جاري التحميل الآن

كيفَ ينتهي الحُب؟…

لميا أ. و. الدويهي.لبنان

لا أدري لمَ يظنُّ البعض بأنَّ الحُبَّ هو أمرٌ مُستحقٌ مجَّانًا وأنَّهُ حَقٌّ مُستَوجبٌ، على الطَّرفِ الآخر تأديته خلالِ العلاقة، وكأنَّه من واجبِ الحبيب أن يفيضَ عليهم بالحُبِّ والعطاء، كمَن يُرضي جلالةَ ملكٍ لا يُحرِّكُ ساكنًا حتَّى للشُّكران؛ وهذه الفئة تظنُّ بأنَّ الحُكمَ يعودُ فقط لها، في ما إن كان الحبيب أهلًا لبقائهم معه أو لا…
صحيح إنَّنا لسنا مسؤولينَ عن هذا الانجذاب الذي يشدُّ اثنينِ لبعضهما ولكن، متى قرَّر كلا الطَّرفين الدُّخول في علاقة، أصبحت هذه العلاقة مسؤوليَّةَ الاثنَينِ معًا، فإنَّ التَّكافؤ في العمل على بُنيان هذه العلاقة ومن ثمَّ العمل للحفاظ عليها، لهو أمرٌ ضروريٌ ومُحتَّم، فلا يستطيعُ أحد الطَّرفَين فقط العمل على إعلاءِ البُنيان لوحده وإلَّا فسُرعان ما سينهار…
والحُبُّ المشروطِ أيضًا غير قابلِ للاستمرار… التناقش في شتَّى المواضيع التي تتعلَّق بالثُّنائي لأمرٌ حيويٌّ ولكن فرض إيقاعٍ مُعيَّنٍ من أحد الطَّرفَين لهو عمليَّةُ تقييدٍ وتحديدٍ وتوجيهٍ إلى ما قد لا يُحمَدُ عُقباه…
أمَّا أسوأ من الفراق هو موت الحبّ واستمرار الثُّنائي بالعلاقة بفعلِ العادة…
لا يزالُ الكثيرون يتوهَّمون بأنَّ الحبّ هو تلكَ السَّعادة الأبديَّة والأزليَّة التي لا تنتهي والتي تستمرُّ على وَتيرةٍ واحدة وموحَّدة، بينما دقَّات القلب المُنتظمة تكون طورًا صعودًا وطورًا نزولاً وإن استقامَت، فارق الإنسانُ الحياة؛ وأطنُّ بأنَّ المعنى في قلبِ الفكرةِ واضحٌ…
نعم هناكَ سعادةٌ حقيقيَّة… نعم، هناكَ حُبٌّ حقيقيٌّ… نعم هناك علاقاتٌ ناجحة وثابتة وتدومُ إلى أن يُفرِّقَ الموتُ الثُّنائي، ونعم هناك استمراريَّة للحبّ، حتَّى من بعدِ الرَّحيل…
ولكن، لنوضحَ المسألةَ قليلًا، منعًا للالتباث والغوص في أفكارٍ وتحليلاتٍ خاطئة…
وجبَ أوَّلًا فهم وإدراك مفاهيم الحياة بعُمقها، معنى الحريَّة وكيفيَّة التصرُّف بها، معنى التضحية ومعرفة الحدود التي لا يجب تخطِّيها كي لا يتحوَّلُ الذي يقوم بالتضحيات إلى ضحيَّةٍ للـ«تضحية»، معنى التنازل الذي يبني ولا يهدر الحقوق، معنى استيعاب الآخر بدون استغلال، معنى الاحترام الذي لا يُقيِّد بل يحوي ويُقدِّر ويمنح القدرة على المُثابرة كي يشعَّ أجملُ ما في عُمقنا وعُمقِ الآخر، السَّعي إلى سلامِ القلبِ والنَّفس الذي ينعكسُ على الآخرين ويتقبَّل النَّقص «الإنساني» وليس النَّقص الذي ينتقصُ من الكرامات، يُهينُ ويُذلُّ بسببِ نقصٍ في «الحُب»… – مَن لم يشعر يومًا بالحبّ ويعرف قيمتَه، قد يتحوَّلُ صاحبُه إلى مُشوَّهٌ في الحبِّ عينِه…
الحُبُّ وليس الرَّغبة، يُساعدُ على تَخطِّي مصاعب وعثرات؛ يتغيِّرُ ويتحوَّل من خلالِه فقط الذي يُدرك نقصه ويسعى إلى الاكتمال به، فيبلغ تلكَ القِمَم في ذاتهِ ويلجُ إلى المُصالحة مع هذه الذات، فتتبدَّل كل المُعطيات، لأنَّ طريقة المعالجة والرؤيا للأمور تكون قد اختلفت مع هذه التحولات في نفسِ الإنسان… وهذه التحولات لا يبلغها ويتمِّمها سوى الذي يُدركُ بعُمقٍ، طبيعة الإنسان التي تتلكأ وتَعي محدوديَّتَها ولكنَّها لا تُقدِّمُ الأعذار كي لا تقوم بإصلاحاتٍ بذاتِها، لأنَّها تعوَّدت أن تكونَ ما هي عليهِ…
إن لم تتوافرْ هذه الشروط أو بعضًا منها أو أكثر بقليلٍ منها، لن يحتاجَ الحبُّ إلى الكثير لتغيير سكناه…
أصلًا لا أدري إن كنَّا نستطيعُ إطلاق اسم الحبّ على هذه المشاعر أو الرغبات…
سمُّوها كما شئتم، فهي لن تكونَ يومًا حُبًّا خارجًا عن قِوامِه الخاصَّة به…
لميا أ. و. الدويهي
٢٧ /٧ /٢۰٢٢

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك