Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء جهات مجتمع

الإشاعة.. تجارة الوهم وسلاح الضعفاء

هند بومديان

لم تعد الإشاعة مجرّد خبر عابر يتناقله الناس في الظلام، بل تحوّلت إلى صناعة كاملة الأركان، يقودها محترفون في التلاعب بالعقول، يتغذّون على الفضائح، ويقتاتون من سمعة الآخرين. اليوم، صارت الإشاعة سلعة تُباع وتُشترى، ومصدر رزقٍ لمن لا يملكون من القيم سوى الخيانة، ومن الأخلاق سوى التهشيم.

في زمنٍ طغت فيه السرعة على الدقّة، أصبح الناس يستهلكون الأخبار كما يستهلكون الوجبات السريعة، دون تمحيص أو تدقيق. وكلما كانت الإشاعة أكثر إثارة، كانت أرباحها أكبر. من هنا، وجد تجّار الوهم فرصتهم الذهبية: يكذبون، يلفّقون، يدمّرون حياة أشخاص أبرياء، مقابل بعض الإعجابات والمشاهدات، أو حفنة من الأموال التي لا تساوي شيئًا أمام كرامة إنسان.

الخطر لا يكمن فقط في ناشر الإشاعة، بل في جمهورٍ يصفّق، يشارك، ويضيف وقودًا إلى نار الكذب. هؤلاء، دون أن يشعروا، يتحوّلون إلى أدوات في جريمة أخلاقية، تُرتكب كل يوم في حقّ الحقيقة.

الإشاعة ليست مجرّد كلمات، بل هي خنجر مسموم، يطعن الصدق، ويشوّه السمعة، ويترك جراحًا لا تندمل. كم من شخص فقد عمله، كم من عائلة انهارت، كم من حياة تحطّمت بسبب جملة ملفّقة خرجت من فمٍ خبيث أو من لوحة مفاتيح مرتزقة.

الكرامة ليست موضوعًا للتفاوض، والصدق ليس بضاعة للترويج. فليتذكّر كل من يقتات من الكذب أن المال يزول، لكن العار يبقى، وأن التاريخ لا يرحم من باعوا ضمائرهم بثمن بخس.

اليوم، نحن بحاجة إلى ثورة ضد ثقافة التشهير. إلى أن نعيد للقيم اعتبارها، ونرفع راية الحقيقة في وجه هذه الحرب القذرة. لأن الإشاعة ليست حرية تعبير، بل جريمة أخلاقية تُسجَّل في سجل كل من ساهم في نشرها.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء جهات صوت وصورة فن مجتمع

حوار الفن و المجوهرات حين يلتقي الذهب باللون: عبد الإله الشاهدي يخلّد إبداع حسن عليش على القماش

هند بومديان

في عالم تتقاطع فيه الحرفية العالية مع الإبداع التشكيلي، يولد عمل فني يختصر فلسفة الجمال في أرقى صورها. الفنان التشكيلي المغربي عبد الإله الشاهدي، المعروف بقدرته على تحويل التفاصيل إلى عوالم من الضوء واللون، يقدم لنا اليوم تجربة بصرية استثنائية: لوحة تجسّد إحدى تحف الصائغ المصري العالمي حسن عليش، صانع المجوهرات الراقية وصاحب البصمة المميزة في صياغة الذهب والأحجار الكريمة.

التحفة التي استوقفت الشاهدي لم تكن مجرد قطعة زينة؛ بل كانت سلسلة “كولي” مصنوعة من الذهب الخالص، مرصعة بالزمرد الطبيعي ومحاطة بلمسات من اللؤلؤ، من تصميم عليش وتنفيذ شركة “بلانكا كايرو”، التي تُعد من أبرز الشركات المصرية في عالم صياغة المجوهرات الفاخرة. لكن ما فعله الشاهدي تجاوز حدود الإعجاب ليصبح فعلًا إبداعيًا: أعاد صياغة الكولي في فضاء اللوحة، مانحًا له حياة جديدة بين الألوان والظلال، وحوله من تحفة ملموسة إلى أثر بصري خالد.

هذا الحوار الفني بين الذهب واللون، بين القماش والمعدن، يطرح رؤية جمالية عميقة: الفن لا يقف عند حدود مادته، بل يتجاوزها ليمنحها بعدًا جديدًا من الخلود. فكما يقول النقاد، ما يخلّده الرسم لا يصدأ ولا يزول، لأنه يحوّل اللحظة إلى ذاكرة أبدية.

إن ما قام به عبد الإله الشاهدي ليس مجرد رسم لقطعة مجوهرات، بل هو تجسيد لفلسفة الامتزاج بين الفنون، حيث تتحاور الحرفية الدقيقة مع التشكيل، فيتحول الذهب إلى ظل، والزمرد إلى بريق لوني يلمع في فضاء اللوحة. إنها رسالة بصرية تقول إن الجمال لا يعرف الحدود، وإن الإبداع الحقيقي هو ذاك الذي يجمع بين العوالم، ويوحد بين الخيال والواقع.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء فن مجتمع

قراءة نقدية للوحة الفنان التشكيلي عبد الإله الشاهدي…تروس الفكر”موت العفوية في زمن البرمجة” .

اللوحة للفنان التشكيلي عبد الإله الشاهدي

القراءة النقدية بقلم هند بومديان

عنوان اللوحة

تروس الفكر.. موت العفوية في زمن البرمجة

هذه اللوحة تمثل عمق التوتر بين الإنسان ككائن حي والإنسان كآلة خاضعة للتفكيك وإعادة البرمجة. الألوان هنا ليست عشوائية؛ الأزرق الذي يكسو الوجه يوحي بالبرودة، بالمسافة، وبالهدوء الظاهر، لكنه يخفي خلفه عاصفة من التلاعب والسيطرة. الأحمر الذي يلون الأيدي ليس مجرد لون، بل هو صرخة السلطة، إشارة الدم، والسيطرة المطلقة على مصير الكائن الأزرق. هنا، العقل ليس فضاءً للحرية، بل مصنع للتروس، ميكانيزم مفرغ من الروح.

الأيدي الحمراء تقوم بعملية جراحية ميكانيكية على الدماغ المفتوح، وكأنها تزرع أفكارًا، أو تنتزع قناعات لتضع غيرها. هذه الصورة تحمل دلالات فلسفية قوية: من يتحكم في عقل الإنسان؟ هل هو ذاته، أم قوة خارجية تعيد برمجته؟ هنا يختفي مفهوم “الفردانية”، ليحل محله مفهوم “التحكم” و”الإخضاع”.

التروس المعدنية التي تتساقط من الرأس وتتحول إلى أقراط، ترمز إلى تحوّل الفكر إلى زينة شكلية، وإلى استهلاك المعرفة كديكور اجتماعي فارغ. لم تعد الأفكار قوة حية، بل مجرد مسننات تدور في فلك السلطة والتقنية.

الوجه في اللوحة، بثبات نظراته، يوحي بالاستسلام أو ربما بالوعي الصامت بما يحدث داخله. عيون واسعة، كأنها تسأل: أأنا إنسان أم مجرد آلة تم ضبطها لتعمل وفق إرادة الآخر؟

الدلالات الفلسفية والجمالية:

اللون الأزرق: يرمز إلى العمق النفسي، إلى البعد الوجودي، وربما إلى الحزن البارد الذي يكتسح الذات حين تُسلب منها حرية التفكير.

الأيدي الحمراء: تجسيد للهيمنة، للعنف الناعم الذي يمارس على الفكر، وللقوة التي تتحكم في صناعة العقل.

التروس والآليات: إلغاء الطابع العضوي للعقل لصالح التصنيع الميكانيكي، ما يطرح إشكالية العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، وبين الروح والمادة.

التوقيع والتاريخ: يذكرنا أن هذه الفكرة ليست بعيدة عن حاضرنا، بل هي قراءة جريئة لزمن أصبح فيه العقل ميدانًا للتلاعب.الرسالة الرمزية:

اللوحة تطرح سؤالًا وجوديًا مخيفًا: هل ما نفكر فيه نابع منّا أم مُبرمج فينا؟ نحن أمام عمل نقدي للواقع المعاصر حيث يُعاد تشكيل العقل وفق مقاييس السوق، السياسة، والإعلام.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي أنشطة ملكية الواجهة ثقافة و أراء سياسة مجتمع

الشباب.. نبض التنمية ورهان المستقبل

✍️ هند بومديان

الشباب.. نبض التنمية ورهان المستقبل

 

يحتفل المغرب هذه السنة بالذكرى الثانية والستين لعيد الشباب، مناسبة تجدد التأكيد على أن الشباب ليسوا مجرد فئة عمرية في المجتمع، بل قوة حية، وركيزة أساسية في بناء الوطن، ووقود التنمية الشاملة التي ينشدها المغاربة جميعًا.

 

لقد أولت الرؤية الملكية السامية مكانة خاصة للشباب، باعتبارهم عماد الحاضر وأمل المستقبل، فجاءت المبادرات الملكية لتفتح أمامهم آفاقًا واسعة في مجالات التعليم، التكوين، وريادة الأعمال. فالتعليم، في هذا السياق، ليس مجرد حق، بل أداة استراتيجية لتأهيل جيل قادر على الابتكار، والمنافسة في سوق عالمي يتسم بالتغيرات المتسارعة.

 

إن الاستثمار في قدرات الشباب ليس خيارًا، بل ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، حيث يظل تكوين الموارد البشرية المؤهلة المدخل الحقيقي لتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، تعمل الدولة على إرساء مشاريع كبرى تهدف إلى خلق فرص الشغل، وتوفير بيئة حاضنة للمواهب والإبداع، حتى يصبح الشباب فاعلين أساسيين في رسم السياسات العمومية والمشاركة في اتخاذ القرار.

 

إن الرهان على الشباب هو رهان على المستقبل، والمغرب، من خلال التوجهات الملكية، يبعث برسالة واضحة مفادها أن مستقبل الوطن لن يُبنى إلا بسواعد شبابه وعقولهم المبدعة. فالمسؤولية اليوم جماعية، من أجل تمكين هذه الطاقات من التعبير عن ذاتها، والمساهمة في تحقيق مغرب قوي، متقدم، و متضامن.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة بلاغ ثقافة و أراء جهات سياسة مجتمع

العطلة الصيفية.. حين يتحول الترف إلى جرحٍ للفقراء

مع الحدث هند بومديان

ليست العطلة الصيفية مجرد فترة للراحة أو فرصة لتجديد الروح، بل هي مرآة صافية تكشف لنا عمق الهوة الاجتماعية بين من يملكون ومن لا يملكون. فبينما يفرّ بعض الناس إلى شواطئ مترفة، وفنادق راقية، ومدن سياحية صاخبة، يظل الفقراء عالقين في مدن الإسمنت، يطاردون شمسًا حارقة بلا ظل، ويقضون صيفهم بين جدران ضيقة أو أزقة مكتظة، حيث لا يعرفون من معنى العطلة سوى الحرّ والتعب.

العطلة في جوهرها حلم إنساني، لكنها تتحول في واقع الفقراء إلى ترف ممنوع، أشبه بعرضٍ يُشاهدونه من بعيد دون أن يكون لهم فيه نصيب. فهي ليست راحة، بل امتدادًا للمعاناة اليومية: ارتفاع الأسعار، ثمن النقل، غلاء المعيشة، وحاجيات أساسية لا يقدرون عليها، فما بالك بالكماليات التي يصير إليها غيرهم.

إن التفاوت الطبقي لا يتجلى فقط في الملبس والمسكن، بل في أبسط التفاصيل الإنسانية: متعة السباحة في بحر، أو السفر إلى مدينة أخرى، أو حتى الجلوس في مقهى مطلّ على شاطئ. هؤلاء الذين يعيشون على الهامش، أطفالهم يراقبون صور أقرانهم في مواقع التواصل، يبتسمون بمرارة أمام صور المسابح والفنادق، ثم يخلدون إلى نومٍ ثقيل على أسطح منازل متشققة تحت سماء صيف لاهب.

إن العطلة الصيفية في بلادنا لم تعد للجميع، بل تحولت إلى موسم يكشف عن قسوة الفجوة الاجتماعية. من جهة هناك من يستهلك الترف إلى حد التخمة، ومن جهة أخرى هناك من يكتفي بالصمت، وكأن قدره أن يعيش دائمًا في ظل الآخرين.

ولعل السؤال الأعمق: متى تتحول العطلة إلى حق جماعي لا إلى امتياز طبقي؟ متى يصبح صيف الفقراء صيفًا حقيقيًا، لا مجرد جدار من الحرمان والانتظار؟

فالعطلة ليست في النهاية سوى مرآة لعدالة غائبة.. وعدالة الشعوب تُقاس بمدى قدرة أبنائها على الاستمتاع بأبسط لحظات الحياة، لا بحرمانهم منها.

 

 

Categories
أحول الطقس أخبار 24 ساعة أخبار امنية أعمدة الرآي الصحة الواجهة بلاغ جهات حوادث مجتمع

حين يبتلع البحر أبناءنا من المسؤول؟

 

“حين يبتلع البحر أبناءنا… من المسؤول؟”

 

كل صيفٍ في المغرب يبدأ بالفرح وينتهي بالمآتم. يخرج الناس من ضيق المدن إلى سعة الشواطئ، من صخب الجدران إلى صمت الموج، بحثًا عن لحظات هدوء… لكن البحر لا يصفح دائمًا، ولا يمنح الأمان لمن لا يملك أدوات النجاة. والنتيجة؟ موسم غرقٍ جماعي يتكرر سنويًّا، كأننا لا نتعلم، كأن الموت في الصيف صار طقسًا من طقوسنا.

 

ارتفاع حالات الغرق هذه السنة يسلّط الضوء على خلل بنيوي لا يتعلق فقط بالأفراد، بل يمتد إلى السياسات العمومية الغائبة، وإلى منظومة تربوية عاجزة، وإلى إعلام موسمي لا يتحرك إلا بعد الفاجعة. شواطئ طويلة، بعضها غير محروس، وبعضها يفتقر إلى الإنقاذ الفوري، ومساحات واسعة ترتادها العائلات دون أيّ إرشاد أو تحذير واضح. في بلد يملك واجهات بحرية ممتدة، ما يزال البحر يُعامل كفرصة استجمام لا كمسؤولية مجتمعية.

 

الأسباب متعددة. أولها الجهل بقواعد السباحة، في بلد لا تُدرّس فيه السباحة في المدارس، ولا تتوفر فيه مسابح عمومية مجانية. ثانيها انعدام الرقابة، حيث الشواطئ تغص بالناس بينما عدد المنقذين لا يكفي حتى لتغطية نصفها. ثالثها غياب الوعي الأسري، حيث يُترك الأطفال والمراهقون في حضن الموج دون مراقبة، دون إدراك أن لحظة واحدة من الغفلة قد تكلف حياة كاملة.

 

ثم هناك عامل الفقر، ذاك الفقر الصامت الذي لا يُرى. في غياب بدائل ترفيهية حقيقية، يصبح البحر هو الخيار الوحيد للفقراء. لكن البحر لا يرحم الجهل ولا يعترف بالنيات الطيبة. من لا يعرف قوانينه يُبتلع بصمت، دون سابق إنذار.

 

أما الدولة، فهي تحصي الضحايا بعد كل صيف، تعلن عن أرقامٍ باردة، دون أن تتحرك فعليًّا لتغيير الواقع. لا توجد حملة وطنية حقيقية للتوعية بمخاطر البحر. لا دروس في المدارس، لا خطط إنقاذ شاملة، لا مراكز إسعاف كافية على امتداد الشواطئ. وكأن الأرواح التي تزهق ليست من هذا الوطن.

 

نحن لا نغرق فقط في البحر، نحن نغرق في الاستهتار، في الإهمال، في غياب الرؤية. البحر لا يخطئ، لكننا نحن من نخطئ حين نرمي أبناءنا في أمواجه دون دراية، ونعود لنلوم القدر، بينما المسؤولية واضحة: الدولة، المدرسة، الأسرة، الإعلام… الجميع مسؤول.

 

سيأتي صيف جديد، وستفتح الشواطئ ذراعيها من جديد. فهل سنكون مستعدين هذه المرة؟ أم سنكتفي كما كل سنة، بالبكاء على من رحلوا، ثم نُكمل النزهة… وكأن شيئًا لم يكن؟

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء صوت وصورة فن

سريالية الذات ” مسيرة فنية … بروح عصامية “

سريالية الذات ” مسيرة فنية … بروح عصامية ”

” الفنان التشكيلي نور الدين الفضلي ”

 

✍️ هند بومديان

 

في حي البرنوصي أناسي بمدينة الدار البيضاء، وُلدت موهبة تشكيلية تميّزت منذ الصغر بحسها البصري ورغبتها في التعبير عبر اللون والخط. نورالدين الفضلي، أو كما يُعرف فنيًا بـNorart، فنان عصامي ارتبط بالفن منذ الطفولة، حين كان الطفل الذي لا يُفارق قلمه، يخطّ أولى رسوماته في دفاتره المدرسية، فيراه الجميع رسامًا بالفطرة. ومنذ أن أنجز بورتريهًا للملك الراحل محمد الخامس وهو لم يتجاوز بعدُ السادسة من عمره، أيقن بداخله أنه ينتمي لعالم خاص لا يُشبه العاديين.

 

رغم أن مساره الأكاديمي قاده إلى التكوين في الرسم المعماري لمدة ثلاث سنوات، وتلقى تكوينًا إضافيًا في التصميم الغرافيكي والرسم الثلاثي الأبعاد، فإن تجربته الحقيقية بُنيت بجهد فردي، بين مطالعة الكتب الفنية التي كان يقتنيها من مكتبة “العلوم”، وبين زيارات متكررة للمعارض التشكيلية. تأثر بالمدرسة الإيطالية الكلاسيكية، ووجد في أعمال دافنشي ومايكل أنجلو تفاصيله الأولى، قبل أن ينفتح على التحولات الفنية من الرمزية إلى التكعيبية فالسريالية، فاختار أن يصوغ لنفسه أسلوبًا خاصًا لا يُقلّد فيه أحدًا.

 

تتميّز أعماله الرمزية بعمق تعبيري لا يترك للمتلقي فرصة المرور السريع، بل يدفعه لطرح الأسئلة، والتأمل، ومحاولة فكّ الرموز التي تتوارى خلف الألوان والخطوط. يشتغل على خامات مختلفة كالقماش والورق والخشب والجبص، مؤمنًا بأن لكل خامة روحًا خاصة، وعلى الفنان أن يُحاورها حتى تنطق. ولا يخفي عشقه للموسيقى أثناء لحظات الإبداع، خاصة الأنغام الكناوية، التي ترافقه في طقوسه الفنية، أو حتى الصمت، حين تكون الحاجة إلى الإصغاء للداخل أكبر من أي صوت.

 

كانت أولى تجاربه في العرض سنة 2008، من خلال معرض فردي تزامن مع اليوم العالمي للمسرح، لم يسبقها أي مشاركة جماعية، بل كانت مغامرة شخصية مدعومة بروح العائلة، خاصة من شقيقته. ومنذها توالت المشاركات في فضاءات ثقافية داخل الدار البيضاء والقنيطرة، من قاعات عبد الله كنون وسيدي بليوط، إلى مركب الحسني ومكتبة ليرميطاج، كما شارك في ورشات وملتقيات نظمتها جمعيات محلية، أهمها جمعية “هندا بلانكا” التي كان لها دور أساسي في تحفيز طاقاته الإبداعية.

 

رغم هذا النشاط، لم يستفد من أي دعم مؤسساتي، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار. يرى أن الفن ليس مهنة ولا تجارة، بل رسالة داخلية تبدأ من الذات وتنتهي إليها. ويجد في مدينة الصويرة (موغادور) مصدرًا دائمًا للإلهام، حيث الأفق مفتوح والروح تتنفس بعيدًا عن ضغوط المدينة. أما على الصعيد الدولي، فقد شارك في معارض عن بُعد، وكانت للوحاتِه بصمة طيبة في أوروبا وكندا، وإن لم يُغادر المغرب فعليًا. وتوّجت مسيرته بعدد من التكريمات المهمة، منها درع ملتقى أحمد الشرقاوي، ودرع ملتقى محمد البوكيلي، إلى جانب شهادات من مصر ودول عربية، وتكريمات من جمعية “هندا بلانكا”.

 

يؤمن نورالدين الفضلي أن الفن لا يمكن أن يُختزل في أداة أو تقنية، بل هو إحساس. التكنولوجيا، بالنسبة له، وسيلة للعرض والانفتاح، لكنها لا تُعوّض لمسة الريشة. ويُدرك أن جمهور الداخل مختلف عن جمهور الخارج، سواء من حيث التفاعل أو الوعي الجمالي، وحتى داخل المغرب يختلف التلقي من فضاء ثقافي إلى آخر، وهو ما يعكس تفاوتًا في التربية الفنية، يدفعه إلى الانخراط في ورشات للأطفال لترسيخ الوعي الفني منذ الصغر.

 

يعتبر أن التحدي الأكبر هو محدودية الاهتمام بالفن، وصعوبة تسويق الأعمال الفنية في محيط يفتقر أحيانًا للوعي بقيمتها. مع ذلك، يحلم بعرض أعماله في أكبر المتاحف العالمية، وأن تترك لوحاته أثرًا في الأجيال القادمة. أنجز العديد من الأعمال بطلب خاص، بعضها لتكريم شخصيات ثقافية، وبعضها كهدايا رمزية ذات بُعد وجداني، لكنه يفضّل أن تُباع أعماله ويُعترف بقيمتها. أما أقرب لوحة إلى قلبه، فهي تلك التي تنبع من لحظة صفاء داخلي، حيث تتدفق الألوان دفعة واحدة كأنها تخرج من روحه مباشرة.

 

وحين سُئل في نهاية الحوار عمّا لو كان هناك سؤال تمنّى أن يُطرح عليه، ابتسم وأجاب: تمنيت لو سألتموني: هل للفن مكان في هذا الزمن السريع والمادي؟ وجوابي هو نعم. لأن الفن، وإن اختفى من العناوين، يظل هو الذاكرة البصرية والوجدانية للشعوب. قد تبهت الألوان على السطح، لكن الفن الحقيقي لا يفقد وهجه، لأنه ينبع من الداخل.

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة ثقافة و أراء جهات فن مجتمع

موازين الفجوة… حين يحتفل البعض على أنين الوطن

 

“موازين الفجوة… حين يحتفل البعض على أنين الوطن”

✍️ هند بومديان

في بلدٍ يئن تحت وطأة الأزمات، من التعليم إلى الصحة، من غلاء المعيشة إلى بطالة الشباب، يُقام مهرجان “موازين” كل سنة كأن لا شيء يحدث، كأننا نعيش في دولة الرفاه، لا في وطنٍ يصارع كي يبقى واقفًا.

مهرجان موازين لم يعد مجرّد تظاهرة فنية كما تم الترويج له في بداياته، بل أصبح رمزًا لفجوة صارخة بين مغربين: مغرب يحتفل تحت أضواء النجوم، وآخر يغرق في الظلام، في المستشفيات المهترئة، والأقسام المكتظة، والبطالة المتفشية.

فبينما يختنق شباب الوطن في زنازين اليأس، يتم صرف ملايير السنتيمات في ليالٍ معدودة، يُستورد فيها “الفرح” من الخارج، وتُقَدَّم أجور خيالية لفنانين أجانب لا تربطهم بالوطن أي علاقة سوى رقم في شيك بنكي. وتبقى الشفافية غائبة، و”التمويل الذاتي” الذي يتحدثون عنه، مجرد غطاء هشّ يخفي دعمًا غير مباشر من المال العام.

في ظل هذا التناقض المؤلم، يحق للمواطن أن يتساءل:

  • بأي حقّ تُصرف هذه الملايير في لحظات لهو، بينما يعاني الملايين من ضيق العيش؟
  • بأي منطق تُستنفر القوات والموارد لحماية الحفلات، بينما تترك بعض المناطق دون أدنى شروط الحياة؟
  • أي ثقافة هذه التي تتجاهل المبدع المغربي وتُطرب آذاننا بالغريب؟

لا أحد ضد الفنون، ولا أحد يُنكر دور الثقافة في البناء المجتمعي، لكن ثقافة النخبة المعزولة عن واقع الشعب، لا تُبني وطنًا.
موازين اليوم لا توحد المغاربة، بل تعكس انقسامًا مريرًا: بين من يحضر في الصفوف الأولى، ومن يراقب من وراء الشاشات، يلعق مرارة الفوارق، ويسأل بصوتٍ لا يصل: “أين موازين العدالة؟”.

… وفي النهاية، يبقى السؤال الجوهري معلقًا:
هل نحن بحاجة إلى مهرجانات تصرف عليها الملايير لنخدر بها وعي الجماهير؟
أم نحن في أمسّ الحاجة إلى ثقافة تُعيد الاعتبار للمواطن، تُنير العقول، وتمنح الكرامة قبل المتعة؟

في زمن يتفشى فيه اليأس وتضيق فيه سبل العيش، لن يصنع الفن الحقيقي إلا إذا خرج من رحم المعاناة، من قاعات الدرس المهترئة، من قُرى العزلة، من أصوات الشباب المهمّشين… لا من خشبات مذهّبة لا تمثل إلا فئة لا ترى في الوطن سوى مسرحًا لعرض ثرائها.

فالفن، حين يُفصل عن همّ الوطن، يتحوّل إلى زينة جوفاء. والثقافة، حين تُبنى على الإقصاء والتبذير، تفقد معناها النبيل.
نحن لا نرفض الفن، بل نطالب بفنٍّ مسؤول، وبمهرجانات تُراعي سياق البلاد، وتُعبّر عن حاجات الناس لا عن رفاه القلة.
نريد موازين جديدة… تُعيد ترتيب الأولويات، لا فقط الأصوات.

 

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة جهات خارج الحدود سياسة

اللعب على حافة الهاوية: هل تُغلق طهران المضيق وتفتح باب الانفجار؟

اللعب على حافة الهاوية: هل تُغلق طهران المضيق وتفتح باب الانفجار؟
✍️ هند بومديان

في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع المصالح الدولية وتتصادم الحسابات الجيوسياسية، لا تأتي التحذيرات عبثًا، ولا تصدر التهديدات دون رسائل مشفرة.
فبين طهران وتل أبيب، تصاعد التوتر بشكل مقلق، تجاوز المناوشات غير المباشرة نحو لغة تهدد بتقويض استقرار عالمي هشّ. آخر فصول هذا التصعيد جاء على لسان مسؤولين إيرانيين ملوّحين بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، في ردّ مباشر على ما تعتبره طهران “استفزازات إسرائيلية متواصلة”.

مضيق هرمز ليس فقط ممرًا مائيًا، بل صمّام أمان اقتصادي عالمي، تمرّ عبره ملايين البراميل من النفط يوميًا. تهديد طهران بإغلاقه لا يُقرأ فقط في إطار ردّ عسكري محتمل، بل كمناورة استراتيجية تسعى بها إيران إلى فرض توازن جديد في معادلة الردع.

من جانبها، لم تتأخر واشنطن في رفع سقف التحذير، معتبرة أي خطوة نحو عرقلة الملاحة في الخليج “خطًا أحمر”. الإدارة الأمريكية تُدرك أن أمن المضيق لا يتعلق فقط بأسعار النفط أو حركة الناقلات، بل بهيبة النظام الدولي وفعالية الردع الأمريكي في منطقة يُفترض أنها تحت رقابة واشنطن العسكرية والسياسية.

لكن خلف هذه التصريحات، تتحرك سيناريوهات أعمق. فالمنطقة اليوم تعيش ما يُشبه “إعادة برمجة” لخارطة النفوذ والتحالفات، مع تراجع أولويات بعض القوى الدولية في الشرق الأوسط، وتصاعد طموحات لاعبين إقليميين يسعون لإعادة تشكيل التوازنات، سواء عبر القوة أو عبر أوراق الضغط الاقتصادي.

التهديد الإيراني، وإن بدا انعكاسًا لموقف هجومي، إلا أنه يحمل بين طيّاته هواجس دفاعية. فطهران تخشى من خنقها عبر العقوبات والضغط السياسي والعزلة الإقليمية، وتعتبر أن الاحتفاظ بأدوات تهديد مثل مضيق هرمز ضروري لضمان موطئ قدم على طاولة المفاوضات.

في المقابل، إسرائيل تواصل الضغط دبلوماسيًا وعسكريًا، معتبرة أن إيران تمثل تهديدًا وجوديًا. وهي لا تنفك تسعى لتكريس هذا التوصيف لدى الحلفاء الغربيين، خاصة بعد تعثّر المحادثات النووية واتساع نطاق الصراعات بالوكالة.

وسط هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن كل الأطراف تمسك بأعواد الثقاب، في غرفة مملوءة بالغاز. التساؤل الحقيقي لم يعد: “هل تقع الحرب؟” بل: “من يملك القدرة على تأجيلها دون أن يبدو ضعيفًا؟”

الحياد في هذا المشهد لا يعني التجاهل، بل استيعاب خطورة المرحلة. فالرهان اليوم يجب أن يكون على تفكيك التصعيد، لا التهليل له. وعلى تحصين الجغرافيا من جنون الجغرافيا السياسية.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة خارج الحدود سياسة متفرقات

“لهيب الشرق: حين يسقط العقل في فخّ العنف”

✍️ هند بومديان

“لهيب الشرق: حين يسقط العقل في فخّ العنف”

في رقعة مضطربة من الجغرافيا العالمية، تعود منطقة الشرق الأوسط لتتصدر واجهات المشهد، وهذه المرة عبر صراع مفتوح بين قوتين إقليميتين: إيران وإسرائيل. حرب لا تشبه سابقتها، إذ تختزل في طياتها أبعادًا تتجاوز المواجهة العسكرية لتصل إلى عمق الأسئلة الاستراتيجية حول منطق الردع، وإدارة النفوذ، وتوازن القوى في منطقةٍ مأهولة بالخوف والرهانات المتضاربة.

ليست هذه الحرب وليدة لحظة، بل نتاج تراكمات عقودٍ من التوترات، التحريض، الحروب بالوكالة، والرسائل الملغومة عبر الحدود. هي حلقة جديدة في مسلسلٍ طويل من الانفجارات المؤجلة، اندلعت حين لم تعد التصريحات تكفي، ولا المناوشات بالظل تشبع شهوة الصراع.

1. تحليل استراتيجي: حسابات الردع والمعادلات الجديدة

تحكم الصراع الإيراني-الإسرائيلي عقيدة الردع المتبادل، والتي تعني الحفاظ على مستوى من التهديد يكفي لردع الطرف الآخر عن شن حرب شاملة. غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى انتقال هذا الردع من المستوى الكلامي إلى ساحة الاشتباك المفتوح.
إيران تعتمد على شبكة حلفاء إقليميين (كحزب الله والحوثيين)، وإسرائيل تمتلك تفوقًا تكنولوجيًا واستخباراتيًا يدعم قدرتها على توجيه ضربات دقيقة. الصراع بين الطرفين لم يعد محصورًا في الظل، بل يتحرك في العلن، عبر ضربات مباشرة على البنية التحتية العسكرية، والمواقع النووية، وحتى المنشآت المدنية أحيانًا، مما يزيد من خطر الانزلاق نحو حرب إقليمية أوسع.

2. الدور الإقليمي والدولي: مصالح متقاطعة وغياب الحسم

تتفاعل هذه الحرب مع مصالح قوى عالمية متناقضة.
الولايات المتحدة تسعى إلى تجنّب حرب كبرى قبل الانتخابات، لكنها في الوقت نفسه لا تتخلى عن التزاماتها تجاه أمن إسرائيل.
في المقابل، تحاول الصين وروسيا توظيف الأزمة لتقويض النفوذ الغربي في المنطقة، ودعم مواقف إقليمية تميل إلى التصعيد أو الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية.

الدول العربية تجد نفسها بدورها أمام موقف معقّد: بعض العواصم ترى في تصاعد القوة الإيرانية تهديدًا، فيما ترى أخرى في إسرائيل خصمًا تاريخيًا. هذا التوازن الحرج يجعل المواقف الرسمية باهتة، تخشى الانحياز، وتخشى الصمت.

3. مخاطر التصعيد: حدود الحرب وحدود الصبر

المخاوف الكبرى لا تتعلق فقط بالخسائر الآنية، بل بإمكانية أن تمتد الحرب لتشمل جبهات متعددة: لبنان، سوريا، العراق، وربما الخليج.
أي خطأ تكتيكي – سواء عبر اغتيالٍ، ضربة خاطئة، أو تصعيد في غزة – قد يشعل حربًا شاملة.

ولأن الطرفين يؤمنان بأنهما يملكان “الحق الكامل”، فإن الخطر يكمن في غياب نوافذ التفاوض، وغياب الوساطات المؤثرة.
فحتى الأمم المتحدة، بات صوتها ضعيفًا، وسط دويّ الانفجارات.

4. الخلاصة: العقل في زمن الطيش السياسي

في كل حرب، يُرفع شعار “الحق”، ويُتهم الآخر بالعدوان، وتُغلف النوايا بشعارات مقدسة… ثم يُترك المواطن العادي، المدني المجهول، ليدفع الثمن من حياته، من ذاكرته، من بيته الذي يُقصف وهو يراجع معطف طفله قبل أن ينام.

إنّ ما يحدث اليوم لا يهدد أمن منطقة فحسب، بل يعيد تشكيل الخريطة الذهنية للعالم، حيث تغيب العدالة الدولية، ويعلو صوت القوة على منطق الحكمة.

ويبقى السؤال:
إلى متى سيظل الشرق ساحة لتصفية الحسابات؟
ومتى يعود العقل ليحكم السياسة، بدل أن يُختطف منها؟