د.عبد الله بن اهنية
من المؤكد أن ظاهرة الزلازل هي واحدة من أخطر الكوارث على وجه الأرض. ومما لا شك فيه، أننا نستشعر أثناء تلك الفاجعة وغيرها، عظمة الله جل جلاله، ولا يسعنا إلا أن نقول “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”. وبهذه المناسبة الأليمة، لا يسعنا إلا أن نترحم على أرواح الشهداء، ودعاءنا الخالص موصول لأولئك الذين رحلوا ولمن أصيبوا أو فقدوا أحباءهم في تلك المناطق القروية والجبلية العزيزة الغالية بالمغرب.
الآن وفي ظل هذه الظروف الحزينة، يبدو أن الحفاظ على المنازل التي لا تزال قائمة في القرى النائية ذات الهندسة المعمارية الطينية الخاصة بتلك المناطق أمر بالغ الأهمية للحفاظ على قيمتها التاريخية والسياحية. ليس هناك شك في أن بعضاً من تلك المنازل أو البنايات تحمل أهمية ثقافية وتساهم في الجمال الفريد لهذه المناطق. وكما نعلم جميعاً، فإن الوصول إلى بعض تلك الدواوير لا يتم إلا عبر طرق وعرة، ورغم ذلك، فإن أهلها متشبثين بأرضهم وبأصولهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما يزيد من شغف السواح الوافدين على تلك المناطق وإعجابهم بها.
ولمنع الانهيار وضمان طول عمر تلك البيوت والمنازل، أعتقد شخصيًا أنه يجب على الدولة أن تأخذ في الاعتبار التوصيات المتواضعة التالية:
– إعادة بناء المنازل المهدمة وتعويضها بأخرى جديدة ذات أساسات قوية وأعمدة وأسقف إسمنتية قوية.
– تنفيذ تشريعات قوية تحمي المباني التاريخية وتفرض مساطر قانونية صارمة لصيانتها وترميمها.
– إجراء جرد وتقييم شاملين لجميع المنازل المبنية على الطراز الطيني في القرى النائية، مع إعطاء الأولوية لمن ليس لهم مأوى في هذه الظروف الحالية، والاهتمام بباقي المباني على أساس الأهمية التاريخية والسلامة الهيكلية لتوزيع الموارد بشكل فعال.
– الاهتمام بالمدارس والكتاتيب القرآنية وأطر التعليم بها.
– تدريب وتوظيف المهندسين المعماريين والحرفيين المهرة وذوي الخبرة في تقنيات البناء التقليدية بالطين وكيفية ضمان السلامة مع الحفاظ على شكلها الطيني الخارجي. ويمكن لهؤلاء الخبراء تقييم السلامة الهيكلية، وتقديم المشورة بشأن الترميم، وضمان أصالة جهود إعادة الإعمار.
– إشراك المجتمعات المحلية وجمعيات المجتمع المدني في عملية الحفاظ على التراث المعماري الطيني في تلك المناطق. ويمكن أن تكون معرفتهم بتقنيات البناء التقليدية وارتباطها بهذه المكونات والأدوات المحلية لا تقدر بثمن.
وكذلك العمل على تشجيع المبادرات والشراكات التي يقودها المجتمع لخدمة المواطنين والمواطنات في كافة المناطق.
– تقديم الدعم المالي، ومحاولة إنشاء صندوق مخصص لمشاريع الحفاظ على التراث التاريخي، وتخصيص الموارد خصيصًا لترميم المنازل الطينية وإصلاحها وتقويتها، خاصة في المناطق المحرومة اقتصاديًا.
– تشجيع البحث والتطوير مع التركيز على تلك المناطق النائية، والاستثمار في الأبحاث لتطوير مواد وتقنيات حديثة يمكنها تعزيز متانة العمارة الطينية مع الحفاظ على جماليتها. يمكن للابتكارات مثل الطوب الطيني المقوى أو الطلاءات المقاومة للطقس أن تطيل عمر هذه الهياكل وأن تحفظها (بعد الله) من تلك الزلازل؛ وأخيرًا، يجب الاستفادة الفعلية من القيمة التاريخية لهذه القرى لتعزيز السياحة والمساهمة غي الاقتصاد.
خلاصة:
يمكننا القول بأنه من مصلحة الناس في تلك المناطق مواصلة تطوير الجولات السياحية المصحوبة بمرشدين وكذا تشجيع البرامج التعليمية والفعاليات الثقافية التي لا تدر الإيرادات المالية على المنطقة فحسب، بل سوف تعمل أيضًا على زيادة الوعي حول أهمية الحفاظ والقيمة الحقيقية لتراثنا التاريخي والثقافي في تلك المناطق وغيرها. نعم، لا يزال بإمكاننا الحفاظ على ما تبقى من تلك المباني والمنازل ذات الواجهة الطينية الجميلة، ولكن يمكن تصنيع الجزء الداخلي والأساس والسقف من الأسمنت وبطرق حديثة متماشية مع معايير البناء في البلدان المتقدمة، ومتماشية مع معايير الجودة الشاملة ومعايير السلامة. ومما لا شك فيه بأننا سوف ننجح بإذن الله تعالى في مشروع اعادة إعمار تلك المناطق إذا ما اتسمت مجهوداتنا بالشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص، تماشياً مع ما تنص عليه تعاليم ديننا الحنيف، وتطبيقاً صارماً لما ورد في التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. وها نحن نرى كيف هب جميع المواطنين والمواطنات لتلبية نداءه، وكيف يتسابق الصغير والكبير والني والفقير في فعل الخير والإحسان.
نسأل الله تعالى أن يحفظ ملك البلاد وولي عهده وكافة الأسرة الملكية الشريفة، وأن يحفظ كافة أبناء وبنات هذا الشعب الأبي، بما حفظ به الذكر الحكيم.
والله ولي التوفيق،،،
د.عبد الله بن اهنية
*كاتب وباحث في الشؤون التربوية والثقافية
أحد مؤسسي منصة 3B Golden Gate لتعليم اللفة الإنجليزية عن بعد
http://http//www.3b2gelearning.net
Share this content:
إرسال التعليق