طارق مرحوم
التطبيع يعني إعادة الأمور إلى طبيعتها، بعد أن كانت غير طبيعية، ودخل هذا المصطلح الدبلوماسية الدولية، حيث لم يهدأ العالم يوما، ذلك أن الحروب والنزاعات وسمت علاقة كثير من الدول والتكتلات السياسية والإقليمية، فتشنجت علاقاتها ثم عادت إلى طبيعتها، إلا أن مصطلح التطبيع لدى العرب، ارتبط كثيرا بعلاقة الدول العربية بإسرائيل، فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية معها، هاهي الآن تعود إلى طبيعتها، من خلال مجموعة من الاتصالات والاتفاقات لدول مع إسرائيل، ولكن عندما نمحص في هذا المصطلح الذي صار منتميا إلى حقل العلاقات الدولية، نجده غائبا تماما، في أدبيات المستعمرات تجاه الدول المستعمرة، فالجزائر وتونس والمغرب وغيرها من المستعمرات شيدت علاقات متقدمة جدا مع فرنسا تفوق علاقاتها فيما بينها، رغم ما خلفه الاستخراب الفرنسي من مآس وأحزان وضحايا، وبالرغم من أن هنالك عوامل مشتركة بين الجزائر و المغرب و تونس …من دين ولغة ولهجات وتاريخ….، لكنها لم تنجح في وضع علائقي طبيعي يلائم هذا المشترك بينها، بل إن فرنسا تعتبر الشريك الاقتصادي الأول لمستعمراتها، ولم نسمع في يوم من الأيام، أن علاقتها كانت غير طبيعية فصارت طبيعية، وإنما آنطلقت منذ البداية طبيعية.
إن مركزية القضية الفلسطينية جعلت من التطبيع موضوعا متوجسا منه، ولذلك تشبثت كثير من الدول بعدم التطبيع وإلغاء العلاقات مع الكيان الإسرائيلي المحتل، لكن السؤال الآن ماذا آستفاد الفلسطينيون من عزل إسرائيل عن محيطها العربي؟ ماذا قدمت المقاطعة الدبلوماسية العربية للقضية الفلسطينية؟
إن الواقع يجيب أنه لا فرق بين مطبع و مقاطع على أرض الواقع، فعندما كانت سفارات الإنذار في غزة تدوي معلنة سقوط الصواريخ الإسرائيلية على القطاع، كان العرب جميعهم بما في ذلك المطبعون و المقاطعون متفرجين، وكانوا كلهم ينتظرون نهاية العدوان الإسرائيلي من أجل إرسال المساعدات لتشهد على وقوف دول موقف النصرة تجاه القضية الفلسطينية، في حين لم تنطلق رصاصة واحدة مساندة للشعب الفلسطيني من أي قطر عربي، بما في ذلك المحسوب على المقاطعة الدبلوماسية لإسرائيل، فما الفرق بين مطبع و مقاطع؟!!!سوى صخب المظاهرات في الشوارع، وهتافات العروبة التي تتغنى بشجاعة الأجداد، ولذلك تساوى الجميع واقعيا وإن آختلفت المواقف عاطفيا، وهذا يدفعنا إلى التفكير في تطبيع واجب، لو تحقق لكان للعرب وزن مؤثر في مسارات القضية الفلسطينية، بعيدا عن العاطفة الجياشة التي لا تقدم و لا تؤخر، إن العرب اليوم مدعوون إلى تطبيع العلاقات بينهم، فدول متناحرة لم تتحرر من خلافات حدودية، لن تستطيع الاجتماع على كلمة سواء تخيف بها المحتل الغاصب، ودول لم تطبع علاقتها مع العلم و الاقتصاد وتعيش التبعية في كل شيء لن تكون أبدا رقما صعبا في مسار المنظومة الدولية، إن أقطارا عربية عجزت عن الوحدة فيما بينها، كيف يمكنها أن تكون يدا واحدة تمد العون والمدد لفلسطين؟؟!
إن العرب اليوم يعيشون غربة حضارية، في عالم لا يرحم، يختلط فيه القرار السياسي بالوضع الاقتصادي، ولذلك من كان رزقه من غيره لن يكون له قرار سيادي كامل من ذاته، بل يجب أن يوازن في عالم يشكل فيه الوضع الاقتصادي السيادة السياسية.
Share this content:
إرسال التعليق