مهرجان الجونة السينمائي: فلسطين في القلب والعين
بقلم عبد الاله الجوهري
بعد النقاش الحاد الذي دار بين السينمائيين والفاعلين وبعض الحقوقيين المصريين، حول التطبيع السينمائي في الجونة، بسبب تكريم الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو، باعتباره فنان مدعم للكيان الإسرائيلي عبر تصريحات ومواقف سابقة، كان ولابد لهذه التظاهرة السينمائية ان تؤكد على فعل الانتماء للحق الفلسطيني، وتقديم ما يؤكد على ان المهرجان مناسبة للسينما الجادة الهادفة، سينما الإبداع والخلق المناصر لقضايا الشعوب المضطهدة، أساسا الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الصهيوني. وقد تحقق ذلك في اليوم الرابع من أيام المهرجان، بتقديم فيلم تحت عنوان “200 متر” للمخرج أمين نايفة، وهو شريط من إنتاج مشترك بين فلسطين والأردن والسويد وايطاليا، وقد شارك من قبل كمشروع في منطلق الجونة السينمائي، في مرحلة التطوير، أساسا خلال الدورة الأولى للمهرجان، حيث فاز بجائزة مينتورا أرابيا لتمكين الشباب والأطفال. والأهم من كل ذلك أنه يشارك، خلال هذه الدورة، ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، إلى جانب أفلام عالمية متنافسة جد قوية. هذا قبل أن يقدم عرض الفيلم.
قبل عرض الفيلم تم تقديم جائزة مينا مسعود الخيرية، للمخرج أمين نايفة، قدمها له مدير المهرجان أمير رمسيس، والجائزة، كما هو معلوم، تابعة لمؤسسة خيرية غير هادفة للربح، تهدف لمساعدة الفنانين من جنسيات مختلفة، حيث تقدم المؤسسة في كل دورة من دورات المهرجان الجائزة بشكل سنوي. وقد أعلن مينا مسعود عن الجائزة من خلال رسالة مصورة تم تقديمها للجمهور الحاضر.
بالنسبة للفيلم، الذي تابعه ضيوف المهرجان بكثافة، فقد تم استقباله بداية بدفق من الحب والحماس تضامنا مع معاناة المبدعين الفلسطينيين، ونهاية بالإعجاب والتصفيق الذي لم يتوقف بالنظر لقوة الفيلم فنيا وتقنيا وانسانيا، بل انهمر سيل من العواطف الجياشة تجاه صناعه، عواطف اظهرها بوضوح العديد من الحاضرين، الذين اغرورقت عيونهم بالدموع، وهم يتابعون فصول مأساة عائلة فلسطينية، عائلة تكابد حالة من التمزق الأسري، لكون أفرادها يعيشون في مكانين مختلفين، لا يبعدان عن بعضهما سوى ب 200 متر، والمعاناة اليومية في التنقل والإهانة، رغم أنها تعيش فوق أرضها التي احتلها الصهاينة، الأرض التي تم تفتيتها، وبناء سور للذل والعار، يقسم المدن والقرى، ويضع حواجز للتواصل بين العائلات، ويحول بذلك حياة الناس لجحيم لا يطاق.
الفيلم فصول من حياة مصطفى وزوجته، القادمين من قريتين فلسطينيتين، حيث يفصل بينهما جدار عازل، رغم أن المسافة بينهما 200 متر فقط، ظروف تفرض عليهما اكراهات غير اعتيادية، مما يشكل تحديًا لزواجهما، ويكبر التحدي عندما يمرض ابنهما، فبهرع مصطفى لعبور الحاجز الأمني الإسرائيلي، لكنه يُمنع من الدخول، وهنا تتحول رحلة ال 200 متر إلى أوديسا مُفزعة بوقائع صادمة، وعلاقات إنسانية متشابكة ومواجهات بين شخصيات تركب مخاطر التهريب.
قدرة المخرج على تصوير الدفق الإنساني كانت جد رهيبة، جسدها بعمق ابطال الفيلم، وترجمتها صور سينمائية فيها من نفحات التمكن الشيء الكثير، وامكانيات فنية تؤشر على ميلاد مخرج عربي متمكن.
مبروك لفلسطين بهذا الفيلم، الذي ولاشك سيكون بمثابة إدانة تاريخية لصلف وعنجهية الاحتلال، وايضا شهادة صادقة لنضال شعب، وجد نفسه يحمل على اكتافه آلام عصر، بسبب ظلم وقع عليه، دون أن يكون له فيها أدنى سبب، اللهم التواجد في أرض شكلت دائما ممرا للطغاة والغزاة. ومبروك للقائمين على المهرجان بتقديم هذه التحفة لعموم الجمهور، خاصة منهم الأجانب الذين ولاشك اكتشفوا حقائق طالما طمستها الدعاية الصهيونية.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق