يزداد المشهد السياسي في تونس تعقيدا مع تعنت الأطراف السياسية، ولجوئها للحشد والمظاهرات، لإظهار قوته وفرض رأيه على الأخر .
خلال الأيام الماضية، شهدت العاصمة التونسية، مظاهرتان منفصلتان لحركة النهضة وحزب العمال اليساري. فقد نظمت حركة النهضة واحدة من أكبر المظاهرات الحاشدة منذ ثورة 2011 في ظل خلاف مع رئيس البلاد قيس سعيد على تعديل وزاري.
وحشد الحزب عشرات الآلاف من أنصاره في العاصمة في استعراض للقوة ربما قد يزيد من تأجيج الخلاف السياسي. وردد عشرات الآلاف من أنصار الحزب المشاركين هتافات منها “الشعب يريد حماية المؤسسات” و”لا رجوع للدكتاتورية”.
بالمقابل، نزل أنصار حزب العمال التونسي بدورهم إلى الشارع استجابة لدعوة من الحزب، للتنديد بما وصفه في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك بـ”العبث بمنظومة الحكم بمصالح تونس وشعبها”.
وقال عدنان الحاجي، عضو مجلس نواب الشعب في تونس، أن ما حدث أمس في تونس هو استعراض للقوة من حركة النهضة التي تحكم البلاد من 10 سنوات، وليس دفاعا عن الشرعية كما تقول.
وذكر في تصريحات أن الديمقراطية تحميها القوانين وليست الحشود في الشارع، مؤكدا أنها لن تحل الأزمة في البلاد، لن من يدعو للمظاهرات هو الفريق الذي يملك سلطة الحكم.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، أيمن الزمالي، أن القوى السياسية تستعرض قوتها من خلال هذه المظاهرات، وتوجه رسائل متبادلة بأنها قادرة على حشد الشارع في حالة وجود أي حالة طارئة لذلك.
وأضاف الزمالي أن هذه الحشود تعكس حالة من الخوف من الواقع السياسي الحالي، وقال “من المنطق أن يخرج الشباب والقوى المعارضة للتظاهر للمطالب بإصلاحات اجتماعية وسياسية وهذا دورهم. لكن أن تخرج قوى سياسية موجودة في الحكم للتظاهر هذا أمر غريب”.
إفلاس سياسي
من جانبه، وصف الرئيس التونسي، السبت، خروج النهضة إلى الشارع بالإفلاس السياسي، وفق ما نقلت وسائل إعلام تونسية. وقال قيس لموقع جوهرة أف.أم التونسية “ترون بأعينكم اليوم مظاهر الإفلاس السياسي، ولكن ليس مظاهر الإفلاس المالي”.
ومنذ أكثر من شهر، تشهد تونس صراعا سياسيا بشأن التعديل الحكومي بين رئيس البلاد قيس سعيد، ورئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، المدعوم من حركة النهضة وحزب قلب تونس، اللذين يسيطران على مجلس النواب.
وبدأت الأزمة منذ أن تجاهل المشيشي الرئيس، ولم يشاوره في التعديل الوزاري، كما لم يشاور إلا الأغلبية البرلمانية المتمثلة في تحالف النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
وشمل التعديل الوزاري الذي نال موافقة البرلمان 11 وزيرا، من بينهم وزراء جدد للعدل والداخلية والصحة، بعد أن استبعد رئيس الحكومة وزراء مقربين من الرئيس سعيد، الذي رفض أداء اليمين الدستورية لعدد من الوزراء الجدد، وقال إن بعضهم تتعلق بهم شبهة فساد وتضارب مصالح، وأضاف أن التعديل غير دستوري من الناحية الإجرائية، مستنكرا عدم وجود نساء بين الوزراء الجدد.
ما يزيد الأزمة تعقيدا هو غياب المحكمة الدستورية للبت في هذه الخلافات، حيث كان من المفترض تشكيلها منذ المصادقة على الدستور الجديد في 2014 إلا أن التجاذبات السياسية منعت مواصلة عملية اختيار أعضائها.
وأشار الحاجي إلى أن هذه الأزمة ناجمة عن نظام الحكم في البلاد، والذي يجعل السلطة مشتتة بين رئيسين هما رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، مؤكدا أن هذه الأزمة ستظل مستمرة ما لم يتم تغير هذا النظام الهجين.
وفي أعقاب ثورة 2011، انتهجت البلاد نظاما سياسيا هجينا بين البرلماني والرئاسي، حيث تصبح السلطة التنفيذية في البلاد منقسمة بين رئيس الجمهورية الذي يتم انتخابه من الشعب، وبين رئيس الحكومة الذي يتم اختياره من البرلمان والحزب الذي يتمتع بالأغلبية.
البلاد تغرق
وأوضح الحاجي أن تونس في أزمة حقيقية بسبب تعنت الأطراف فلا رئيس الجمهورية قبل أن يتراجع عن موقفه ولا رئيس الحكومة المدعوم بالأغلبية البرلمانية تراجع عن موقفه، وقال “البلاد تغرق الوضع الاقتصادي والمالي كارثي بسبب الأزمة”.
كما أكد الزمالي أن الأزمة في تونس عميقة وليست بسيطة تراكمت منذ انتخابات 2019، التي أبرزت مشهدا برلمانيا منقسما، بعد فشل أي طرف في الفوز بالأغلبية السياسية، وهو ما يظهر في تغيير 3 حكومات في غضون عام ونصف، وفي العراك السياسي تحت قبة البرلمان.
ولفت إلى أنه حتى الآن لم تجلس هذه القوى المتنافسة على طاولة الحوار حتى الآن، وهو ما وصفه ب”التعنت والتنصل من المسؤولية”.
وقال المتظاهر محمد خليف الذي جاء من مدينة صفاقس الساحلية للمشاركة في المسيرة “لدينا نظام برلماني وليس للرئيس أن يقرر من سيحكم”. وأضاف “يجب احترام الديموقراطية والدستور”.
ومن حوله هتف المتظاهرون الذين تقاطروا إلى العاصمة من مختلف أرجاء البلاد، “الشعب يريد الوحدة الوطنية”.
ويرى المحلل السياسي يوسف الشريف، أنّ التظاهرة أظهرت أن النهضة “ما زالت قادرة على الحشد بأعداد كبيرة” وهذا ما “يسمح لها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات معززة بهذا الدعم”.
لكنه أضاف أن الحشد قد يؤدي إلى تعقيد المشهد إذ “اكتسب” قادة النهضة “الثقة” في مواجهة رئيس يرفض التسويات.
وترتفع حدّة التوتر السياسي في البلاد وسط اشتداد الأزمة الوبائية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. والجمعة، جاء في تقرير نشره صندوق النقد الدولي أن “أزمة كوفيد-19 تفاقم الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية في تونس” و”أدت إلى انكماش اقتصادي غير مسبوق”.
ودعا صندوق النقد الدولي إلى إصلاحات عاجلة لتقليص العجز المالي الذي قدّره بـ11,5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. كما قدّم سلسلة توصيات، بينها وضع قيود على دعم الطاقة وخفض فاتورة الأجور.
وأكد الزمالي أن هذه المظاهرات لا معنى لها سياسيا وأخلاقيا، ولن تحل المشكلة السياسية في البلاد، بل ستزيدها تعقيدا، كما تزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
الانفلات والعنف
وتسود حالة من الخوف بسبب تطور هذه المظاهرات بين القوى السياسية إلى اشتباكات وعنف. وأشار الزمالي إلى أنه “لو استمرت الأزمة السياسية على حالها وتواصلت عملية الحشد، من الممكن أن تؤدي إلى حدوث انفلات في الشارع، وخاصة أن عملية الحشد تتم بعملية كره وتحريض على الأخر وتوصيفات بعدم الوطنية”.
وما هو ما اتفق معه فيه النائب الحاجي بقوله ” في حالة إذا تكررت هذه المظاهرات ستؤدي إلى مزيد من التوتر والعنف في الشارع التونسي”.
وبحسب بيان لنقابة الصحفيين التونسيين، فقد تعرض عشرات الصحفيين والمصورين لاعتداءات من قبل أعضاء لجنة تنظيم المسيرة التي نظمتها حركة النهضة بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة.
وقالت النقابة: ” اعتداءات أنصار الحزب الأكثر تمثيلا في مجلس نواب الشعب تؤشر لعودة ممارسات ظننا اننا تجاوزناها بعد ثورة 2011″. وأضافت ” تحمل النقابة حركة النهضة مسؤولية ما طال منظوريها من اعتداءات وتصنف صمت قياداتها في خانة التواطئ الواضح والتشجيع عليه”.
كما طالبت حركة النهضة باعتذار رسمي عن ما اقترفه أنصارها من اعتداءات في حق مختلف ممثلي وسائل الإعلام، وأعلنت اتخاذ الإجراءات القانونية في حق المعتدين.
وقال الحاجي إن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو إجراء حوار وطني وإقالة الحكومة كاملة أو تغير الوزراء، الذين تدور حولهم هذه الشبهات.
Share this content:
إرسال التعليق