بَعضٌ من أَوْجُهِ الذَّات..
لمياء.أ.و.الدويهي.لبنان
بَعضٌ من أَوْجُهِ الذَّات…
تُعاكِسُنا الحَياة وتُؤلِمُنا حين لا نَفهمُ أَحكامَها، وتَخلُقُ في داخِلِنا تَفاعُلاتٍ ورُدودَ فِعلٍ تُفاجِئُنا قَبلَ الآخرين، تُسيءُ إلينا و تُؤذينا، إلاَّ أَنَّنا لا نَعرفُ كيفَ نَضبُطُها نَقبَلُها، نَستَوعِبُ تَقلُّباتِها، تأخُذُنا إلى أَماكنَ غَريبةٍ عنَّا في داخِلِنا، تَدفَعُنا إلى اعتِناقِ مَواقفَ تُثَبِّتُ حُجَجَنا، بِغَضِّ النَّظَرِ إن كانَت صَحيحَةً أَم خاطِئَة؛ فنَبحَثُ عن أَشخاصٍ، قد لا يَتَمَتَّعونَ بالحِسِّ المَطلوب، ليَحكِموا في الأُمور، يُوافقوننا الرَّأَي، لنُؤكِّدَ لذواتِنا بأنَّ تَصرُّفاتِنا وقَراراتِنا سَليمةٌ وصائِبة فَنَرتاحَ ونَطمَئِنَّ إلى تلكَ الأَفكار، بل بالأحرى إلى تلكَ «الرؤيا» المُشَوَّشَة، وذلكَ حِفاظًا مِنَّا على صورَتِنا في أَعيُنِ أَنفُسِنا…
وهنا لا نَستطيعُ إلاَّ أَن نُقِرَّ، بأَنَّهُ مَهما بَلَغَ النَّقصُ في الأُمور، يَبقى فيها شيءٌ من الحَقيقةِ وإنَّما تَتَفاوَتُ نِسبَتُها بينَ حالةٍ وأُخرى وتَكادُ تَنعدِمُ في حالاتٍ أُخرى…
إِن حاوَلنا قليلاً تَحليلَ الأمور، لَوجَدنا أَنَّه من الصَعبِ على الإِنسان، في كَثيرٍ من الأَحيان، الإِقرارَ بخَطئِهِ وضُعفِه ونَقصِهِ، ومتى استَطاعَ بُلوغَ قِمَمٍ في المَعرفةِ، التي تَرُدُّهُ إلى ذاتِهِ والتي تَجعلُهُ يَقبلُ هذه الذَّات بكُلِّ ما يُمكِنُ أن تَحويَهُ الذَّات، لرُبَّما استَطاعَ أيضًا أن يَخَلَعَ رداءَ الكبرياء الذي يَحجِبُ ذاتَهُ عن ذاتِهِ ولَأَدرَكَ قيمَتَهُ الحَقيقيَّةَ وقَدْرَهُ وقُدُراتِهِ، نِقاطَ ضُعفهِ وقُوَّتِه وما يُميِّزُهُ عن الآخرين…
هناكَ شَعرةٌ بين الثِّقةِ ومَعرفَةِ طاقاتِ الذَّات وبينَ الكبرياء… الأُولى لا تَخشى السُّؤالَ والمَشورَةَ وتَرضى بالمُلاحَظات وتُميِّزُ الحِقَّةَ من تلكَ النَّابِعَةِ من مَشاعرَ سَلبيَّةٍ
تَحوي أَغلالَ الغَيرةِ والخَوفِ والحَسَدِ وإلى ما هُنالكَ من نَوايا مُبطَّنةٍ، مَخفيَّةٍ، مُؤذيَة…
أَمَّا الثَّانيَة، فتَرتَكزُ على ذاتِها وقِوامِها الشَّخصيّ، تَرفُضُ الإِقرارَ بقُدُراتِ الآخرين ورؤيَتِهم ومَعرفَتِهم وخُبراتِهم وطاقاتِهم… الأَولى سُرعانَ ما تَرتَفعُ وتَرتَقي لأَنَّها ثابتَة،
والثَّانيَة، ولو مَهما طالَ بها الأَمر، فعاجلاً أَم آجلاً ستَنحَدِرُ ويُعاجِلُها السُّقوط من… ذاتِها…
وهنا يَبقى السُّؤالُ الأَهمُّ: هل سيَستَطيعُ هذا الإنسانُ، يَومًا ما الوقوفَ أَمامَ مِرآةِ هذه الذَّاتِ والإِقرارَ بنواقِصِه أَم أنَّهُ سيُواصِلُ العَيشَ في النُّكران خَوفًا من أَن يَكتَشفَ يومًا ما
قَباحَةَ تَشَوُّهٍ مُزمِنٍ في داخِلِهِ أَعاقَهُ وجَعلَهُ يَحيا الحَياةَ خارجَ الحَياة وبالتَّالي خارجَ ذاتِهِ؟…
هناكَ أَشخاصٌ يَبحَثونَ عن الحَقائِقِ ولا يَقبَلون ببَديلٍ عَنها، لو مَهما كانَت قاسيَة، لأَنَّهم يَتمتَّعون بالقُدرةِ على امتِصاصِ الصَّدَمات والنَّقدِ مَتى كانَ بَنَّاءً، وإن جارحًا، ويُحَوِّلونَهُ إلى ما هو إٍيجابيٌّ، مُطَهِّرينَ أَنفُسَهم من نواقِصِهم كما لو أنَّها لم تكُنْ يَومًا مُتَواجِدةً فيهم… وهنالك فِئَةٌ لدَيها المَسعَى نَفسُهُ لكنَّها لا تَستَطيعُ تَلقِّي الحَقيقَةَ كما هي، ومع هَؤلاء، الذينَ لا يَستَطيعون استيعابَ وَقعِ الحَقيقة، وَجَبَ تَغليفُها بالحِكمَة، عَلَّها تَبنيهم من دونِ أَن تُؤذيَهم فَيُواصلوا المُضيَّ قُدُمًا…
وهناكَ مَن لا تَنفَعُ مَعهم الحَقيقَةُ الحَقَّة ولا تلكِ المُغلَّفةُ بالحكمَة ولا حتَّى المُنَمَّقَةُ، لأَنَّ آذانَهم اعتادَت فَقط الإِصغاءَ إلى ضَجيجِ نُفوسِهم المُتأَجِّجَةِ بلَهيبِ أَفكارِهم المَأسورةِ داخِلَ احتياجاتٍ قَلَّما تَكون حَقيقيَّةً وبَنَّاءةً لشَخصِهم، فكَم بالحَريِّ للآخرين الذين مَعَهم وبهم يَكتَملُ الوجود؟!…
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق