مداغ
كان لمتابعي الملتقى العالمي للتصوف في دورته الخامسة عشرة المنظم من طرف الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها ومؤسسة الملتقى، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، الخميس 5 نونبر الجاري، موعد مع الجلسة العلمية الثالثة عشرة التي تناولت محور ” التصوف وتدبير الأزمات: رؤى واقعية ومستقبلية “، وبثت فقراتها عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى.
ترأس هذه الجلسة الدكتور الطاهر الوزاني، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء(المغرب)، وكانت أولى المداخلات للدكتور محمد دياب النائب عن الطريقة الدومية الخلوتية من مصر الشقيقة، بعنوان ” رؤية إيمانية صوفية للأزمات”، استهلها بالحديث عن المنظور الصوفي للمحن، من حيث كونها تحمل في طياتها منح، وبين أن المحن تأتي من ظهر المحن، والبلية تأتي من بعدها العطية والمزية، وأضاف بأن ذلك لا يتأتى إلا عبر الرضى والتسليم المطلق مصداقا لقوله تعالى: “عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم” مشددا على ضرورة الأخذ بالأسباب، واستدل على ذلك بعدة نماذج من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية العطرة.
تلتها المداخلة الثانية من دولة الصين، للدكتور علي عبد الله الصيني، المدير العام التنفيذي للشركة الثقافية الصوفية والتنموية المحدودة بمدينة شيآن بالصين، الذي تناول فيها موضوع “الطرق الصوفية والتصوف فيهما سعادة الإنسان وسلامة الأوطان”، أبرز من خلالها أن سعادة الإنسان تنبع من تذوق حلاوة الإيمان، التي تتأتى بتزكية النفس تحت إشراف ولي من أولياء الله الصالحين، مبينا أن هذه السعادة تثمر سلامة الأفراد، التي تنجم عنها سلامة المجتمعات وسلامة الأوطان.
فيما كانت المداخلة الثالثة للأسقف الفرنسي بباريس الأب نيكولا Monseigneur Nicolas Archevêque de Paris ، تحت عنوان “أزمة التعليم على ضوء الروحانية”، تحدث فيها عن تجربته الشخصية في الكنيسة، وطبيعة عمله التي يجب الفصل فيها بين الروحي والسياسي، وبناء علاقة من الاحترام المتبادل دون تدخل أي طرف في مجال عمل الآخر، ودعا إلى تكثيف التعاون بين مختلف الأطياف رغم اختلاف الأديان والمعتقدات، لأن الغاية الأساسية هي نشر النور والمحبة بين الناس.
الدكتورة إيناس صافي، الباحثة في الفيزياء بالمعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS ، كانت مداخلتها الرابعة باللغة الفرنسية تحت عنوان: Nouveaux paradigmes scientifiques et ressources spirituelles : les Antidotes à la réification du monde، دعت من خلالها الى الاستفادة من العلوم الدقيقة وربطها بالمبادئ الروحية الإسلامية، لأن التربية الروحية تتناغم مع المبادئ الكونية، مبينة أن الإنسان ما هو إلا وحدة دقيقة في هذا الكون الشاسع.
لتتواصل أشغال الجلسة الثالثة عشرة من خلال المداخلة الخامسة، للدكتور ماجد الدخيسي أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني -الدار البيضاء- (المغرب)، التي جاءت على غرار سابقتها باللغة الفرنسية، تحت عنوان ، ” Covid 19 et crise Sanitaire Mondiale : le grand retour des questions existentielles “، استهلها بالحديث عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها البشرية المتمثلة في أزمة المعنى الناجمة عن الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية، وأبرز أن هذا العالم المادي الذي مركزه الفرد، اضطر لقطع العلاقات حسا ومعنى من خلال الإجراءات الاحترازية، وأكد على أن الجهة التي ينبغي اللجوء إليها عند حلول الأزمات هي التربية الروحية التي أساسها محبة الخالق والخلق.
أما المداخلة السادسة فكانت للدكتور Bruno Guiderdoni مدير البحث بالمعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS، اختار لها كعنوان: ” Soufisme et crise environnementale”، حيث سلط من خلالها الضوء على الأزمة البيئية التي نعيشها والتي اعتبرها بالأساس أزمة قيم، وأضاف أنها أزمة داخلية للإنسان تتجلى في سلوكاته على أرض الواقع، ودعا إلى تحقيق السلام والعدل عن طريق المعرفة، وتعزيز حوار الحضارات والأديان كسبيل للخروج من هذه الوضعية، وشدد على ضرورة وضع حد للتسابق المحموم للاغتناء لأن الغنى الحقيقي هو غنى الروح والغنى بالله.
المداخلة السابعة كانت للدكتور مراد خيرالدين أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، كاتب وشاعر، بعنوان “المحبة في مواجهة الأزمة”، تطرق من خلالها للسبيل الأوحد لتحقيق الفرد لإنسانيته ونجاته، وذلك بالرجوع إلى الأصل، مذكرا ومحللا لأبرز الأحداث التي تشغل الرأي العام حاليا، والمرتبطة بالأزمة الصحية والاقتصادية المرتبطة بجائحة كوفيد 19، وكذلك الأحداث التي شهدتها فرنسا والدول الغربية الناجمة عن الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى نشر قيم المحبة والأخوة بين الجميع لأننا أمة واحدة رغم اختلاف الثقافات والأعراف.
واختتمت هذه الجلسة العلمية من إيطاليا، بمداخلة للدكتور عبد الله مشنون، رئيس المنظمة الإسلامية للعالم العربي وأوروبا، التي جاءت تحت عنوان “وآمنهم من خوف”، بين من خلالها أن سبل الخلاص من الأزمات، يتمثل أساسا في الأخذ بالأسباب الشرعية دون تغييب المسبب سبحانه وتعالى، مدرجا نماذج تاريخية في تدبير وإدارة الأزمات التي مرت بها الأمة الإسلامية، لاسيما في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يعتمد على مشورة أصحابه والأخذ بالأسباب الشرعية، ونبه إلى ضرورة الاجتهاد في إيجاد الحلول للأزمات الراهنة وعدم الاقتصار فقط على ما جاء في الأثر وفق الضوابط الشرعية، مع التشبع بالمحبة الإلهية ومحبة الصالحين لاكتساب السلوك القويم.
Share this content:
إرسال التعليق