لميا أ. و. الدويهي.لبنان
غريبٌ كيف ينسى الناس أهميَّةَ الإحساس وينساقونَ فقط إلى تحقيق أهداف مُعيَّنة، هي طبعًا مُحقَّة وواجبة للنموِّ الذاتي والاستمراريَّة والشعور بالرِّضى… بيدَ أنَّه غالبًا ما يغفلُ البعضُ عن أهميَّةِ الآخر ووجودِه في حياتهم كشريكٍ أساسي، له مكانتُهُ، كيانُهُ، حاجتُه من الاهتمام ورغبتُه بالشعورِ بالأولويَّة…
غالبًا ما ننغمسُ بأشغالنا من أيِّ نوعٍ كانت ونتوقفُ عن تَنمية العاطفة التي تربطُنا بأحبابنا، لتَغدوَ «الأعمال» الهدف الأسمى والأوَّل، لدرجة يُصبحُ هذا الآخرَ، الأخيرَ في أولويَّاتِنا، فينمو كُلٌّ منَّا على حدا، أو ينمو أحدهما ويعلقُ الآخر في مكانٍ ما في الوراء… فيُصبحُ فجأة، وبعد أن كان محورَ اهتمامِنا «غريبًا» عنَّا… لا نعرفُهُ، لا نفهمُ تَذمُّرَه، نتَّهمُهُ بعدمِ الرِّضى ونرمي بوجهه العبارة الشَّهيرة: «أنا لِمَن أقومُ بما أقوم؟ أليس لأجلِكِ/لأجلِكَ أو لنا وللعائلة؟»… المؤسفُ أنَّ هذا الواجبَ النَّابع من اهتمامٍ وتلبيةٍ للحاجات الحياتيَّة الضروريَّة ، لإكفاء العائلة وتحسينِ أوضاعها، لتحيا بكرامتها، يتحوَّلُ عند البعض إلى هَوسٍ وحتَّى إلى نرجسيَّة وأنانيَّة أساسها فقط الأنا وتحقيق الذات ولو على حساب الأحباب، فيُصبحُ حينها التغيُّب مُبرَّرًا وعدم القيام بواجباتِنا تجاه الشَّريك والأبناء «طبيعيَّا»…
كلٌّ منَّا يحتاجُ أن «يكون»، كلٌّ منَّا يحتاجُ أن يكتشفَ طاقاتِه وقُدراِته وأن يُنجِزَ ما يعتقدُ أنَّهُ أمرٌ حَيويٌّ وضَروريٌّ له أو حتَّى أنَّهُ مَدعوٌّ لتَحقيقِهِ، ولهُ الحقُّ بأن يشعرَ ولو بالقليلِ من الدَّعم من الطَّرفِ الآخر وأن ينالَ قسطًا من التَّشجيع والتَّحفيز، وأن يُدرِكَ بأنَّهُ مَصدرُ ثقة وأنَّهُ مُؤتمنٌ بجدارة، على هذه الشَّراكة العائليَّة…
غيرَ أنَّ كُلَّ نَبتةٍ نتوقَّفُ عن إروائِها، تَيبسُ وتموت، وهكذا الشعور، يحتاجُ أن يَرتويَ لينموَ فيكون…
الله مَنَّ على الإنسان بالعقل وسلَّحهُ بالإرادة وكمَّلهُ بالوعي، وهي صفاتٌ قادرة أن تُساعدَه على تنظيمِ أموره ومُجريات حياتِه، فلا ينجرفُ بأحلامه وطموحاته وينسى شُركاءَه بالعاطفة والحياة: العائلة، المُجتمع، الإنسانيَّة…
وخَلْقُ التَّوازنِ هنا، لهو حاجةٌ مُلِحَّة، ففي سياق الحياة تتبدَّل الأولويَّات بحسبِ الأحداث، وقد نؤخِّرُ مصلحةَ عملٍ ما لأجلِ مَصلحةِ آخر، بحسب الوضع، ولكن وبعد الانتهاء من إنجازِ ما هو مُلح، تعودُ التراتبيَّة المنطقيَّة والطبيعيَّة لتَسود: العائلة والشَّريك أوَّلًا، تليهما العلاقات الإنسانيَّة فالأعمال- وكُلٌّ يُنظِّمُ بحسبِ تطلُّعاتِه-…
أحيانًا، لتثبيتِ قاعدة العمل نحتاجُ إلى مساحةٍ من الوقت والزَّمن، وإلى مناخٍ يدعمنا فيه الشَّريك، وإلَّا تحوَّلتِ الحياةُ إلى صراعٍ، لا يستطيعُ أن يتحاورَ فيها الثُّنائيّ…
إذًا وَضعُ الأولويَّات وتصنيفها بحسب حاجة وظروف كلّ عائلة، هو ضروريٌّ، لتتَّضحَ الرؤيا والتوجُّهات…
«الكلمة» تمنحُ قوَّة، والتَّعبيرُ عنها يُريح وقد يكتفي الشريك، بكلمة: «أنا مُتعب والعمل يستنفذُ كلَّ طاقتي ولكنَّني أُحبُّكَ/أُحبُّكِ»…
هي كلمةٌ من العمقِ تشحنُ الرُّوح بطاقةٍ، تمنحُ الشَّريك تلكَ القيمة التي يبحثُ عنها بعينِ الآخر والتي تجعلُهُ قادرًا على التحمُّل والمُثابرة فالاستمراريَّة…
هي تركيبةُ الإنسان التي تجعلُهُ يرغبُ دائمًا بسماعِ كلام الحُبِّ والذي قد تختصره نظرة أو لمسة أو حتَّى التفاتة… ومؤخَّرًا صدرَت دراسة تؤكِّدُ أهميَّةَ الضمَّة المُتكرِّرة خلال النَّهار، لمساعدة الفرد على النموِّ العاطفيّ…
نحن مجبولون من كيانٍ تُدغدغُهُ الكلمة وتُحرِّكُه اللَّمسة، طبعًا الحقيقيَّة والنَّابعة من عُمقِ الرُّوحِ… على أن تكونَ هذه الكلمة أو تلكَ اللَّمسة عفويَّة وصادقة، لتُعزِّزَ ثقةَ الآخر ولتجعلَه يُدركُ بأنَّ الحُبَّ لا يزالُ هنا وأنَّهُ هو ما يدفعُنا للمُضيِّ قُدُمًا…
«في البدء كان الكلمة»… لذا وأحيانًا كثيرة، كلمةٌ واحدة تكفي لتغييرِ مسارِ حياةٍ بأكملِها، والأجمل بأنَّها لا تُريحُ فقط مَن يتلقَّاها وإنَّما أيضًا مَن يقولُها…
فيا ليتنا نتوقَّفُ قليلًا، بين الحين والآخر، لنتجدَّدَ في حياتِنا مع عائلاتنا وأحبَّائِنا كما في أعمالِنا، ولنؤكِّدَ على الثَّوابتِ والقيم الحقيقيَّة التي تجمعُنا والتي نواصلُ بناءَ حياتِنا على أساسِها، فنحنُ مدينون بذلك لأنفسنا قبل الآخرين…
فإن كُنَّا نؤمنُ بأنَّنا مُكوَّنون من ذرَّات الحبِّ، وجبَ علينا مَنحُ «هذا الحبَّ» حقَّهُ منَّا، ليرتدَّ علينا فرحًا، سعادةً، سلامًا، طُمأنينةً، رضى، صفاءً، بهجةً، طاقاتٍ إيجابيَّة… فحياةً حِقَّة كما يحتاجُها كُلٌّ منَّا ليكون…
لميا أ. و. الدويهي
Share this content:
إرسال التعليق