عبدالرحيم الشافعي: كاتب صحفي- المغرب
“مِنَ العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه”
(ابن رشد )
إن مفهوم العدالة الإجتماعية يحتل مكانة هامة في الفلسفة السياسية والإقتصادية و الاجتماعية على حد سواء، حيث انشغل بها الفلاسفة، والمفكرين، و علماء الاجتماع، و قاموا بدراستها و تفكيك خباياها ، كل من زاويته الخاصة، مما أذى الى وجود تعارض، و اختلاف، و تباين، في مواقفهم و تصوراتهم،
والمقال الذي بين أيدينا يندرج ضمن نفس الموضوع، إذ يسلط الضوء على قضية العدالة الاجتماعية بين مفهوم الواجب، والحق، والقانون، و من خلال هذه المفاهيم يمكننا طرح الإشكال الاتي : هل العدالة الاجتماعية قضية واجب أم حق أم قانون ؟ و بناء على هذا يمكننا أن نتسائل :
فما مفهوم العدالة الإجتماعية ؟ و ما علاقتها بالواجب والحق والقانون ؟ بأي معنى يمكننا الحديث عنها ؟ هل من خلال الواجب كواجب ؟ أو من خلال الحق كحق ؟ أو من خلال القانون كقانون ؟
من خلال العنوان يتضح أن الموضوع يتبنى قضية العدالة الاجتماعية التي تحمل في طياتها مفهوم العدل،من عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل، والعدالة هي إعطاء الحق لأهله وافيًا غير منقوص في قليل أو كثير، وعدم نقصانه أو زيادته على حساب الغير. وهي أيضًا تحقيق التوازن بين طرفين أو أكثر، أما مفهوم العدالة الاجتماعية فيحيل إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، وتحقيق معادلة متساوية وعادلة بين أفراده، و قد أكد هذا المفهوم الفيلسوف الأخلاقي والسياسي جون رولز في كتاب نظرية العدالة، حيث حاول حل مشكلة تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق التوزيع العادل إجتماعيا للأغراض في المجتمع،لأجل توفيق بين التحرر والعدالة، ومن أجل مجتمع جيد التنظيم.
إن هذه في الحقيقة إرادة خيرة ،وحرة لا تخضع لميولات ذاتية، و مصالح فردية، أو لمبذأ خارجي، وهذا هو مفهوم الواجب الذي تحدث عنه الفيلسوف ايمانويل كانط حينما اعتبر أن الواجب مرجعه العقل، وغايته فقط احترام القانون الأخلاقي، ومنطقه الإرادة الخيرة، أما مفهوم القانون فهو مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع، أو النظام الذي تجري وفقاً له علاقات الأشخاص داخل المجتمع.
بين العدل والواجب والقانون هناك أفراد في المجتمع يجب انصافهم،ويصادف هذا قول الفيلسوف الهولندي غروشيوس ، الذي اعتبر أن القانون هو الحكم بأنّ عملاً ما يعد ظالماً أو عادلاً تبعاً لكونه مخالفاً أو موافقاً لمنطق العقل، وإنّ قواعد هذا القانون ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، و حسب هؤلاء الفلاسفة فأن العدالة الاجتماعية لن تتحقق مادام هناك ظلم سواء بين أفراد المجتمع فيما بينهم، أو سواء بين السلطة الحاكمة والمجتمع.
لن يتحقق هذا الا بوجود مبدأ الحق وهو مفهوم يشير الى تلك الأمور التي يحتاجها الإنسان أو الكائن الحي عامةً، كي يحيي حياة كريمة، إذ يجب على الدولة والوطن والمجتمعات توفيرها له دون منّة أو تعدٍّ، و هي ملك لكل البشر، مكفولة بعدم قابليتها للتجزئة أو الانتزاع من أي شخص كان، مهما كانت ظروفه، فلا يحق لأحد حرمان أي فرد من حقوقه الشخصية، فهي ثابتة وغير قابلة للتصرف، ولا يمكن تجاوزها في أي حال من الأحوال.
وكخلاصة يمكن القول أن العدالة الاجتماعية لن تتحقق برفع الشعارات في مختلف وسائل الإعلام، أو في المظاهرا، أو في الندوات، و المحاضرات، بل ستتحق العدالة الاجتماعية، عندما يدرك الانسان ما له و ما عليه من حقوق، وواجبات في إطار قانوني يعدل بين الناس، يحقق مبدأ العدل و تكافئ الفرص في ضمير الفرد، مع نفسه، و داخل أسرته، و مع مجتمعه، وداخل وطنه، فمفهوم العدالة الاجتماعية عند رولز أو كانط أو جون لوك أو هيوم، مرتبطة بالعقل و بالفرد كسلوك أخلاقي قبل أن تصبح حق و قبل أن يؤطرها قانون، فلا تنتظر الدولة أن تحقق لك هذا المبدأ و أنت تطعن في شرعية الميراث، و في جودة المنتوجات،و تمكر بالناس في العلاقات، و تغش في البيع و الشراء، و في نشر المعلومات،وووو…فلن تكون عادلا ما لم تكن انسانا.
Share this content:
إرسال التعليق