بقلم تفاحي البشير .
يعتبر الراحل محمد بطمة من الشّخصيات البارزة التي يستوقفنا الحديث في شأنِها لمرّات عديدة و باحتفاءٍ من العيّار الثّقيل لشخصيةٍ فنية كبيرة ذاع صيُتها في السّاحة الفنّية و أثبتتْها الظاهرة الغيوانية عن جدارةٍ و استحقاق نظراً لحمولتها الوازنة ، فنان ذو شخصية قوية كُتبتْ أحرفها بمدادٍ من فخرٍ و سؤددٍ و اعتلتْ سلّم المجد و النّماء في سماءِ الظّاهرة المشاهبية و المسناوية بالخصوص ، إنه الفنّان “محمد بطمة” وكما لقبّه الكثير من المهتمّين و العارفين لخبايا الظّاهرة من كتّابٍ باحثين ب”وحش الشعراء”…
هو ابنُ منطقة مشروع بن عبو نواحي مدينة سطات و المطلة على مشارف وادي أم الربيع ، هنا بهذا المكان كان رحمة الله يجد ذاثه و ملاذه كلّما ضاقت به أهوالُ المدينة بضوضاءِها و من هذه المنطقة بالذاث انطلقتْ رحلتُه الأسطورية و النّضالية والثّورية في البحث عن الذاث المفقودة و الطّامحة للرغبة في العطاء ، مِشوارٌ طويلٌ استهلَّه بولوج الدار الشباب بالحي المحمدي إذ لم يُسعفْه الحظ لإتمام دراستِه كما كان يجب و استفاق على قدرٍ حتّمه عليه أبو الفنون الذي التصق به منذ أن كان فتى يافعاً يراوده حلمُ باتَ وشيكاً لتحقيقه ، فنّان يحدوه الطّموح من كل صوبٍ و حدبٍ وسرعان ما انخرط في أعمال ذاثِ الصّلة بالظاهرة ضمن أعمال جمعوية و مسرحيات تقمصّ فيها أدواراً بارزة لبطولاتِ شخصياتٍ كانت تعيش دواخلَه و وجدانَه ، أحاسيسٌ وجدانيةٌ مليءةٌ بمواقفَ لصورٍ اجتماعيةٍ استمد رءيتَها من صميمِ الحياة المعاشةِ ، و في أولى محطاته المجموعاتية شاءت الأقدار أن يحطّ الرحال مع مجموعة “تكادة” كبداية لمشواره الفني و التي لم يُعمّر طويلا في أوساطها و ظل هاجسُ “التامشهبيت” يراوده على محملٍ من الجدّ و الرغبة في العطاء ، و قد تأتّى له حلم العضوية و الرّسمية مع مجموعة المشاهب في إحدى نُسخِها الجميلة هي فترةٌ كانت مجموعة المشاهب آنذاك في أمسّ الحاجةِ إلى مبدعٍ من طينة المرحوم محمد بطمة قد يطفي نار و شعلةَ لهيبِها و في رحلة هي الأخرى أضفى عليها رحمة الله عليه لوناً و لباساً جديداً أهّل الظّاهرةَ لتُزَكّى تسميتُها ب “التامشاهبيت” لوناً ثورياً و خامةً صوتية صادحة ثارة و قوية و دافئة ثارة أخرى ، خامة صوتية منحتْ ميزة و دفعة قوية إبّان بزوغ فجرِ مجموعة المشاهب كظاهرة فرضتْ وجودها و بعضوية رسمية مع المؤسسين الأوائل ، مرحلة إذن احتدم فيها الصراع على مصراعيه بين مجموعات الظاهرة آنذاك “جيل جيلالة” و “ناس الغيوان” …
فنّان له رؤيةٌ شمولية للفن نظراً لاعتماده نظريةَ التّأويل العميق و المستوحى من صميمِ الحياةِ الإجتماعية للإنسان العربيّ بصفة عامة و شمولية ، نظريةٌ موجهة توجيها سديداً و صاءباً لواقعِنا المعاش ، احتضانُه رحمةُ اللهِ للظاهرة المسناوية هو محورُ حديثٍ و ماءدة مستديرة قد يطول فيها النّقاش و قد لا نفي في بعض الأحيان لإحياءاً ذاكرتها الراسخة في وجدان الجمهور المسناوي بشكل مدقق و مكثّف ، هو حلمٌ إذن كان يُراودُه و استقام على الجدّيةِ في التّعامل مع أعمال فنية كبيرة و رائدة ، أعمالٌ خالدات كما تسميها الجماهير المسناوية من مثيلات “امحمد” و “هاينة” التي لم يُكتب للمشاهب تأديتُها و أضحتْ قطعة من اختصاص أهل القصةِ و الحبكة في السردِ الحكواتي لمجموعة مسناوة دون غيرها ، و أيضا رائعة “عودي الأزرق ” و ” موسم الصيدة “و ” حمادي” و ” إلى جيتي على غفلة “و “حبك خفاف” و “النسر و ” و “أصاحبي “و العديد من الأعمال التي يرجع له الفضل الكبير لما آلت إليه مجموعة مسناوة من نجاح و إبداع قل مثيله ، فنّان شارك هموم الظاهرة و عِشنا أقوى لحظات المتعة و التّشويق و التّتويج و الإبداع الفكري و الفني معه ، و ظلتْ ذاكرته راسخةً في وجدانِ الجمهور المسناوي و الظاهرة الغيوانية بشكل عام لأنه بالفعل فنّان كانت له رؤية شمولية اتجاه مجموعة مسناوة بالخصوص وبرؤية فلسفيةٍ و إبداعيةٍ تَحملُ في بعدها نظرتَه الإنسانية الثاقبة و بأبعادٍ اجتماعيةٍ و فكرية و سياسية عالجتها مجموعة مسناوة في قالبٍ غناءي تصوّري إبداعي استحسنتْه جميع الأوساط الفنية و اصطلح عليه وصفٌ و لقبٌ يليق بمقامِه الفني والإنساني ، لقب سِرْنا على خطاه و نهجه أسلوبا مسناويا نقارع تحدياتٍ جسامٍ و تحديات صعابٍ ..
فنان ترك لنا إرثاً تاريخيا يزخر بالعطاءات و القيمِ الإنسانية العالية و قد نكون مقصّرين في حقّه و بوصفه لشهيد الكلمة و عرّاب مجموعة مسناوة و الفنان الذي يُطرِب و الكاتبُ و الزجالُ و الملحّن أيضا و كاتبُ القصة ، فرحمة الله على هذا الفنان الذي غادرنا في صمت إلى دار البقاء ، و إ نا لله وإنا إليه راجعون …
Share this content:
إرسال التعليق