احتضن المعهد الموسيقي المرحوم الرايس الحاج بلعيد بمدينة تيزنيت، مساء يوم السبت 18 أكتوبر 2025، محاضرة افتتاحية تحت عنوان ” رهانات التراث والآثار في بناء السردية الوطنية ووظيفتها كرافعة للتنمية المحلية”، أطرها الدكتور عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وذلك في إطار استهلال الدخول الثقافي لموسم 2025-2026، الذي تنظمه جماعة تيزنيت بشراكة مع مؤسسة تيزنيت ثقافات.
وجاءت هذه المحاضرة الافتتاحية لتشكل لحظة فكرية وثقافية رفيعة، جمعت بين البعد الأكاديمي والاهتمام المجتمعي بالتراث كأحد الركائز الأساسية لبناء الهوية الوطنية، في مستهل مداخلته، سلط الدكتور بوزوكار الضوء على المكانة الاستراتيجية للتراث المادي واللامادي في صياغة السرديات الوطنية، مبرزاً أن حفظ الذاكرة الجماعية واستحضار رموزها ومعالمها يمثلان حجر الزاوية في تكوين الشعور بالانتماء وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وأوضح المتحدث أن الآثار والمعالم التاريخية ليست مجرد شواهد عمرانية أو عناصر من الماضي، بل هي موارد رمزية واقتصادية يمكن توظيفها بذكاء ضمن مشاريع التنمية المحلية، شريطة تبني مقاربة علمية تشاركية تدمج الباحثين والفاعلين الترابيين والمجتمع المدني، وأضاف أن التراث، بمختلف تجلياته، قادر على أن يتحول إلى محرك أساسي للتنمية المستدامة من خلال تثمين الصناعات الثقافية، وتشجيع السياحة التراثية، ودعم المبادرات المحلية المرتبطة بالحرف التقليدية والفنون الأصيلة.
كما توقف الدكتور بوزوكار عند التحديات التي تواجه التراث المغربي، وفي مقدمتها ضعف الوعي المجتمعي بأهميته، وتراجع الاعتناء بالمآثر التاريخية في بعض المناطق، داعياً إلى اعتماد رؤية وطنية مندمجة تعطي الأولوية للتربية التراثية في المناهج التعليمية، وتعمل على ربط التراث بالتنمية الترابية عبر برامج عملية ومشاريع مهيكلة.
هذا وشهدت المحاضرة تفاعلاً واسعاً من قبل الحاضرين، الذين طرحوا أسئلة ونقاشات أغنت الجلسة، وتمحورت حول سبل حماية التراث الأمازيغي والمحلي بتيزنيت، وكيفية تحويله إلى رافعة فعلية للاقتصاد الثقافي والسياحي بالجهة. كما عبّر عدد من المشاركين عن تقديرهم لمبادرة مؤسسة تيزنيت ثقافات و جماعة تيزنيت في شخص رئيسها السيد عبد الله غازي، في تنظيم مثل هذه اللقاءات التي تكرّس ثقافة النقاش الأكاديمي حول قضايا التراث والتنمية.
وفي ختام اللقاء، تمت الإشادة بالدور العلمي الذي يقوم به المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في تأهيل الكفاءات المغربية وتطوير البحث في مجال التراث، وبالدينامية التي تعرفها مدينة تيزنيت كمركز متجدد للثقافة الأمازيغية والتراث المغربي المتنوع.
وبهذا، تكون تيزنيت قد دشّنت موسمها الثقافي الجديد بنقاش فكري راقٍ يعيد الاعتبار للتراث كذاكرة حية، وكمورد تنموي مستدام يعانق الحاضر ويستشرف المستقبل.
تعليقات ( 0 )