Categories
أخبار 24 ساعة الواجهة بلاغ جهات مجتمع

حادث سير مأساوي يودي بحياة رئيس جماعة العونات والنائب البرلماني السابق محمد عبد الحق

بقلم: دنيا وئام علمي

إنا لله وإنا إليه راجعون

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وببالغ الحزن والأسى، تلقى الرأي العام المحلي والوطني نبأ وفاة رئيس مجلس جماعة العونات والنائب البرلماني السابق محمد عبد الحق، الذي وافته المنية مساء اليوم إثر حادث سير مأساوي.

وقد خلف هذا الخبر الأليم صدمة وحزنًا عميقين في صفوف ساكنة المنطقة وكل من عرف الفقيد عن قرب، لما كان يتميز به من خصال إنسانية نبيلة وروح المسؤولية والإخلاص في العمل. فقد كان الراحل من الوجوه السياسية التي طبعت المشهد المحلي بعطاءاتها ومسارها الطويل في خدمة الصالح العام.

وي هذه اللحظات الأليمة، تتقدم جريدة مع الحدث بأحر التعازي وأصدق المواساة إلى عائلة الفقيد الكريمة، وإلى جميع معارفه وأصدقائه وزملائه، سائلين الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم ذويه الصبر والسلوان.

رحم الله الفقيد وأسكنه دار البقاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي المبادرة الوطنية الواجهة متفرقات مجتمع

الإدارة المغربية.. من إصلاح النصوص إلى تحدي التطبيق والجهوية

مع الحدث: ذ لحبيب مسكر

 

عندما نتحدث عن إصلاح الإدارة المغربية، فإننا لا نتحدث عن غياب القوانين أو ضعف النصوص التنظيمية، بل عن فجوة بين ما هو مكتوب وما يُمارس فعليًا على أرض الواقع. فالإشكال لم يعد في الإدارة كمؤسسة، بل في كيفية تفعيل القوانين والبرامج الإصلاحية التي وُضعت أصلاً لتسهيل حياة المواطن والمستثمر ودعم التنمية.

 

فخلال السنوات الأخيرة، شهد المغرب سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الهامة، من قبيل اعتماد نظام “الشباك الوحيد” لتبسيط المساطر الاستثمارية، والانتقال نحو الرقمنة الإدارية في عدد من القطاعات، خاصة في الجبايات الضريبية، والإدارة المحلية، والجماعات الترابية. وهي إصلاحات ملموسة ساهمت في تقليص الاحتكاك المباشر بين المواطن والإدارة، والحد من بعض مظاهر الفساد والمعاملات غير المشروعة.

 

لكن رغم هذه الخطوات الإيجابية، ما زالت العقليات المتجذّرة والممارسات التقليدية تُبطئ وتيرة التغيير. فبعض الموظفين والمواطنين على حد سواء ما زالوا أسرى لثقافة “العلاقات” و”الوساطة” لتسريع مصالحهم، حتى داخل إدارات حديثة ومرقمنة. والأسوأ أن بعض المواطنين يجدون صعوبة في تصديق أن لهم حقوقًا مضمونة بالقانون، وأن أداء الموظف لواجبه ليس منّة، بل التزام قانوني وأخلاقي.

 

إن الثقافة الإدارية السائدة تمثل اليوم أحد أكبر التحديات التي تواجه الإصلاح، لأنها تتوارث جيلاً بعد جيل، وتحتاج إلى وقت وإرادة حقيقية لتغييرها. فالإدارة الحديثة لا تُبنى فقط بالمنصات الرقمية والأنظمة القانونية، بل بعقلية جديدة تُؤمن بخدمة المواطن، وبمفهوم حديث للمرفق العمومي قائم على الكفاءة والمحاسبة.

 

إصلاح الإدارة.. مدخله سياسي وعماده الجهوية واللاتمركز

 

إن تسريع وتيرة الإصلاح الإداري لا يمكن أن يتحقق دون قرار سياسي حازم وشجاعة في تنزيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري. فالاستقلالية الجهوية الحقيقية ليست فقط شعاراً دستورياً، بل أداة فعالة لتقريب القرار من المواطن، وجعل التنمية أكثر عدلاً وتوازناً.

وفي هذا الإطار، يشكل تنزيل النموذج التنموي الجديد فرصة تاريخية لإعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع عبر ثلاث مرتكزات أساسية:

 

الجهوية المتقدمة كإطار لتوزيع عادل للسلطة والمسؤولية.

 

العدالة المجالية كضمان لتوزيع متوازن للثروة والفرص بين الجهات.

 

العدالة الاجتماعية كشرط لتحقيق التنمية البشرية الشاملة.

 

ولكي ينجح هذا الورش الإصلاحي الكبير، لا بد من تعزيز منظومة المراقبة والمساءلة. فالمراقب بدوره يحتاج إلى من يراقبه، ضماناً للشفافية ومنعاً لأي انحراف في السلطة. ولهذا بات من الضروري إحداث لجان مستقلة تتابع عمل لجان المراقبة والتفتيش، حتى لا تتحول الرقابة إلى مجرد واجهة شكلية.

خلاصة:

إن الإصلاح الإداري في المغرب قطع أشواطاً مهمة على مستوى التشريع والتنظيم، لكنه ما زال يحتاج إلى ثورة في الممارسة والعقليات. فالتحدي اليوم ليس في إصدار القوانين أو إطلاق المنصات الرقمية، بل في ضمان تفعيلها بفعالية، وتعميم روح الخدمة العمومية الحقيقية داخل كل إدارة ومؤسسة.

 

الإدارة المغربية الحديثة يجب أن تكون رافعة للتنمية والعدالة المجالية والاجتماعية، لا مجرد منفذ للمساطر. والإرادة السياسية الجريئة، إلى جانب التحول الجهوي الحقيقي، هما السبيلان لبناء إدارة تخدم المواطن وتواكب طموحات مغرب جديد يسير بثقة نحو المستقبل.

 

 

 

Categories
الصحة المبادرة الوطنية الواجهة جهات مجتمع

 «بيت بهية».. حين يحتضن الأمل أطفالًا تخلّى عنهم العالم

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

 

منذ تأسيسها سنة 2007، تواصل جمعية بيت بهية للأطفال المتخلى عنهم في وضعية إعاقة بمدينة بني ملال أداء رسالتها الإنسانية النبيلة، لتكون بيتًا للأمل ودفئًا حقيقيًا للأطفال الذين حرموا من الأسرة والرعاية. تُعتبر الجمعية الوحيدة من نوعها على صعيد جهة بني ملال – خنيفرة، ما يجعلها تتحمل مسؤولية كبيرة في التكفل بهذه الفئة الهشة التي تحتاج إلى عناية خاصة ومتابعة مستمرة.

تُعنى الجمعية بـ الإيواء والتكفل الكامل بالأطفال المتخلى عنهم في وضعية إعاقة، مع توفير المواكبة الطبية والنفسية والاجتماعية اللازمة لهم، إلى جانب برامج تربوية ورياضية متكاملة تهدف إلى تقوية قدراتهم الجسدية والعقلية. كما تشتغل المؤسسة على إدماج هؤلاء الأطفال في المنظومة التعليمية والاجتماعية، وتشجع انفتاحهم على محيطهم عبر أنشطة تربوية وتوعوية هادفة، مما يسهم في ترسيخ قيم المساواة والتضامن داخل المجتمع.

وتسعى “بيت بهية” إلى توسيع أثرها الإنساني من خلال إبرام شراكات وطنية ودولية للنهوض بأوضاع الأطفال في وضعية إعاقة، إلى جانب تنظيم حملات تضامنية لفائدة الأسر المعوزة بجهة بني ملال – خنيفرة، والمساهمة في تعزيز قدرات الجمعيات المدنية العاملة في المجال عبر الدورات التكوينية.

وقد توّج هذا المسار الإنساني المشرق بحصول الجمعية على جائزة المجتمع المدني لسنة 2024 التي منحتها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، إلى جانب شهادة تقديرية تثمينًا لعطائها الإنساني المتميز والتزامها المتواصل بخدمة الطفولة في وضعية هشاشة.

وفي حوار خاص مع السيدة فاطمة الزهراء مسق، رئيسة الجمعية، أوضحت أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسة تصل إلى 40 مستفيدًا، بينما تضم حاليًا 24 طفلًا مقيمًا إقامة دائمة، إضافة إلى مستفيدين آخرين من أسر معوزة يستفيدون من برامج الجمعية، ليصل العدد الإجمالي إلى 40 مستفيدًا.

وأضافت أن الجمعية تواجه تحديات متزايدة مع بلوغ عدد من الأطفال سن المراهقة، مما يستدعي فصل الإناث عن الذكور وتوسيع البنية التحتية للمؤسسة لتوفير فضاءات آمنة ومهيأة لهذه المرحلة العمرية الحساسة.

كما أكدت السيدة مسق أن أغلب المساهمات المالية التي تعتمد عليها الجمعية تأتي من تبرعات المحسنين، في ظل غياب أي دخل قار أو دعم مالي ثابت، مشيرة إلى أن استمرار هذا الصرح الإنساني رهين بدعم المجتمع المدني وغيرة الفاعلين المحليين على هذه الفئة التي تمثل أحد أوجه الإنسانية الصافية.

ورغم الصعوبات، تظل جمعية بيت بهية رمزًا للعطاء الإنساني الصادق، ودليلًا حيًّا على أن الرحمة والتضامن يمكن أن يصنعا الأمل من رحم الهشاشة، وأن المغرب لا يزال يزخر بقلوب مؤمنة بالعمل الخيري النبيل.

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة الواجهة حوادث مجتمع

تعزية في وفاة الفنانة الشابة زينب عتيق

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

 

بقلوب يملؤها الحزن والأسى، تلقّى الوسط الفني ومعه الرأي العام المحلي، نبأ وفاة الفنانة الشابة زينب عتيق، المنحدرة من عين الغازي بمدينة بني ملال، عن عمر يناهز 31 سنة، وذلك يوم الجمعة بمدينة سلوان نواحي الناظور إثر حادث سير.

 

الراحلة زينب عتيق بصمت مسيرتها الفنية القصيرة بحضور مميز، حيث أدّت دور البطولة في فيلمين أمازيغيين هما «تينباضين» و**«أكرام»**، لتترك بصمتها الخاصة في المشهد السينمائي الأمازيغي، بما امتازت به من موهبة صادقة وحضور مؤثر.

 

وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدّم أسرة الجريدة بأحرّ التعازي وأصدق المواساة إلى أسرتها الصغيرة والكبيرة، وخاصة إلى شقيقيها المخرج والممثل محمد عتيق والمخرج لحسين عتيق، راجين من العلي القدير أن يتغمّد الفقيدة بواسع رحمته، ويسكنها فسيح جناته، وأن يُلهم أهلها وذويها جميل الصبر والسلوان.

 

إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة أخبار امنية أعمدة الرآي أنشطة ملكية إقتصاد الصحة الواجهة بلاغ جهات سياسة قانون مجتمع

خطاب القبة يُعيد صياغة التحدي السياسي للمغرب

✍️ هند بومديان

عهد الإصلاح المنتظر..

خطاب القبة يُعيد صياغة التحدي السياسي للمغرب


في مساءٍ صوبت فيه أنظار المغاربة إلى “قبة القرار” في البرلمان، تقدّم الملك محمد السادس نصره الله ليُلقي خطابًا لا يشبه أي خطاب عادي، بل تضحى به لحظة مصيرية في تاريخ السياسة المغربية المعاصرة. لقد خرج من بين الجُدران المهيبة ما يشبه إعلان عهد جديد: عهد الإصلاح الذي لا يُجمل الكلام وحده، بل يُعطي الفعل الحَجَر الأكبر في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وبَذل الطمأنينة في نفوس المواطن الذي تأخّر استحقاقه طويلًا.

لم يكتف الملك محمد السادس نصره الله بتوجيه رُدود فورية إلى الأوضاع الاجتماعية والسياسية فحسب، بل اختار أن يوجه رسائله بِوزن إلى جميع الأطراف: الحكومة مطالَبة بتسريع الخطى، والبرلمان مُلزَم بتفعيل دوره الرقابي، والأحزاب مطالَبة بالتزامها في التأطير، والإدارات مطالَبة برحابة الأداء. خطاب القبة يُرسم كخارطة طريق لمعركة التغيير، ليست ضد أحد، بل لمصلحة الجميع. من يُعلّل تأخر الإصلاح بالبيروقراطية أو بالجمود المؤسسي، فليعلم أن الخطاب كان صارمًا في مركزية النتائج، وحازمًا في محاربة الممارسات التي تضيّع الزمن والموارد.

واحدة من أقوى رسائله كانت حين أكد الملك محمد السادس نصره الله أن “لا تناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية ما دام الهدف تنمية الوطن وتحسين ظروف العيش أينما كان المواطن”. هذه العبارة تُعد انتصاراً لصوت المقهورين المناديين بعدالة الفرص، ورفضًا للمنطق الذي يضحي بالجوانب الاجتماعية مقابل الرهانات الكبرى. لقد أراد جلالته أن يعيد التوازن، ويُرسّخ أن النهج السياسي الناجح ليس في الانجراف نحو المشاريع الفخمة وحدها، بل في أن يشعر بها المواطن في دكانه وشارعه.

في السياق ذاته، لم يغب البعد المجالي واتساع الفوارق بين الحواضر والمناطق النائية عن مخيال الخطاب. الملك محمد السادس نصره الله دعَا إلى اهتمام خاص بالمناطق الجبلية والواحات، معتبِرًا أن العدالة المجالية ليست شعارًا يُعاد تكراره في المناسبات، بل خيارًا استراتيجيًا يتطلب تضافر الجهود والتزاماً يوميًا. إن ترميم الهوة المكانية بين المواطن البعيد والسلطة، هو التحدي الذي فرضه الخطاب بخُبث سياسي وحنكة ملكية.

كما أن الخطاب تفاعل ضمنيًا مع نداءات شباب “جيل زد”، الذين أطلقوا احتجاجاتهم في عدد من المدن مطالبين بالعدالة الاجتماعية والفرص الحقيقية. لم يسمهم جلالته، لكنه صوّب إلى مطالبهم عبر دعوة صريحة لتوفير فرص شغل، وإصلاح التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وربط مؤسسات الدولة بالمواطن في “إشراك فعلٍ لا استجابة مؤقتة”. وقد بدت في هذا النوع من التفاعل إشارات واضحة إلى أن الدولة لا تنكر هذا الحراك، بل تسعى إلى استيعابه في إطار سياسات مؤسسية متينة.

وطبعًا، لا يمكن تحليل هذا الخطاب دون الإشارة إلى توقيته الحساس؛ فقد جاء في السنة الأخيرة من الولاية التشريعية، حين تستعد النخب السياسية لمحاسبة الأداء. اختار الملك محمد السادس نصره الله أن يضع الكل أمام التزام صريح: إما أن تستثمر السنة المتبقية في إنجاز ما تبقى من مشاريع، أو أن تستسلم لهوامش الهزيمة السياسية. بهذا، لا يبقى مجال للتأجيل أو المراوحة.

فخطاب القبة ليس مجرد كلمات تُلقى، بل هو بلورة لرهان تاريخي: رهان أن يعود الحِراك الاجتماعي إلى مؤسساته، أن يلتقي الشباب بالسياسة التي تُغيّر، وأن يُترجَم الإصلاح إلى واقع محسوس من طرف المواطن. من سيتجرّأ على التردد في الاستجابة؟ ومن سيختار الاشتغال بالمسؤولية بدل بخور الخطابات؟ الأيام القادمة ستكون القاضية.

Categories
أخبار 24 ساعة الواجهة جهات مجتمع

المدير الإقليمي للتعاون الوطني ورئيس قسم العمل الاجتماعي يُعطيان الانطلاقة الرسمية لعملية تشخيص الإعاقة والاضطرابات النمائية بإقليم النواصر

فيصل باغا

في خطوة رائدة نحو تعزيز الإدماج الاجتماعي وتحسين جودة الخدمات الموجهة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، أشرف كل من المدير الإقليمي للتعاون الوطني بإقليم النواصر ورئيس قسم العمل الاجتماعي بعمالة الإقليم، صباح اليوم، على إعطاء الانطلاقة الرسمية لعملية تشخيص الإعاقة والاضطرابات النمائية داخل المؤسسات التعليمية العمومية على مستوى الإقليم.

هذه المبادرة النوعية تندرج في إطار تنزيل السياسة الوطنية المندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، التي تهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص وتمكين هذه الفئة من حقها الكامل في التعليم والرعاية الصحية والمواكبة النفسية والتربوية. وتهدف العملية إلى تشخيص الحالات التي تعاني من إعاقات مختلفة أو اضطرابات في النمو، من أجل تحديد احتياجاتها الخاصة وتوفير الدعم والمواكبة الضروريين لتحسين ظروف تمدرسها وحياتها اليومية.

وفي هذا السياق، أكد المسؤولان في كلمتيهما خلال حفل الانطلاق أن هذه العملية تأتي في سياق تنفيذ التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان الولوج المنصف إلى الخدمات العمومية، خصوصًا لفائدة الفئات الهشة والأشخاص في وضعية إعاقة.

كما أشادا بالدينامية القوية التي تشهدها هذه المبادرة، بفضل التعاون الوثيق بين السلطات المحلية، والمصالح الخارجية، والأطر التربوية، وجمعيات المجتمع المدني، التي انخرطت بكل مسؤولية في إنجاح هذا الورش الإنساني والاجتماعي الهام.

وستمكن هذه الحملة، التي ستغطي مجموع تراب الإقليم، من إعداد قاعدة بيانات دقيقة حول وضعية الإعاقة في المؤسسات التعليمية، ما سيساهم في توجيه التدخلات المستقبلية على أسس علمية وميدانية، وتنسيق الجهود بين مختلف المتدخلين لتحقيق الأهداف المسطرة في مجال الإدماج المدرسي والاجتماعي للأشخاص في وضعية إعاقة.

وقد لقيت هذه المبادرة إشادة كبيرة من طرف الأطر التربوية والفاعلين الجمعويين، الذين اعتبروها خطوة عملية نحو مدرسة دامجة ومجتمع متضامن، يعترف بحقوق جميع أفراده دون تمييز.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة متفرقات مجتمع

“فضيحة في قلب ابن رشد”.. لجنة تحقيق تكشف أسرارًا خطيرة داخل مستشفى الهاروشي بالدار البيضاء! التجارة في دم الأطفال الزوهريين

مع الحدث/ الدارالبيضاء 

المتابعة✍️: مجيدة الحيمودي

 

اهتزّ المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء على وقع تحقيق داخلي غير مسبوق، بعدما فجّر طبيب مقيم في مقطع فيديو متداول على موقع “فايسبوك” اتهامات صادمة حول ما وصفه بـ”ممارسات غامضة ومريبة” داخل قسم الأمراض الباطنية بمستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي.

الطبيب الذي ظهر بوجه مكشوف وصوت واضح، تحدّث عن وجود منشفات ملوّثة بدماء أطفال “زهريين” يتم الاحتفاظ بها بطريقة مثيرة للريبة، دون أن تُعرف الأسباب أو الجهة التي أمرت بذلك. هذه التصريحات أحدثت زوبعة داخل أروقة المستشفى، وأجبرت إدارة المركز على التحرك العاجل لتطويق الأزمة.

وبحسب مصادر مطلعة فقد شكّل المدير العام للمركز لجنة خاصة تضم دكاترة وبروفيسورات من مختلف التخصصات، أوكلت إليها مهمة التحقيق الميداني في مضمون الشكاوى والاتهامات، والاستماع إلى العاملين داخل القسم المعني، في محاولة لكشف ما إذا كانت الادعاءات مبنية على وقائع حقيقية أو مجرد سوء تقدير مهني.

التحقيقات الأولية وفق نفس المصادر، تجري في أجواء مشحونة بالحذر والتوتر، خصوصًا بعد تداول الفيديو على نطاق واسع، وما رافقه من تساؤلات حول معايير النظافة والتدبير داخل مستشفى الهاروشي، الذي يُعتبر من أكبر المؤسسات الصحية المخصصة للأطفال في المغرب.

وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن اللجنة استمعت بالفعل إلى عدد من الأطر الطبية والتمريضية، على أن تُرفع نتائج التحقيق إلى الإدارة المركزية خلال الأيام المقبلة، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات تأديبية أو قانونية إذا ثبتت أي تجاوزات.

القضية التي تحولت إلى موضوع رأي عام على مواقع التواصل الاجتماعي، أعادت إلى الواجهة سؤال الشفافية داخل المستشفيات العمومية، وضرورة تفعيل الرقابة الصارمة على طرق حفظ الأدوات والمعدات الطبية، خصوصًا في الأقسام الحساسة التي تُعالج الأطفال والرضّع.

ويبقى السؤال المطروح اليوم:

هل سينتهي التحقيق بتبرئة الأطر واعتبار الأمر مجرد “سوء فهم مهني”؟ أم أن المستشفى مقبل على زلزال إداري وأخلاقي قد يهزّ الثقة في المنظومة الصحية بأكملها؟

 

 

 

 

Categories
أخبار 24 ساعة الصحة المبادرة الوطنية الواجهة جهات متفرقات مجتمع

التفاتة إنسانية نبيلة: جمعية ARAS تزور بيت بهية وتمنح الأمل لأطفال في وضعية إعاقة

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

في مبادرة إنسانية راقية، قامت الجمعية الجهوية لدعم الصحة بجهة بني ملال – خنيفرة (ARAS) بزيارة خاصة إلى مؤسسة بيت بهية للأطفال المتخلى عنهم في وضعية إعاقة بمدينة بني ملال، وهي المؤسسة الوحيدة من نوعها على مستوى الجهة، والمتخصصة منذ تأسيسها سنة 2007 في رعاية هذه الفئة الهشة.

وقد خصصت الجمعية هذه الزيارة لإجراء فحوصات طبية شاملة لفائدة أطفال المركز، حيث استفاد ما يقارب 40 طفلًا من خدمات في الطب العام وطب الأسنان وطب العيون، أشرف عليها طاقم طبي متطوع تابع للجمعية. كما تم خلال الزيارة توزيع الأدوية ومستلزمات النظافة الصحية على المؤسسة، دعمًا لجهودها اليومية في العناية بالأطفال.

وخلال عمليات الفحص، تم تشخيص سبع حالات تعاني من ضعف في النظر، حيث التزمت الجمعية بتزويدهم بالنظارات الطبية اللازمة في أقرب الآجال، في بادرة تعكس روح المسؤولية الاجتماعية التي تطبع أنشطة ARAS.

ولم تقتصر الزيارة على الجانب الصحي فقط، بل تميزت أيضًا بأجواء إنسانية مفعمة بالحنان والتقدير، إذ قامت الجمعية بتوزيع هدايا وألعاب على الأطفال، مما أدخل البهجة على قلوبهم وأضفى جوًا من الفرح والتفاعل داخل المؤسسة.

وتأتي هذه الالتفاتة النبيلة في إطار حرص جمعية ARAS على مدّ جسور التضامن والتكافل مع مختلف المؤسسات الاجتماعية بالجهة، وتأكيدًا على أن الرعاية الصحية ليست مجرد خدمة، بل رسالة إنسانية تتكامل مع جهود التربية والحماية الاجتماعية التي تضطلع بها مؤسسة بيت بهية منذ سنوات.

من جهتها، عبّرت مديرة المركز عن شكرها وامتنانها العميقين لأعضاء جمعية ARAS، مثمنةً هذه المبادرة التي وصفتها بأنها “أكثر من زيارة طبية، إنها لمسة إنسانية صادقة أدخلت الأمل في قلوب أطفالنا، وأكدت أن الخير لا يزال حيًا في المجتمع”.

بهذه الزيارة المميزة، جسدت جمعية ARAS نموذجًا راقيًا للتعاون والتكافل الجمعوي في خدمة فئة تحتاج إلى الكثير من العناية والدعم، لتبقى بيت بهية رمزًا للاحتضان والرحمة، وفضاءً ينبت فيه الأمل رغم قسوة الواقع.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة جهات مجتمع

ثامطوث… حين يصبح العطاء هو اللغة التي توحّد القلوب

فاطمة الحرك

في كل مدينة وقرية، هناك جمعيات وفعاليات ومبادرات، لكن قلّما نجد من بينها جمعية تحمل في جوهرها معنى الإنسانية الحقيقية، لا شعاراً ولا تظاهراً، بل فعلاً يومياً متواصلاً ينبع من القلب.

جمعية ثامطوث واحدة من هذه النماذج النادرة التي استطاعت أن تخلق حولها هالة من الاحترام والثقة، لأنها اختارت منذ البداية أن تكون صوتاً للناس، ويداً تمتد للعون، ووجهاً من وجوه الأمل.

منذ تأسيسها، لم تكن ثامطوث تبحث عن المجد أو الشهرة، بل عن الأثر الإنساني العميق. كانت تدرك أن التغيير لا يأتي دفعة واحدة، بل يُبنى بجهود صغيرة متواصلة، وبحبٍّ لا ينطفئ. لذلك تراها اليوم حاضرة في كل مناسبة، وفي كل مبادرة تسعى إلى نشر الوعي، دعم الأسر، أو إشاعة روح التضامن بين أبناء الساكنة.

ما يميز هذه الجمعية هو أنها لا تعرف المستحيل. أمام كل عائق، تجدها تبتكر طريقاً جديداً. لا تشتكي قلة الموارد، ولا تتذرع بالعقبات، بل تؤمن أن الإرادة أقوى من أي حاجز، وأن النية الصافية قادرة على فتح الأبواب المغلقة.

أعضاؤها يعملون في صمت، بوجوه بشوشة، وقلوب مليئة بالإيمان. يجتمعون ليس لأن هناك تمويلاً أو مصلحة، بل لأنهم يجدون في العمل الجمعوي معنى للحياة. فيهم من يُنظم الأنشطة ومن يُرافق الأطفال ومن يُنسق مع الجمعيات الأخرى ومن يسهر على التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق الكبير.

أنشطتها متنوعة كألوان الحياة:

من حملات التبرع بالدم التي تنقذ الأرواح، إلى الأنشطة التحسيسية التي تنير العقول وتنشر الوعي الصحي والاجتماعي. ومن المبادرات التضامنية التي تُدخِل الدفء على الأسر المحتاجة، إلى الورشات الثقافية والفنية التي تمنح الشباب مساحة للتعبير والإبداع

كل نشاط يحمل بصمة “ثامطوث” الخاصة دفء إنساني وتنظيم دقيق وإصرار على النجاح

ولأنها تؤمن بقيمة الشراكة، فقد فتحت أبوابها لتعاون واسع مع جمعيات ذات مصداقية داخل المنطقة وخارجها، لتوحيد الجهود حول هدف مشترك خدمة الإنسان أينما كان هذه الشراكات ليست مجرد بروتوكولات، بل علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والإيمان العميق بأن العمل الجماعي هو السبيل الوحيد لصنع التغيير الحقيقي.

جمعية ثامطوث تحمل في داخلها رسالة نبيلة: أن الإنسان قادر على أن يكون فاعلاً في مجتمعه مهما كانت إمكانياته بسيطة. وأن التضامن ليس ترفاً، بل ضرورة.

حين تنظر إلى مسارها، تدرك أن هناك شيئاً مختلفاً في هذا الفريق… شيئاً يجعلهم يستمرون رغم التعب، يبتسمون رغم الصعوبات، ويحتفلون بكل نجاح كأنه ولادة جديدة للأمل.

هم لا ينتظرون الشكر، ولا يسعون إلى التصفيق. يكفيهم أن يروا نظرة امتنان في عين محتاج، أو بسمة طفل استفاد من نشاط، أو دمعة فرح لأمٍّ شعرت أنها ليست وحدها في مواجهة الحياة.

ثامطوث ليست مجرد جمعية… إنها روح تتحرك بين الناس.

إنها طاقة حبٍّ جماعية تصرّ على أن تُبقي شعلة الخير متقدة في زمنٍ كثرت فيه اللامبالاة.

هي رسالة لكل من يظن أن التغيير مستحيل، تقول له بثقة لا شيء مستحيل حين نعمل من القلب ولأنها تنتمي إلى الأرض وإلى الناس ستظل ثامطوث حاضرة ما دام في هذا الوطن من يؤمن بأن الإنسانية أكبر من كل حدود، وأن الخير حين يُزرع بالنية الصافية ويثمر في كل القلوب .

Categories
أخبار 24 ساعة الواجهة مجتمع

ركن الأدباء في يوم بارد ممطر

The corner of authors in a cold rainy day

عصفت رياح أواخر فصل الخريف لتعلن عن رحيل فصل شاحب مخيف. تتلاشى أوراق الأشجار الصفراء والبنية وهي تتدحرج أمام عيناي على الرصيف البالي الأملس، وكلما تقدمت خطواتي عبر الأزقة كي أصل إلى الشارع الكبير، كلما ازداد نحيب أصوات التيار الهوائي المخيف وهو يلامس الأسلاك الكهربائية المتدلية، والتي أثقلتها بعض الأحدية الرياضية البالية التي رماها بعض الصبية الأشقياء لتبقى معلقة بتلك الأسلاك إلى أن يشاء ربك. لم أكن أدري بأن كثافة الغمام السوداء الداكنة هذه وفي هذا الفصل بالضبط، ستأدي لا محالة إلى هطول كمية أمطار هائلة غير متوقعة.

 

طرقت باب بيت صديقي المتواجد بنفس الحي، وهو باب خشبي عتيق تآكلت بعض أطرافه بفعل الحارة والأمطار كذلك. كان صديقي ينتظرني في بيته طيلة الصباح كي نذهب مع بعض إلى مقهانا المعهود “مقهى ركن الأدباء”، وكلنا شغف كي نلقى الأحبة والأصدقاء ثانية. واصلنا السير بعد عناق حار. ونحن نمشي بخطى ثقيلة، التفَتُّ يُمنة ويُسرة لعلي أرى أحدا، لكن الزقاق كان خالياً من أنفاس التعساء والمارة، وكان الطريق غي الجهة الأخرى يبدو مخيفا وقد غمره الغبار من الأرض حتى عنان السماء. وفي الحقيقة، فقد كنا لحظتها نجد صعوبة في شق طريقنا نحو ذلك المقهى الشبه مهجور، في زاوية إحدى الأزقة القديمة، نظرا لقوة الرياح المندفعة نحونا بسرعة فائقة، وخاصة من خلال فوهة الزقاق الآخر الضيق والملتوي تارة بعد أخرى والمؤدي إلى تقاطع مع الشارع العام الفسيح الذي يكاد يخلو من السيارات والدراجات ومن البشر والدواب الذين اعتدنا رأيتهم بين الفينة والأخرى طيلة باقي أيام الأسبوع. لاحظت بأن صديقي كان يحاول لحظتها أن يتمسك بكتفي بكلتا يديه وبكل قواه وهو يقاوم تلك الرياح القوية الشرسة، بينما يضع يده اليسرى على وجهه تارة أخرى حتى تكاد تغمض عينيه خشية الغبار والحصى الصغيرة المتطايرة بفعل زمهرير الرياح العاتية. لم يصدق إبراهيم بأننا نقف الآن على عتبة المقهى العتيق الذي فضل صاحبه أن يغلق الباب البني الثقيل المزركش الذي تتخلله صدفات نحاسية قديمة بارزة بأشكال هندسية خماسية وأخرى دائرية. وبما أن المقهى يقع بجوار ثانوية عتيقة أيضا خلف الزقاق الضيق، فإن بعض الفضوليين من الطلاب لم يتوانى عن خدش جمالية الباب والعبث به، وذلك بحفر اسم حبيبته أو كتابة أول حروف اسمه أو اسم فريقه الرياضي المفضل، أو أبيات شعر ترثي حظه وتندب فقره المقذع وتعاسته السرمدية!

دفع إبراهيم الباب بقوة مخافة الرياح والحصى المتناثرة التي أسالت دموعه، لنسمع صوت المزلاج والمفصلات الحديدية التي تمسك الباب بإطاره، وهي تصدر صوتا حادا بفعل احتكاكها مع بعضها البعض: زيييييـــــــــــــــــط ….. ريييييــــــــــــيط، إذ لم يكترث صاحب المطعم أن يصب عليها ملعقة زيت كي يخرس صرير صوتها المزعج. اندفعنا بسرعة وكأننا نلقي بأجسامنا نحو الداخل اتقاء تلك الرياح المخيفة حقا. لم نكد نصدق بأننا الآن في مأمن سالمين وبإمكاننا أن نتجاذب الحديث مرة أخرى براحة تامة، ونحن في منأى عن المارة وعن ضوضاء المدينة وصخبها الذي لا يهدئ إلا عند غروب الشمس وعندما ينتشر الظلام ويرخي الليل سدوله وتعانق الأحلام الوردية مخيلات أصحاب الغرام والمحبين، وحين تداعب أنامل النعاس أجفان الأشقياء والتعساء من سكان القرى والمدن والفيافي، لكي يسلّموا أرواحهم لبارئها وهم يتقلبون في مراقدهم ويلتحفون الأمل في فراشهم تحت أجنحة الظلام الحالك المخيف في جوف الليالي السرمدية الباردة، وتحت زغاريد ربات الجن في زوايا الغرف والبيوت.

سحب كل منا كرسيا خشبيا ثقيلا وجلسنا وكأننا نلقي بثقل أجسامنا إلى الأرض ونحن نتنفس الصعداء مع زفير يكاد يُسمع من بعيد. وضع إبراهيم قبعته على حافة الطاولة كي يترك مكانا شاسعا يكفي للصينية التي سيأتي بها النادل في أقرب وقت لا محالة تحت أصوات الرعد المخيفة وبداية الأمطار الغزيرة التي يمكننا رؤية خيوطها من خلال النوافذ الدائرية الشكل البارزة.. التفت إبراهيم يمنة ويسرة وهو يحملق ببصره في كل زاوية من هدا المكان العجيب بكل ما فيه من أفرشة وآتات وأواني نحاسيه وحديدية، وآلات موسيقية قديمة وملابس جد بالية، بل وحتى في سقف المقهى الخشبي العجيب المكون من أعمدة غليظة بمطلية بألوان مختلفة، وكأنه يراه لأول مرة، وفي نفس الوقت لا يصدق عينيه بأن المكان يكاد يكون خاليا تماما باستثنائنا نحن الاثنين، ورجل عجوز حشر نفسه في إحدى زوايا المقهى، وهو ينفث وينثر الدخان من سيجارته بشكل بهلواني عجيب ومتقطع، ثم يتابع الدوائر التي يشكلها الدخان وهي ترتفع ببطء إلى عنان السماء لتنكسر على مشارف أخشاب السقف المصفرة. بإمكانك قراءة حاله ووضعيته الاجتماعية بمجرد الإمعان فيما رسمته على محياه تجاعيد وجهه الكلح وملامحه الشديدة الحمرة بفعل لفحات الشمس. ينتابك شعور غريب إذاً وأنت تحملق في تفاصيل تجاعيد وجهه، وكأنك تقلب نظرك في صفحات كتاب مصفر قديم قدم الزمن البعيد، فتقرأ وتغور في كنه أحزانه لتستوقفك في كل لحظة قصة من قصصه الحزينة أو محطة من محطات حياته الغابرة، وكأنك تقلب أوراق ذلك الكتاب المصفرة الشاحبة والداكنة اللون والتي أصبحت هي أيضا تميل بدورها إلى حُمرة كتلك التي تعتري وتكسو وجه هذا المخلوق التعيس، الذي أصبح يعشق صمت تلك الزاوية ونورها الخافت الضوء في هذا المقهى. إنه يمثل شريحة تعيسة هي أيضا من مجتمعه، لطالما عانت ولازالت تعاني في صمت وفي ظلمة حالكة!!!، وتعشق الركون إلى الزوايا الشبه مظلمة!!!، بل تتبّع هي أيضا خيوط ودوائر دخان تحدثه مسارات سياسة بائسة تتحرك بفعل أنامل خفية (ربما من وراء الستار مثل الدمى)، لتنكسر هي أيضاً هنالك في الأعالي على صخور الجبال الصماء، تاركة معظم أولئك التعساء يجرون أذيال الخيبة، لتكبلهم الأشجان والأحزان وتحرمهم من لذة النوم والسبات العميق والرقود الذي طالما اشتاقوا إليه !!!.

لم يمض على وقتنا الكثير حتى بدأ أصدقائنا الأوفياء بالالتحاق بالركب، وما هي إلا دقائق معدودة حتى أصبح المكان يعج بالأصوات هنا وهناك، بينما العجوز فقد ظل يبادلنا نظرات حادة تعيسة دون ابتسامة، وهو يتابع دوائر دخان سيجارته كالمعتاد. وبما أننا شغوفين بالأدب والشعر فقد كان البعض لا يهدأ له بال حتى يعطي لأحدنا كنية أو لقبا يحمل اسما لأحد أعلام الأدباء أو الشعراء القدامى، فكنا في كل لحظة نسمع صيحات الحضور مثل:

ها هو أبو العلاء المعري قد وصل !؛ أو لقد جاء المتنبي!؛ أو الهدوء من فضلكم: لا أحد يتكلم، ها هو الأعشى قد وصل !!!…..؛

ثم يصيح آخر وهو يتصدر المجلس:

ها قد اكتمل العقد بوصول أميرة الشعراء الخنساء !!!….؛ وهاهي الحسناء مي زيادة !!! ويبدأ التصفيق والصفير أحيانا، وتتعالى الأصوات بشكل غريب وعجيب تعبيرا عن الفرحة والبهجة والسرور بقدوم كل أفراد تلك النخبة التي ستثري النقاش عشية هذا الثلاثاء، بداية أكتوبر من سنة 1981م، بعد يوم مليء بالغبار والزوابع يبشر بقدوم أمطار غزيرة. ورغم هذه الأجواء المرعبة وزمهرير الرياح العاتية المخيفة، فإن ذلك لم يثني من عزيمة هذه النخبة عن الرغبة في الاجتماع والإنصات لما هو جديد وما ستجود به قريحة كل واحد من هؤلاء الأدباء والشعراء الأوفياء إلى ركنهم المعتاد: “ركن الأدباء”.

اعتاد الرجل العجوز على تلك الضوضاء الغير عادية وذلك الجو البهيج الذي تحدثه “جلسة الثلاثاء” تلك بذلك المكان، فربما كانت تزعجه، إلا أنها في آن واحد كانت تكسر صمت وهدوء زاويته المعتادة وتؤنس وحشته، أو ربما كانت تسعده لأنها تعيد بفكره الشارد إلى واقع الحياة المرير، فتربطه وتحبسه إلى هذا الركن من واقع الحياة في ذلك اليوم المختلف عن سائر وباقي الأيام وعن ذلك العالم المخيف في الشارع خلف هذا الزقاق وزجاج هذا المقهى العتيق!!!….

رغم اختلاط الأصوات وكثرة اللغط أحيانا، وخاصة في بداية الجلسة، كانت لنا القدرة على تمييز بعضها عن بعض حتى دون الالتفات إلى صاحبها أو صاحبته!!!، ولا تمر لحظة إلا وتسمع قهقهة الضحك هنا وهناك مع سماع عبارات العتاب أو المجاملة.

نعم، كانت تلكم هي حالة أدبائنا وشعرائنا وأساتذتنا ومعلمينا في السبعينات والثمانينات من هذا القرن، إذ غالبا ما كانت تلك الجلسات تمحو كل همومنا وأحزاننا، بل لا يظهر على محيانا سوى الفرح والسرور وتلك الابتسامة العريضة التي تتخلل حديثنا، وكأن كل واحد منا قد كان يترك أحزانه خلف عتبة المقهى قبل ولوجه. في غمرة تلك السعادة، سرعان ما يحضر براد الشاي المنعنع، لتتحف الخنساء الجمع بطبقها المفضل من الحلويات المغربية العريقة (“غريبة، والفقاص، وكعاب لغزال”) التي تحضّرها هي بنفسها أياما قبل “جلسة الثلاثاء” المعهودة دون كلل ولا ملل!!!.

أين نحن اليوم من تلك الجلسات التي كانت تجمعنا فيها المحبة الصادقة والأخوة وشغف القراءة والمطالعة والاطلاع على كل ما هو جديد من شعر ونثر وأدب؟!!!…

نعم بالأمس القريب فقط امتدت مخالب الرأسمالية المتوحشة الشرسة إلى زوايا هذا المقهى وغيرته مثل باقي المباني الأثرية، كمسرح المدينة العتيق وملعب الثيران ودور السينما وغيرها، بل وحتى الحدائق العمومية، ابتلعها الجشع وحب المال، مثل ما حصل لذلك المقهى المهجور، لتبنى على أنقاده مكاتب ومحلات تجارية!!!، وارتحل ذلك الرجل العجوز إلى مقهى آخر يختلف تماما عن مكانه المعهود، ولم يعد يجد فيه ذلك الصمت والهدوء الذي كان يعهده طيلة الأسبوع، عدا يوم الثلاثاء، بل أصبح المقهى العصري الجديد، الذي يقصده هذا العجوز، تعتري كل زواياه الفوضى والصخب والضوضاء، كما عُلّقت على أركان جدرانه شاشات تلفزيه ضخمة بدلاً من تلك اللوحات الزيتية القديمة المعبرة التي رسمتها ريشة فنانين من ذوي الذوق الرفيع والإبداع وكانت تكسو جدران مقهانا العتيق. كانت تلك اللوحات غالباً ما تجعلك دوما تسبح في فضاء الذاكرة والخيال بمجرد أن تنظر إليها. أصبح المقهى الجديد يغص بشباب، وحتى شيوخ بقصات شعر مقززة وسراويل شبه ممزقة تخدش الحياء، وهي متدلية وتظهر جزءا من مؤخرة البعض، دون حياء!!!، تتعالى أصواتهم ويتشاجر بعضهم مع بعض ويتبادلون الشتم والكلمات النابية وحتى اللكمات حول أتفه الأشياء!!!…، بل يكاد المكان أن يخنق أنفاسك بكثرة المدخنين وصراخ المحتجين وعويل التافهين والباعة المتجولين، وتتلقفك في كل لحظة نظرات المتطفلين، ويقلق راحتك ويرهقك كثرة المتسولين ويتلقفك ودون انقطاع الباعة والسائقين المتهورين، وأصوات الدراجات النارية المفبركة التي تقض مضجع المرضى وحتى المارة والمسافرين، ويبادرك (على حين غرة) بالأسئلة والفضول سرّاق السمع من الجنة والإنس والأباليس، وهم في لباس بني البشر، فيعتريك الشك وكأنك بين الحلم واليقظة لتبدأ في تحسس أعضاء جسمك كي تتأكد من أنك لازلت في هذه الدنيا وهذا الكون المخيف -ورغم كل ذلك- حياًّ ترزق وعلى قيد الحياة!!!. ولج العجوز هذا المقهى الجديد التافه بكل المقاييس )حسب رأيه(، رغم رونق أثاثه وبلاطه وسقفه وكراسيه الجلدية اللامعة، وطاولاته المطلية بألوان زهية؛ مكان يبدو أجوف وتغشاه التفاهة، رغم وجود القليل من الخيرين اللذين يذوبون في مثل هذه الأماكن كما يذوب الملح في الماء، وتتخلل زواياه جرائد مثقلة بالتفاهة هي أيضاً، محشوة بأخبار السوق والركاكة واللغة العامية، وأخبار الأحداث الدامية والجرائم، وقصص السرقات والعنف المقيتة المهولة، وأخبار مطاردة مهربي المخدرات والأقراص المهلوسة وإلقاء القبض عليهم، والدعايات المغرضة التي تملئ صفحات بأكملها، وكذلك قصص المغنين والمغنيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!!!….

أين نحن إذاً من ركن الأدباء في مقهانا العتيق والفريد من نوعه في ذلك الزمن الغابر؟!!!…، وأين نحن من أيام الصفاء والنقاء والتسابق في فعل الخير والإحسان؟!!!…، زمن كان الشارع في حد ذاته مدرسة تلقنك الأدب والاحترام وكيفية التعامل مع الناس على اختلاف مشاربهم وأطيافهم، وتعلمك احترام الرأي الآخر!!!، وأين نحن من الكلام الطيب الجميل، ومن عالم القراءة والأدب؟!!! …، أين نحن من تلك الجلسات التي كانت تعج بها زوايا المقاهي في الأحياء والحارات والأزقة والطرقات، فتستمع لأحاديث جلساتها وكأنك تستمع إلى أزيز النحل هنا وهناك؟!!!…؛ فما أحوجنا إلى تلك الثقافة، وما أحوجنا إلى تلك التجمعات حول موائد الأدب والعلوم والفلسفة والفكر. ما أحوجنا اليوم إلى عالم القراءة ونشر ثقافة الإيجابيات بدلاً من نشر الثقافات السلبية والتفاهة، وثقافة السمسرة في كل شيء، فنتجمهر ونتجمع حول قراءة كتاب أو مؤلف، ونشرع في نقده بحس وفكر أدبي محض، كما كنا نفعل في الزمن. لم نعد نشاهد ذلك وبكثرة إلا عند مشاهدة مباريات كرة القدم أو غيرها، أو عند مشاهدة بعض البرامج التافهة، وحول قصص وتفاهات أخبار الجرائد البئيسة !!!…؛ ما أحوجنا اليوم إلى السباق نحو تغذية الفكر مثلما نتسابق ونتعارك (وبشراسة) من أجل تغذية البطون!!!…، ليتنا نتحرى الصدق في القول والعمل، ونتجنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونخفض من أصواتنا ونحفظ ألسنتنا من الكلام السب والشتم، لأنه وكما يقال: ” بذاءة اللِّسان تحطّ من قيمة الإنسان”، و- لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلاَ لَعَّانٍ وَلاَ فَاحِشٍ وَلا بَذِيءٍ ” كما ورد في الحديث النبوي الشريف….،،، ما أحوجنا إلى العودة إلى الزمن الجميل بكل مقوماته ومكوناته وبشعره وأدبه ونثره، وفنونه الخالدة وبنسائه ورجاله الأوفياء….

والله ولي التوفيق،،،

باحث في مجال التربية والتعليم والثقافة