الصادق بنعلال
1 – ما من شك في أن الإعلام يلعب دورا محوريا في السعي نحو ترسيخ شيم التقارب والانفتاح بين الشعوب والمجتمعات، والمضي قدما في استنبات قيم الديمقراطية والمدنية في حالتي الحرب والسلم، من أجل عالم مستقر متوازن مزدهر. ونبتهج أيما ابتهاج حينما تشرق شمس مشروع إعلامي عربي هادف يتخذ من البحث عن الحقيقة والتحليل الموضوعي المحايد ومناصرة التعددية والاختلاف منهجا في الاستقراء وعقيدة في الرؤية، خاصة حينما يتعلق الأمر بالتجارب الصحفية العربية الورقية والإلكترونية في المجتمعات الغربية حيث، حرية التعبير عن الرأي مبدأ راسخ متجذر في حياة الفرد والمجتمع عكس ما نراه في الدول العربية الطافحة بالأنساق السياسية الاستبدادية الشمولية. و تشكل جريدة “رأي اليوم” اللندنية التي يترأسها الإعلامي الفلسطيني المقتدر السيد عبد الباري عطوان نموذجا موفقا في الصدح بالرأي المستقل أثناء التعاطي مع القضايا والأحداث الدولية والعربية. فإلى أي مدى تحافظ هذه الصحيفة الغراء على مبادئ الحرية والمساواة والعدل .. وهي تستجلي أخطر قضية تخص الشعب المغربي و تؤرقه منذ أكثر من ست وأربعين سنة، و نقصد قضية الصحراء الغربية المغربية؟ لماذا تصطف إلى جانب النظام الجزائري في معاداته الممنهجة الثابتة لجاره المغرب، واجتهاده الأسطوري في الوقوف في وجه مصالحه الحيوية، وتأليبه ضد وحدته الترابية في كل وقت وحين؟ ماذا تخسر “رأي اليوم” لو التزمت حيادا إيجابيا إزاء هكذا موضوع وجودي، بالغ الحساسية بالنسبة للشعب المغربي، الذي لم يبخل على أشقائه العرب القريبين والبعيدين بالتضحية بما يملكه من إمكانيات مادية و معنوية متواضعة؟
2 – لقد أمسى واضحا لكل متتبع حصيف للقضايا الدولية والإقليمية أن “دفاع” النظام الجزائري عن حق “الشعب الصحراوي” في تقرير مصيره أسطوانة مشروخة، وأن هذا “الشعب” ما هو إلا حصان طروادة للدفاع الحقيقي عن “المصالح الحيوية الجزائرية” على الحدود المغربية ! فالجزائر دولة وليست مؤسسة خيرية تعمل على خدمة أهل الصحراء الغربية المغربية لسواد عيونهم، فلو كان النظام الجزائري يسعى إلى البناء المغاربي بصدق لأسرع إلى خيار ترك قضية الصحراء بين يدي الأمم المنتظم الدولي ومجلس الامس، وعمل على مد الجسور بين دول الاتحاد المغاربي، فما يجمع بين هذه الأخيرة أكثر مما يفرق، وشعوب هذه المنطقة الاستراتيجية تنتظر على أحر من الجمر المصالحة والتطبيع والانفتاح والتعاون المشترك .. من أجل النهوض التنموي الهيكلي وإرساء قواعد الشراكة البناءة. وكان حريا بصحيفة “رأي اليوم” المتميزة أن تلعب ورقة التآزر والتضامن بين الجارين الشقيقين دون الاصطفاف إلى جانب ضد آخر، و يفترض أن يكون هناك وعي بمدى أهمية الوحدة الترابية لأي بلد عربي و ليس المغرب فقط . فما أحوجنا إلى زرع بذور الوحدة و الأخوة و التسامح، والتنديد القوي بكل ما من شأنه أن يهدد لحمة الجسد العربي الذي يقطر دما و يئن حزنا وأسى.
3 – ونحن في المغرب لا ندعي الكمال في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. فمازال أمامنا مشوار طويل من أجل تعميق الوعي الديمقراطي بمفهومه الكوني، وما فتئنا نتطلع إلى مزيد من الحرية و المساواة و التوزيع العادل للثروة، لكننا نشتغل معتمدين على أنفسنا من أجل غد أفضل ومستقبل واعد، بيد أننا نصر إصرارا على “نفخ الروح” في الاتحاد المغاربي وفتح الحدود بين بلدانه، و الانكباب على بلورة مشاريع تنموية عملاقة، خاصة على مستوى البنيات التحتية من طرق و وسائل مواصلات من الجيل الجديد والعناية بالطاقة البديلة والموانئ الاستراتيجية، والمعاهد التعليمية الرائدة والمستشفيات والمركبات الرياضية ذات السمعة العالمية، ولن يتحقق هذا الحلم المغاربي إلا عبر المنافسة والاجتهاد المغاربيين. فهل الجزائر مستعدة أن تفصل بين قضية الصحراء و بين المصالح المحرقية للأقطار المغاربية؟ هل المؤسسات الجزائرية السياسية والعسكرية والإعلامية مهيأة لترجمة الأحلام المغاربية في البناء والتشييد والتقدم بروح المقاومة الجماعية على أرض الواقع؟ أما القضية الفلسطينية فهي ديدن كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ولا يمكن أن يتخلى أي عربي عن حق الشعب الفلسطيني العظيم في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بعيدا عن أي مناكفات باطلة وادعاءات متهافتة و مزايدات دونكيشوطية، فالمغرب قدم ومازال لإخوانه الفلسطينيين دون من ولا أذى، ما لم يقدمه عدد كبير من الدول العربية المنتمية لمحور ” المقاومة والتصدي والممانعة “، التي اقتصرت إلى حد الآن على النضال الصوتي العقيم و البروباجندا الإعلامية الفلكلورية !
Share this content:
إرسال التعليق