بقلم ذ :وفاء الدغوغ.
كان لابد من الوقوف على الخروقات الأمنية والعنف الذي بات ممنهجا من قبل السلطات ضد كل وقفة إحتجاجية سلمية يقوم بها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ،فما الذي يزعج الدولة ويخرجها عن الإطار الدستوري والحقوقي من موقف الأساتذة ؟هل هو تمسك الأساتذة بملفهم المطلبي واستنكارهم للتعاقد الذي يعتبرونه مفروضا بحكم الواقع والسياق التاريخي والدولي الذي جاء به مرسوم رئيس الحكومة السابق السيد عبد الاله بن كيران سامحه الله.
إنه من حق الأساتذة أن يعبروا عن أنفسهم ويخرجوا قضيتهم للشارع المغربي شريطة عدم المساس بالنظام العام والأمن الاجتماعي ،وتأسيس التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ما هو إلا تكريس للتوجه الوطني والسلمي لهذه الشريحة من الموظفين للعمل داخل إطار نظامي وقانوني يكفل للأساتذة كرامتهم وللدولة هيبتها.
ولابأس أن نذكر بالأسباب الظاهرة والخفية التي سمحت بإنتقال عدوى التعاقد إلى جسد بلدنا ،فالبنسبة للأسباب الظاهرة يردد دائما السيد الوزير أمزازي على مسامعنا أن التعاقد كان هو الحل الأمثل لسد الخصاص في قطاع التعليم وخلق فرص شغل جديدة لإمتصاص بطالة خريجي الجامعات ،أما رئاسة الحكومة فكانت ولا زالت تبرر موقفها بأنه خدمة للمصلحة العامة يحقق توازنا على مستوى الميزانية العامة بتقليص النفقات وتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة على أرض الواقع ،لا أحد يمكن أن يطعن في صدقية هذه المبررات لكن لا يمكن أن نتغاضى عن أسباب أخرى تبدو خفية تزامنت مع السياق التاريخي لصدور المرسوم فهذا الأخير بشكل غير مباشر جاء تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي ( Fonds monétaire international) والذي يعتبر أحد أدوات الضغط التي تملكها الدول المانحة للتحكم في موازين القوى الدولية.
نحن مع الجهوية المتقدمة شريطة عدم المساس بالحريات العامة للمواطنين وتكافؤ الفرص وتبادل الخبرات والطاقات البشرية ما بين الجهات والجماعات الترابية وتقليص التفاوتات الإجتماعية ،إن إلغاء العلاقة النظامية ما بين موظفي التعليم والإدارة وإستبدالها بعقود إذعان سيؤدي إلى تدخل أطراف جديدة متحكمة ( الشركات ،المصارف ،المستثمرون،المتعاقدون مع المجالس الترابية عن طريق التدبير المفوض …) ،وما إلى ذلك من أنشطة مدرة للدخل بالنسبة للجهات الترابية والتي يبقى المتحكم فيها أعراف التجارة وتجاذبات العرض والطلب ،فكيف يعقل أن تصبح المنظومة التعليمية والتربوية تحت رحمة المستثمرين أصحاب الشكارة؟ عذرا يا سادة ولكن المدرسة المغربية ليست مزرعة لتسمين الأبقار والعجول بل إنها محددة رئيسية لتحديد مصير الأجيال ومستقبلها ،فدائما وأبدا يصرح السيد الوزيز أمزازي أن التعاقد جاء كحل لإشكالية الخصاص وأن الحكومة لن تتنازل عن تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة فما علاقة سد الخصاص بالجهوية المتقدمة؟.
سبقت الإشارة إلى أن الجهوية المتقدمة حل وتدبير للتفاوتات الإجتماعية والإقتصادية لكن الإشكال المطروح أن هناك جهات لا تستطيع أن تحقق حتى إكتفاؤها من الماء الصالح للشرب فكيف لها أن تؤدي رواتب ومستحقات موظفين لهم صفة أطر يعملون بأسلاك التعليم ؟ أما فيما يخص الحفاظ على الميزانية العامة وذلك بتقليص النفقات العمومية أليس هذا الهدف مرهونا بوجود موارد طبيعية وبشرية منتجة للثروة؟ وفي حالة توفر هذه الموارد فإن الأمر يظل بدوره رهينا بمدى نجاعة هذه الجماعات في تدبير ثرواتها سواء بالآليات القانونية للمسائلة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، وسواء بالآليات الفنية من توفير للمعدات ومواكبة للعصر وفي جميع التخصصات كما وكيفا وذلك كما سبقت الإشارة عن طريق تبادل الخبرات ما بين الجهات وحق الإطار التربوي في الإنتقال فمن شأن ذلك أن يضمن سد الخصاص ويضخ دماء جديدة في جسد تعليمي وتربوي صار عتيقا.
《جاء على لسان الرئيس السابق للاتحاد الزراعي العمالي “محمد الهاكش ” في أحد المقالات التي نشرتها جريدة العربي الجديد بتاريخ 31 يناير 2019 أن صندوق النقد الدولي لا ينشغل بالجوانب الإجتماعية في سياسة الحكومة فالمطالب التي تعبر عنها الفئات المتضررة من تلك السياسة يضحى بها بهدف الحفاظ على التوازنات المالية ،مشيرا إلى أن الصندوق لا يتناول القضايا المرتبطة بالبطالة أو بالهشاشة التي يعاني منها الأجراء والموظفون 》،ويترجم ذلك ما قامت به الحكومة في السنوات الأربع الأخيرة من تقليص في نفقات الدعم مما يضر بالطبقات الفقيرة والوسطى ،وللتحكم في معدل التضخم خفضت الحكومة من ضغط بعض الضرائب المفروضة على الشركات والمصارف التي استغلت الوضع لإقتراح معدلات فوائد مرتفعة ،ومما لا شك فيه أن أول المتضررين من هذه الضغوطات هي كتلة أجور الموظفين التي تشكل نسبة مهمة من ميزانية النفقات العمومية ،لأن صندوق النقد الدولي يشدد أكثر على النفقات ذات الأولوية التي تحقق تخفيض المديونية والحفاظ على التوازن المحاسباتي والمالي ،قد يبدو موقف الحكومة مثريتا أمام توصيات الصندوق لكن خير دليل على أنه ماض في تنفيذها هو نظام التعاقد المفروض على الموظفين وعلى رأسهم موظفي قطاع التعليم.
لقد عاد الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد للإحتجاج من جديد وخوض إضراب وطني عام إبتداء من يوم الإثنين 22 مارس وإلى غاية يوم الأربعاء الموافق ل 24 من نفس الشهر ، وجاء ذلك تنفيذا لمخرجات التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد تنديدا بما تعرض له الأساتذة من قمع وتعنيف من قبل رجال السلطة بالعاصمة الرباط ، وجدير بالذكر أن المسيرة السلمية لم تخرج عن نطاق المسموح به قانونيا وتمسك الأساتذة المحتجين هو تمسك بالمكتسبات الدستورية والحقوقية التي حققها المغرب في ظل السيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ،وبحسب بيان التنسيقية الوطنية فإن النضال متواصل والأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد جادون في التمسك بملفهم المطلبي ،ردا على الموقف المتعنت والسلبي للحكومة ورفض السيد الوزير أمزازي الجلوس على طاولة الحوار وترك المهمة لهراوات رجال الأمن والقوات المساعدة مفوتا بذلك فرصة جديدة لوضع حلول مرضية للطرفين في هذه القضية ،وعلى رأسها الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية ،ولقد استنكر الرأي العام ومجموعة من النشطاء السياسيين وأصحاب الرأي على مواقع التواصل الإجتماعي هذا العنف الممنهج الذي قام به رجال السلطة العمومية لفض إعتصام سلمي ،ومن جملة هذه المواقف المستنكرة السؤال الذي وجهه الفريق الإشتراكي داخل مجلس النواب إلى وزير الداخلية “عبد الوافي الفتيت” حول تعنيف مواطنين أثناء مسيرة سلمية وأمام مقر البرلمان و وزارة التعليم بالعاصمة الرباط،فكيف لإحتجاجات سلمية أن تقابل بمطاردات هوليودية في الشوارع واستعراض للعضلات مبالغ فيه نتج عنه إصابتان وصفتا بالخطيرة في صفوف الأساتذة المحتجين؟ فأين هو تنزيل الدستور ؟وأين هو السلم الإجتماعي؟ ،ولقد دون الفنان المغربي القدير “نعمان الحلو” عبر حسابه الخاص بموقع الفيسبوك قائلا 《إن العقدين الأخيرين إختلط فيهما الحابل بالنابل وتم فيهما إخفاء دور العالم والأستاذ والطبيب مقابل تمجيد التافهين وتمكينهم من إعتلاء منابر إعلامية 》.
يجب الحفاظ على كرامة الأستاذ ورد الإعتبار للمدرسة العمومية لأن الجهل هو ذلك القاتل الصامت الذي ينخر جسد المجتمع إلى أن يشله ،فهيا بنا نحارب جميعا كأساتذة وسلطات عمومية وفاعلين إجتماعيين هذا العدو المشترك . وعلى عكس مواقف ذوي المروءات من أصحاب الرأي خرج صحفي من اليوتبورز غير المؤثرين بتصريحات رديئة وركيكة ، وخير رد على هذا الأصلع الصغير ما قاله الصحفي الشاب ص.غ الذي تضامن مع الأساتذة بكل شجاعة معروفة عن أبناء عاصمتنا حينما وصفه بأنه يحب الركمجة وهي نحت فعلي لركوب الأمواج ،فاحذر أيها الصحفي الغير مؤثر أن تغرق هذه المرة، لأن بحر الأساتذة عميق جدا و يحتاج لإمكانيات فنية وعلمية عالية ،فالفرق كبير جدا ما بين الساحات النضالية الحقيقية وما بين الساحات الخلفية وما يحدث فيها خلسة يصبح فيها رواد المنابر الإعلامية من هذه العينة أبواقا.
تحية إجلال وتقدير لكل أطر ورجال ونساء المنظومة التعليمية التي كانت ولا زالت رمزا للنضال الوطني في سبيل تحقيق مطالب عادلة ومشروعة تعيد الريادة للمدرسة العمومية ،التي يحاول البعض من أصحاب الشكارة أن ينسفوها بتشويه صورة المؤسسات وسمعة الأطر العاملة بها لضرب مجانية التعليم والاستثمار أكثر في حاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى ألا وهي تعليم الأبناء ،ولا داعي أن نؤكد مرة أخرى أن مطالب الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ليست سياسية ولا قابلة للتسييس بل هي مطالب وطنية و إجتماعية و تنموية ،فجميعا من أجل الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية والترسيم بشكل نظامي بعيدا عن أي إكراهات داخلية أو خارجية.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة رأي مع الحدث.
Share this content:
إرسال التعليق