة الحزب إلى عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب أيام 17 و 18 و19 أكتوبر 2025 و يدعو كافة المناضلات والمناضلين إلى جعل هذا الموعد النضالي محطة جديرة بتاريخ حزبنا و هو يستعد للاحتفال باليوبيل الذهبي للمؤتمر الاستثنائي للحزب الذي أعلن ميلاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
عاش المغرب.
عاش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
حرر بالراط في 17 ماي 2025.

Categories
أخبار 24 ساعة الواجهة خارج الحدود سياسة

بوريطة وعبد العاطي يبحثان سبل تعزيز العلاقات المغربية المصرية على هامش القمة العربية

بقلم: حسيك يوسف – مع الحدث

في إطار الدبلوماسية الثنائية، أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، مباحثات مع نظيره المصري السيد بدر عبد العاطي، وزير خارجية جمهورية مصر العربية.

وجرى هذا اللقاء على هامش القمة العربية غير العادية المنعقدة لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية، حيث شكل فرصة لتبادل وجهات النظر حول سبل تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعزيز التشاور المستمر بين الرباط والقاهرة في مختلف القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يوجه خطابا إلى القمة الرابعة والثلاثين لجامعة الدول العربية التي افتتحت أشغالها اليوم بالجمهورية العراقية.

مع الحدث 

السبت 17 مايو 2025 بغداد

 

وفي ما يلي نص الخطاب الملكي، الذي تلاه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة

“الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، رئيس جمهورية العراق ورئيس القمة،

 

أصحاب الجلالة والسمو والفخامة،

معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبو الغيط،

أصحاب المعالي والسعادة،

 

يطيب لي في البداية، أن أتقدم بالشكر الجزيل لأخي فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، وللشعب العراقي الشقيق، على استضافة هذه القمة، وعلى الجهود الحثيثة التي تم بذلها لتوفير الظروف الملائمة لعقدها، في جو من التآخي والتوافق، متمنين أن تتكلل أشغالها بكامل التوفيق والنجاح.

 

ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أشيد بالمجهودات الخيرة التي بذلها أخي الأعز، صاحب الجلالة الملك حمد بن عيـسى آل خليفة، عاهل مملكة البحرين الشقيقة، خلال رئاسته لقمة المنامة.

 

أصحـاب الجـلالـة والسـمـو والفخـامـة،

أصحـاب المعـالي والسعـادة،

 

إن الوضع المأساوي الذي تعرفه الأراضي الفلسطينية، والذي يذهب ضحيته يوميا العشرات من السكان المدنيين الفلسطينيين العزل في الضفة والقطاع، ليُسائل المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، حول المعايير الكونية والإنسانية التي يتم التعامل بها مع مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق، وما يعانيه من انتهاكات جسيمة لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولكافة مبادئ حقوق الإنسان.

 

وأمام الوضع المقلق الذي تعيشه المنطقة، بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ندعو من هذا المنبر، بناء على المحددات التي وضعناها سابقا لإخراجها من هذا النفق المظلم، إلى ما يلي :

 

أولا : الوقف الفوري للعمليات العسكرية، والعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف إحياء اتفاق الهدنة، في أفق الإعلان عن الوقف النهائي لإطلاق النار.

 

ثانيا : التدخل العاجل لوضع حد للاعتداءات العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية، خاصة عمليات هدم المنازل، وترحيل السكان الآمنين العزل من المناطق الخاضعة أمنيا للسلطات الإسرائيلية.

 

ثالثا : العمل على تأمين استمرار المساعدات الإنسانية، وخاصة المواد الطبية والغذائية، إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وعدم عرقلتها لأي سبب كان.

 

رابعا : الحفاظ على دور وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، ودعمها للقيام بالمهام المنوطة بها من طرف المجتمع الدولي لفائدة السكان المدنيين.

 

خامسا : وضع خارطة طريق متكاملة لإطلاق خطة إعادة الإعمار، التي أقرتها القمة العربية الاستثنائية الأخيرة بالقاهرة، دون تهجير للسكان، وذلك بإدارة من السلطة الفلسطينية وإشراف عربي ودولي.

 

أصحـاب الجـلالـة والسـمـو والفخـامـة،

أصحـاب المعـالي والسعـادة،

 

انطلاقا من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة المغربية، ومسؤوليتها التاريخية حيال أشقائها، ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية، فإننا نجدد التأكيد على ما يلي :

 

* ضرورة فتح الآفاق أمام سبل الحل السياسي، بهدف إقرار سلام حقيقي وعادل في المنطقة، يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وقطاع غزة جزء لا يتجزأ منها.

 

* تقديم ما يكفي من الدعم للسلطة الفلسطينية، بقيادة أخينا فخامة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وتقوية مؤسساتها، بما يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني إلى الأمن والسلم والتقدم والازدهار.

 

* التأكيد على أن المصالحة الوطنية تبقى هي المدخل الأساسي لتقوية الموقف الفلسطيني، في أي عملية سلام مرتقبة.

 

ومن منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقنا، بصفتنا رئيسا للجنة القدس، سنواصل الدفاع عن المقدسات، وعلى رأسها القدس الشـريف، من خلال المزاوجة بين العمل السياسي والدبلوماسي والعمل الميداني، الذي تضطلع به وكالة بيت مال القدس، في إنجاز مخططات ومشاريع ملموسة، تروم صيانة الهوية الحضارية والروحية للمدينة المقدسة، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمقدسيين، ودعم صمودهم وبقائهم في القدس.

 

أصحـاب الجلالة والسمو والفخـامة،

أصحـاب المعالي والسعادة،

 

إن الظرفية الاستثنائية الدقيقة والعصيبة، التي تنعقد فيها هذه القمة الهامة، تستوجب توافر إرادة سياسية صادقة، تؤمن بالبناء المشترك، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية، واحتضان حركات انفصالية تبرأ منها التاريخ، ولم يعد لها مكان في ظل التغيرات والتطورات الدولية الراهنة.

 

ومن هذا المنطلق، فإن نجاعة العمل العربي المشترك لن تتحقق، إلا باستكمال ورش إصلاح منظمتنا الذي انطلق منذ سنوات، وبالشكل الذي يلبي طموحات دولنا، في إطار من التوافق والانسجام.

 

وإن المملكة المغربية تدعم كل المبادرات الكفيلة بتطوير التعاون العربي المشترك، لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وندرة المياه، والتصدي العاجل للآثار السلبية لتغير المناخ.

 

أصحـاب الجلالة والسمو والفخامة،

أصحاب المعالي والسعادة،

 

إن تعزيز مبادئ التضامن السياسي ودعم القضايا العربية، لن يحقق أهدافه إلا بإقامة شراكات اقتصادية وتجارية بينية قوية، كفيلة بفتح أوسع الآفاق لتحقيق شروط النماء والرفاه لجميع الشعوب العربية.

 

وبالرغم من الأهمية الكبرى التي يحظى بها الجانب الاقتصادي، كقاطرة لتقوية منظومتنا العربية، فإن الواقع يعكس ضعفا كبيرا إن على مستوى التبادل التجاري أو تدفق الاستثمارات، وكذا في الاستفادة من التجارب الناجحة في المجال الصناعي والخدماتي بين دول منطقتنا، رغم بنية اقتصاداتها المتكاملة.

 

فقد سجلت المنطقة العربية نمواً متواضعاً لا يتجاوز نسبة 1.9% في سنة 2024، في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة التي يشهدها الاقتصاد العالمي. كما أن منطقتنا تظل بعيدة عن منزلة الاقتصاد الرائد من حيث مستويات المعيشة، بسبب تدني الإنتاجية وضعف المنافسة وبيئة العمل وهشاشة القطاع الخاص.

 

ولعل الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة، يُعد فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية خضـراء أكثر استدامة، والانخراط في التطورات التي يعرفها العالم، لصالح شعوب منطقتنا العربية.

 

وتبقى منطقة شمال إفريقيا الأقل اندماجا من الناحية الاقتصادية على مستوى العالم العربي، والأقل حيوية من ناحية التجارة البينية، رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية وامكانيات اقتصادية.

 

وأمام هذا الوضع لا يسعنا إلا أن نعبر، من جديد، عن أسفنا على عدم قيام اتحاد المغرب العربي بدوره الطبيعي في دعم تنمية مشتركة للدول المغاربية، ولاسيما من خلال ضمان حرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال والسلع والخدمات بين دوله الخمس.

 

أصحاب الجلالة والسمو والفخامة،

أصحـاب المعـالي والسعـادة،

 

في ظل الأوضاع الأليمة والمؤسفة التي تعيشها بعض الأقطار العربية الشقيقة، فإن المملكة المغربية لم ولن تدخر أي جهد من أجل رأب الصدع، والمساهمة في إيجاد حلول للأزمات التي تتخبط فيها منطقتنا العربية، على أساس تغليب الحوار والمبادرات السلمية، بعيدا عن منطق القوة والحلول العسكرية.

 

وأخص بالذكر هنا، الأزمة في ليبيا الشقيقة، التي انخرطت المملكة المغربية، منذ بدايتها، بكل عزم ودينامية في الجهود الدولية والإقليمية، الرامية إلى التوفيق بين فرقائها السياسيين، وتيسير مساعيهم من أجل إيجاد حل لتلك الأزمة.

 

أما فيما يتعلق بالشقيقة سوريا، فإن المملكة المغربية تجدد التأكيد على موقفها التاريخي الثابت، والذي سبق وأن عبرنا عنه في رسالتنا لأخينا فخامة الرئيس أحمد الشرع، والمتمثل في دعم ومساندة الشعب السوري الأبي لتحقيق تطلعاته إلى الحرية والأمن والاستقرار، والحفاظ على الوحدة الترابية لسوريا وسيادتها الوطنية.

 

وتجسيدا لهذا الموقف إزاء أشقائنا في سوريا، ودعما لهذا المسار الواعد، فإن المملكة المغربية قررت إعادة فتح سفارتها بدمشق، التي تم إغلاقها سنة 2012، مما سيساهم في فتح آفاق أوسع للعلاقات الثنائية التاريخية بين بلدينا وشعبينا الشقيقين.

 

كما يتابع المغرب أيضا وبانشغال عميق، التطورات الخطيرة التي تجري في بعض الدول العربية، كاليمن والسودان ولبنان. ويؤكد انخراطه ودعمه لكل المساعي والجهود الرامية إلى الدفع بالعملية السياسية المفضية إلى الاستقرار والسلام في هذه الدول العربية، وتجاوز الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية والدبلوماسية، والحفاظ على السيادة الوطنية والوحدة الترابية للدول العربية الشقيقة.

 

وفي الختام، أجدد التأكيد على استعداد المملكة المغربية الكامل للانخراط في أي دينامية من شأنها أن ترتقي بالعمل العربي المشترك، بما يسهم في تحقيق تطلعات شعوبنا إلى المزيد من الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.

 

وفقنا الله لما فيه خير شعوبنا العربية،

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

زيارة ترامب للخليج! هل تُربك إسرائيل وتكشف تحوّلات إقليمية عميقة؟

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر 

 

أثارت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج اهتمامًا دوليًا واسعًا، لما تحمله من إشارات قوية على تغييرات محتملة في موازين القوى الإقليمية، خصوصًا في ما يتعلق بموقع إسرائيل ضمن أولويات السياسة الأمريكية الجديدة.

رغم أن الزيارة لم تشمل إسرائيل، إلا أن تداعياتها تركت صدى واضحًا في الأوساط السياسية هناك. فقد تضمنت دعوات لوقف الحرب في غزة، وانفتاحًا على التفاوض مع حماس، إلى جانب محاولات لبناء قنوات تواصل مع إيران. كما عرفت الزيارة لقاءات رفيعة مع خصوم تقليديين لإسرائيل مثل السعودية وتركيا.

هذه التحركات اعتُبرت بمثابة إزاحة جزئية لإسرائيل من مركز الاهتمام، حيث بدا أن ترامب يسعى لتبني نهج “براغماتي” قائم على المقايضة والصفقات، لا على الولاءات التقليدية.

في المقابل، استطاعت دول الخليج أن تُغري ترامب بحزم استثمارية ضخمة، ما جعلها تحجز موقعًا متقدمًا في أجندته، بينما بقيت إسرائيل تعتمد على المساعدات الأمريكية الثابتة، دون أن تقدم ما يوازي “جاذبية المال الخليجي”.

هذا الواقع أضعف موقع تل أبيب التفاوضي، وطرح تساؤلات عن قدرتها على الحفاظ على امتيازاتها التقليدية في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل إدارة تميل إلى منطق الربح والخسارة.

داخليًا، تعيش الحكومة الإسرائيلية الحالية حالة ارتباك، إذ اعتُبرت مواقفها المتصلبة إزاء غزة، ورفضها لأي حلول دبلوماسية، سببًا في تراجع التعاطف الأمريكي معها.

بعض الأصوات بدأت تتحدث عن ضرورة تغيير النهج، وربما حتى تغيير القيادة السياسية، من أجل اللحاق بالموجة الإقليمية الجديدة، القائمة على التهدئة، وإعادة الإعمار، والتحالفات الاقتصادية.

في النهاية، لم تكن زيارة ترامب، رغم تجاهلها المسرحي لإسرائيل، سوى فصل جديد من فصول الابتزاز الأمريكي المُنمق. إذ توحي تحركاته بانفتاح تاريخي على “أعداء الأمس”، بينما تبدو الأهداف الحقيقية أقرب إلى عملية تعبئة طارئة لخزينة تعاني من فقر مزمن في السيولة. أما الحديث عن تغير في العقيدة السياسية لواشنطن، فربما يجدر حفظه لكتب الخيال السياسي. فحين تكتمل شروط الصفقة، يسقط قناع الحمل الوديع، ويعود الذئب إلى عرينه القديم… بعد أن يقبض الثمن، طبعًا، وبالدولار الكامل.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء سياسة

الزعيم السياسي بين الكاريزما وتقديس الذات

مع الحدث

المتابعة ✍️ : ذ لحبيب مسكر

 

في المشهد الحزبي المغربي، برزت خلال العقود الأخيرة ظاهرة تستحق التوقف عندها، وهي ميل بعض الزعماء السياسيين إلى تضخيم صورتهم وتقديم أنفسهم كأيقونات لا تُخطئ، بل كمن يُنتظر منه الخلاص، في مشهد يختلط فيه السياسي بالنفسي، والواقعي بالمتخيل.

 

الزعامة الحزبية وتضخم الذات

 

يُعرف “تضخم الذات” بأنه شعور مفرط بالتفرد والأهمية، لكن حين يصيب بعض زعماء الأحزاب، يتحول إلى سلوك مؤسسي يؤثر على قرارات الحزب، على ديمقراطيته الداخلية، وعلى علاقته بالمجتمع. يصبح الحزب في نظر بعض هؤلاء الزعماء مجرد وسيلة لبناء مجد شخصي، لا فضاءً لتأطير المواطنين والدفاع عن قضاياهم.

 

مظاهر من الواقع الحزبي المغربي

 

شخصنة الخطاب الحزبي: كثيراً ما يتحول الخطاب السياسي من حديث عن البرامج والقضايا، إلى مدح متكرر للزعيم، بل وتقديمه كـ”المنقذ” أو “الحكيم”.

 

التحكم في دواليب الحزب: بعض الزعماء يظلون لعقود على رأس أحزابهم، متحكمين في القرارات، ومقصين لكل من يجرؤ على الاختلاف.

 

غياب التداول الداخلي: من النادر أن يشهد المشهد الحزبي انتخابات حقيقية للقيادة، بل تُفصّل القوانين الداخلية لضمان استمرار نفس الوجوه.

 

خطاب التخوين والتهديد: عندما يُنتقد الزعيم، يصبح الناقد خائناً أو مدفوعاً من جهات “معلومة”، مما يُضعف ثقة المواطن في جدية الخطاب السياسي.

 

 

أمثلة من الواقع الحزبي المغربي

 

إدريس لشكر (الاتحاد الاشتراكي): بقي لسنوات على رأس الحزب، وشهدت ولاياته انتقادات واسعة بسبب هيمنة القيادة واحتكار القرار، خصوصًا مع إقرار “الولاية الثالثة” رغم المعارضة الداخلية، مما عُدّ ضربًا لمبدأ التداول الديمقراطي.

 

نبيل بنعبد الله (حزب التقدم والاشتراكية): رغم خطابه المتزن، استمر في قيادة الحزب لأكثر من عقدين، ما يثير تساؤلات حول تجديد النخب وفتح المجال أمام قيادات شابة.

 

عبد الإله بنكيران (العدالة والتنمية): شكّل ظاهرة سياسية فريدة بكاريزميته، لكنه عاد إلى قيادة الحزب بعد هزيمته في الانتخابات، في خطوة فسّرها البعض بغياب ثقافة التناوب داخل الحزب.

 

امحند لعنصر (الحركة الشعبية): يُعتبر من أقدم الزعماء الحزبيين، حيث قاد الحزب لعقود، ما جعل بعض المتتبعين يتحدثون عن “الزعيم الأبدي” في ظل غياب أي تداول ديمقراطي فعلي.

 

حميد شباط (الاستقلال، سابقاً): مثّل نموذج الزعيم الشعبوي والصدامي، وانتهت زعامته بصراعات داخلية عاصفة، عكست مدى اختزال الحزب في شخصه خلال فترة من الفترات.

 

 

انعكاسات على الحياة السياسية

 

هذه النزعة الزعامية تعمّق فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، وتُفرغ العمل الحزبي من محتواه. كما أنها تخلق أحزابًا تدور حول شخص لا حول مشروع، وتُقصي الكفاءات مقابل الولاء، مما يُفرز نخباً غير مؤهلة لقيادة التحولات المنتظرة.

 

الجمهور بين الانبهار والنفور

 

المفارقة أن جزءاً من الجمهور ينجذب إلى هذه الزعامات، إما بسبب الكاريزما الظاهرة، أو بفعل اليأس من البدائل. لكن مع تكرار الوعود وانكشاف الواقع، يتحول الإعجاب إلى خيبة، والخطاب السياسي إلى مادة للسخرية أو اللامبالاة.

 

الخلاصة: نحو ديمقراطية داخلية حقيقية

 

المطلوب اليوم ليس فقط نقد الزعامات الحزبية، بل الدفع نحو إصلاحات داخلية تضمن التداول، وتعزز الثقافة الديمقراطية داخل الأحزاب. فبدون أحزاب قوية وديمقراطية، لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية في البلاد.

 

كما أن وعي المواطنين، ومطالبتهم بالمحاسبة والشفافية، يظلان العامل الأساسي في تصحيح هذا المسار، وفي إبعاد العمل السياسي عن نزعة “تقديس الزعيم”، التي طالما كانت سببًا في تعثر الإصلاح وتكريس الجمود.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة سياسة

جلالة الملك يستقبل عدداً من السفراء الأجانب الجدد بالرباط

مع الحدث/ الرباط

المتابعة ✍️: مجيدة الحيمودي 

استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الأربعاء 14 ماي 2025، بالقصر الملكي بالرباط، عدداً من السفراء الأجانب الجدد الذين قدموا أوراق اعتمادهم كسفراء مفوضين فوق العادة لبلدانهم بالمملكة المغربية.

وشمل الاستقبال سفراء من تركيا، كندا، تشاد، رواندا، سلطنة عمان، الشيلي، ماليزيا، السعودية، إسبانيا، كوبا، مالي، اليونان، سورينام، فيتنام وكوريا الجنوبية.

وقد جرى هذا الاستقبال بحضور السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والحاجب الملكي سيدي محمد العلوي.
ويكرّس هذا الحدث الدبلوماسي مكانة المغرب كشريك موثوق على الساحة الدولية ويعكس دينامية علاقاته المتنامية مع مختلف دول العالم.